الجمعة 2017/03/31

آخر تحديث: 08:38 (بيروت)

موازنة 2017.. ضبابية ودون قطع حسابات

الجمعة 2017/03/31
موازنة 2017.. ضبابية ودون قطع حسابات
خليل: هذه الموازنة تشكّل محطة لإعادة الإنتظام الحقيقي إلى المالية العامة (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
أقر مجلس الوزراء مشروع موازنة العام 2017، والمجلس في إنتظار توقيع رئيسه سعد الحريري، على المشروع، ليُحال إلى مجلس النواب، كي تناقشه لجنة المال والموازنة. لكن المشروع الذي وصفه وزير المال علي حسن خليل بأنه "من أبرز القضايا التي شكّلت خلال السنوات الماضية تحدياً أمام اللبنانيين والحكومات المتعاقبة"، تضمّن جملة من البنود، مُررت تحت عناوين ضبابية.

وإن كان خليل قد رأى في المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس 30 آذار، أن "هذه الموازنة تشكّل محطة لإعادة الإنتظام الحقيقي إلى المالية العامة"، إلا أنه لم يذكر الآلية القانونية التي أجازت إتمام الموازنة قبل الانتهاء من وضع قطع الحساب عن السنة السابقة. فإنتظام المالية العامة بصورة صحيحة، يعني إنجاز المطلوب ولاسيما قطع الحساب.

يؤكد الخبير الإقتصادي حسن مقلّد في حديث لـ"المدن"، أن موازنة العام 2017 لم تشهد عملية قطع حساب عن سنوات سابقة. وقطع الحساب، برأي مقلّد "يستحيل إنجازه، لأن هناك نقاطاً كثيرة عالقة، منها مسألة اختفاء 11 مليار دولار". أما الحل، فيُتوقّع تمرير "ربط نزاع يقضي بإقرار موازنات إستناداً إلى قطع حساب يبدأ من العام 2011". وهو ما يُعتبر خطوة تضمن حداً أدنى من العمل. ويتخوّف مقلّد من "صفقة تطيح إنجاز أي قطع حساب، وربما تطيح بالموازنة الحالية أيضاً. فكل شيء وارد". ما يعني أن إقرار الموازنة الحالية في مجلس الوزراء يبقى مرهوناً بالصفقات السياسية التي يمكن أن توقف أي تقدّم، حتى وإن درست اللجان النيابية مشروع الموازنة. وحينها، يقول مقلّد "تُكمل السلطة ما تقوم به الآن"، خصوصاً أن مشاريع موازنات الأعوام 2014، 2015 و2016، لم يتم الإتفاق عليها بسبب السجالات، والأهداف السياسية التي يكسبها أكثر من فريق، نتيجة عدم إقرار الموازنات وقطع الحسابات.

من جهة أخرى، تضمن مشروع الموازنة "تخصيص 200 مليار ليرة لدعم فوارق فوائد القروض الاستثمارية". وفي باب النفقات، أقرت الحكومة "زيادات على بعض القطاعات الصحية والاجتماعية والتربوية". وأدرج الوزراء "اعتماداً لتحقيق بنى تحتية وعتاد للجيش اللبناني بقيمة 337 مليار ليرة، تنفيذاً للقانون 30/2015"، إلى جانب إنفاق إضافي لكل من وزارتي الطاقة والأشغال "بقيمة 100 مليار ليرة"، لكل وزارة، يُضاف المبلغان إلى موازنتيهما ومشاريع القوانين". كذلك، حظي قطاع الإتصالات بإعداد قانون برنامج "لتطوير وتوسيع الشبكة الثابتة في الاتصالات ومتمماتها بقيمة 225 مليار ليرة". ناهيك بتخصيص اعتمادات "لدفع ديون الضمان الاجتماعي". وإذا كان مبدأ الموازنة العامة يمنع تخصيص أي اعتمادات، فإن مقلّد يلفت إلى عدم وضوح باب صرف النفقات على وجه الدقة، حتى وإن تم تخصيص إعتماد لقطاع معين. فعلى سبيل المثال، تُعلن الحكومة أنها خصصت اعتمادات لقطاع الصحة، لكن قطاع الصحة متشعّب، فيه المستشفيات والتقديمات الصحية وما إلى ذلك، فكيف يمكن للرأي العام أن يعلم إذا ما ذهبت المخصصات إلى أماكن حاجتها الصحيحة، ضمن القطاع الصحي.

وبرأي أستاذ الإقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، جاد شعبان، إن ما تقوم به السلطة في ما يخص الموازنة العامة، "هو استكمال للنهج السياسي والإقتصادي لكل الحكومات التي أتت بعد الحرب الأهلية". فالحكومات المتعاقبة، وصولاً إلى الحكومة الحالية، تسير في ملف الموازنة وفق منطق "تضييع المسؤوليات". ويشير شعبان إلى أن "وزارة المال في كل الحكومات تعلم حجم الأموال التي تحوّل إلى الوزارات، وتعلم أين تُصرف". بالتالي، فإن الحديث عن اختفاء أموال، أو عن هدر غير ملحوظ، يصبح ضرباً من الخيال. وأكّد خليل هذا التوجّه عبر إعلانه سلسلة من "الإصلاحات" المرتبطة بالحد من الهدر وتخفيف النفقات، أي أن أبواب الهدر معروفة، ومع ذلك كانت الحكومات تستمر في تمويلها. ومن أبواب الهدر، وفق خليل، هو المواد الإستهلاكية في كل الوزارات، وقد أقرت الحكومة المشروع موازنتها اجراء "حسومات على اعتمادات المواد الاستهلاكية في كل الوزارات بقيمة 20%". فضلاً عن باب التجهيزات، الذي أقرت الحكومة تخفيض اعتماداته "بقيمة 25%". وهو ما سيوفّر على الخزينة نحو "200 مليار ليرة".

إلى ما تقدّم، تضمّن مشروع الموازنة "بعض التعديل في الإيرادات والنفقات وبعض الاجراءات الإصلاحية الإضافية". وقد وافقت القوى السياسية على إدراج نفقات وإيرادات سلسلة الرتب والرواتب ضمن الموازنة. فضلاً عن إدخال "الربط الالكتروني على 22 وزارة وإدارة عامة، وهذا الأمر كان في مشروع أعد مع البنك الدولي لتحديث الموازنة ونظامها في المواد القانونية لهذه الموازنة". وأشار خليل إلى أن مشروع الموازنة تضمن أيضاً "الالتزام بسقف الاقتراض من العملات اللبنانية والأجنبية ضمن حدود العجز المقدّر في تنفيذ الموازنة، وفي انفاق الاعتمادات المدورّة والاعتمادات الاضافية"، كما تم الإتفاق على "تطبيق أحكام اتفاقيات الهبات والقروض الخارجية على كامل مشاريع الانفاق للمشاريع الممولة خارجياً، واخضاعها للرقابة وفق الأصول"، بالإضافة إلى جملة تحسينات في المواد القانونية وضعت داخل الموازنة، تتضمن"وضع ضوابط لصرف مخصصات الاعتمادات المخصصة لدعم فوائد القروض الاستثمارية. وضع بند يحدد سقف الاعتمادات المخصصة لعجز كهرباء لبنان بقيمة 2100 مليار ليرة حصراً. وضع قانون برنامج لسداد ديون وتعويضات الاستملاكات والاحكام القضائية بقيمة 850 مليار ليرة، يغطي تكاليف الاستملاكات في مجلس الانماء والاعمار، وفي الوزارات والإدارات المختلفة".

وإلتفت مشروع الموازنة إلى ملف الايجارات، حيث أقر الوزراء "تخفيض سكن المالك ليصبح 50% من القيمة التأجيرية على أن لا يقل عن 20 مليون ليرة بدلاً من 6 مليون ليرة، وهذا قد يؤدي إلى خسارة الخزانة 50 مليار ليرة، لكنه سيترك أثراً كبيراً جداً على حياة الناس ومعيشتهم"، برأي خليل الذي أعلن إقرار "تخفيض غرامات التحقق والتحصيل، وتقسيطاً على رسوم الانتقال وزيادة الحصة المعفاة حسب الشطور حتى تصيب ذوي الدخل المحدود، أكثر بكثير مما يمكن أن يستفيد منها الآخرون. وحصر الحالات التي توجب على المواطنين الاستحصال على براءة ذمة من الضمان، إضافة إلى اعطاء مهلة إضافية للاعتراض واعطاء حوافز لإنشاء مؤسسات في المناطق التي ترغب الحكومة في تنميتها".

رغم ما يقال عن البنود الإصلاحية في هذه الموازنة، وعن الأجواء الإقتصادية الإيجابية للعهد الجديد، إلا أنها ليست هي ما يحرك الإقتصاد. إذ يؤكد شعبان أن ما يسيّر إقتصادنا ووضعنا المالي هو "تدفق السيولة الأجنبية، التي جذبتها الفوائد المرتفعة التي تقدّمها المصارف"، وهو ما تشجعه الحكومات المتعاقبة، من ضمن مبدأ "رمي الأزمات إلى الأمام". لكن هذه الأزمات معرضة للإنفجار مع أي تهديد للتدفقات، بفعل التوترات الأمنية، أو الحروب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها