السبت 2017/03/25

آخر تحديث: 08:46 (بيروت)

"سر" قيود ترامب على حمل الأجهزة الإلكترونية

السبت 2017/03/25
"سر" قيود ترامب على حمل الأجهزة الإلكترونية
ادعت إدارة ترامب أن هناك تهديدات أمنية (Getty)
increase حجم الخط decrease

فرضت الولايات المتحدة قيوداً على حمل الأجهزة الإلكترونية إلى الطائرات الآتية من عدد من المطارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولاسيما مطارات الأردن، مصر، المملكة العربية السعودية، المغرب، قطر، الكويت، الإمارات العربية المتحدة وتركيا. وتتضمن الأجهزة الإلكترونية التي يشتمل عليها الحظر كل ما يزيد حجمه عن حجم الهاتف المحمول. وعزت وزارة الأمن الداخلي الأميركية القرار إلى وجود تهديدات أمنية "غير محددة"، مضيفةً أن الحظر سيساعد على منع هجمات إرهابية محتملة ضد شركات الطيران التجارية. يُذكر أن هذه البلدان لم تكن ضمن الدول الستّ التي شملتها تدابير حظر السفر إلى الولايات المتحدة في أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيساً للبلاد، بل تُعد هذه البلدان دولاً حليفة للولايات المتحدة. ما يثير بعض الشكوك حول صدقية المزاعم القائمة على المقاربة الأمنية. ثمة شيطان يكمن في التفاصيل.

في مطلع العام 2017، أقدم المديرون التنفيذيون لأكبر ثلاث شركات طيران أميركية (مجموعة شركات الخطوط الجوية الأميركية، وشركة يونايتد كونتيننتال هولدينغز، وشركة دلتا ايرلاينز) على طلب لقاء مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون من أجل مناقشة الادعاءات في شأن الدعم غير العادل الذي تقدمه دول الخليج لشركات النقل المملوكة للدولة، والذي يؤدي إلى انخفاض الأسعار وإخراج المنافسين من مسارات رئيسية (المزاحمة)، وهي اتهامات تنفيها الشركات الخليجية.

في السياق عينه، قامت مجموعة "الشراكة من أجل سماوات مفتوحة وعادلة" وهي مجموعة تمثل شركات الطيران الأميركية وعدداً من نقابات عمال شركات الطيران بتسليط الضوء عبر موقعها الالكتروني على أن الخطوط الجوية الخليجية الثلاث، أي القطرية والاتحاد والإمارات، "تستخدم إعانات غير مسبوقة لاستغلال دخولها المفتوح وغير المقيد إلى السوق الأميركية. ما يهدد صناعة الطيران في الولايات المتحدة، ووظائف شركات الطيران، والاقتصاد الأميركي"، داعيةً إدارة ترامب إلى اتخاذ الاجراءات السريعة من أجل "استرجاع الوظائف".

لم تكن هذه التجاذبات وليدة السنة. ففي العام ٢٠١٥، أظهرت بعض الأوراق التي قدمتها الجهات الأميركية المتضررة من المنافسة الخليجية إلى إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اعترافات بالإعانات الضخمة التي تلقتها الناقلات الخليجية. وقد أظهرت الأوراق البيانات التالية: حصول الخطوط الجوية القطرية على قطعة أرض بقيمة ٤٥٢ مليون دولار من حكومة قطر، وذلك للتأكد من أن الشركة لديها ما يكفي من العقارات للمكاتب والمساحات السكنية؛ قيام حكومة الإمارات بدعم مباشر لتكلفة محطات المطار للاستخدام الحصري للخطوط الجوية الإماراتية، حيث قدِّر الانفاق الحكومي بـ٧.٨ مليار دولار. أما الاتحاد للطيران، فأشارت الى تلقيها عام ٢٠١٤ حقنة نقدية ضخمة قيمتها ٢.٦ مليار دولار، وهو رقم قياسي مقارنة بالمبالغ التي حصلت عليها الشركة في الأعوام التي سبقت.

ازاء ذلك، من "الآمن" أن نفترض أن القانون الذي يضع قيوداً جديدة على حمل الأجهزة الإلكترونية على متن الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة من المطارات تلك يأتي في إطار الحد من "مزاحمة المنافسة" التي تتعرض لها شركات الطيران الأميركية. أما هذه القيود، فمن شأنها أن تؤثر سلباً في الناقلات المستهدفة من حيث احتمال خسارة هذه الناقلات أكثر الزبائن ربحاً لها، أي أولئك الذين ينفقون على درجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى ويرغبون بالعمل وباستخدام الأجهزة الالكترونية، كالكمبيوتر الخاص، على متن الطائرة نظراً للخدمات النوعية التي تقدمها هذه الخطوط كما الراحة التي توفرها للراغبين بالعمل على متنها. لذلك، من المرجح أن هذه القيود ستزيل الحوافز للسفر على متن هذه الخطوط المتجهة إلى الولايات المتحدة. وبالتالي فإن النتيجة المحتملة هي انتقال رجال الأعمال للسفر مع شركات الطيران الأميركية بدلاً من الخليجية أو الخطوط الأخرى التي تطالها القيود.

قد يعود إصدار ترامب هذا القانون، دون اعتماد غيره من الوسائل، إلى عدم اشتمال القواعد التجارية في الاتفاقيات المتعددة الأطراف، كمنظمة التجارة العالمية، على شركات الطيران، رغم أن القواعد التجارية تنطبق على قطاعات ذات صلة، مثل صناعة الطائرات. لعل هذه الثغرة سمحت لشركات الطيران الخليجية بتلقي إعانات ضخمة، دون القلق من احتمال مقاضاتها في هيئة تسوية النزاعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية. إن دلّت هذه الاتجاهات على شيء فعلى أن ترامب ماضٍ في توجهاته الاقتصادية الحمائية، تحديداً في مجال التجارة الدولية. لم يعد هذا خافياً على أحد، خصوصاً بعد انسحاب الأخير من المفاوضات حول الشراكة العابرة للمحيط الهادئ (TPP)، وإعلانه نيته فرض تعريفة جمركية تصل نسبتها إلى 45% على الواردات من الصين، و٣٥% على المنتجات التي تقوم بإنتاجها الشركات الأميركية في الخارج وتحاول بيعها في الولايات المتحدة. حتى وصل الأمر ببعض الاقتصاديين إلى أن تشبيه توجهاته بتوجهات الآباء المؤسسين، ولاسيما ألكسندر هاميلتون، أول وزير للخزانة الأميركية، الذي دعا إلى تشجيع الصناعات الناشئة ورفع التعريفات الجمركية على الواردات كوسيلة لتمويل الخزينة.

هذه القيود الجديدة حلقة من حلقات الحمائية الاقتصادية المقنعة التي تنتهجها إدارة ترامب. إلا أن مثل هذه السياسات المفاجئة، والأشبه بـ"الدعسات الناقصة"، تبث إشارات بما لا يشتهي الاقتصاد الحر، فتتلقفها الدول النامية الباحثة عن مساحة سياسية، كالباحث عن إبرة في كومة قش.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها