الجمعة 2017/03/24

آخر تحديث: 10:23 (بيروت)

مسؤوليات رياض سلامة

الجمعة 2017/03/24
مسؤوليات رياض سلامة
حاكم مصرف لبنان يتحمل مسؤولية تفرده بقرارات في حجم خطير (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

كشف وزير المال علي حسن خليل في مؤتمره الصحافي أمراً مهماً وتجاهل الأهم. أما المهم فعرض الرشوة المقنع الذي قدمته المصارف ويصل الى مليار ونصف مليار دولار أميركي لقاء صرف النظر عن زيادة الفائدة على الودائع المصرفية الى 7% من 5 ما لم تحسم الزيادة من أرباح المصارف. واعترف مرة أولى بأن المصارف جنت من هندسة مصرف لبنان المالية الأخيرة أكثر من 5 مليارات دولار أميركي. وقال إنه لن يتراجع عن فرض ضريبة استثنائية على تلك الأرباح.

أما الأهم فمن جانبين. الأول ما التبس على البعض من علاقة زيادة الفائدة على الودائع وهي للناس، بأرباح المصارف وهي لمساهميها. بينما الواقع أن تلك الودائع هي مصدر توظيفات المصارف في سندات الخزانة والقطاع الخاص. فكلما كانت السيولة موفورة كلما ارتفع مردود المصارف على توظيفات واستبقت سيولة جاهزة بالليرة والعملات للامتثال إلى اللوائح التنظيمية بيسر. كما أن مساهمي المصارف أنفسهم هم من كبار المودعين. وحين نعلم أن نحو 10% من المودعين يملكون نحو 80% من الودائع يظهر الأثر المباشر على توسيع الوعاء الضريبي على الودائع.

الجانب الثاني وهو الفيصل في علاقة مصرف لبنان بوزارة المال وبالدولة اللبنانية. فوزير المال هو المعني المباشر بحصيلة الهندسة المالية طالما كانت وسائلها على صلة بعمليات مقايضة نافرة وفجّة بسندات الخزانة والدين العام. ولا يتغير في المعادلة شيء بالقول، إن مصرف لبنان له أن يقوم بهذا النوع من العمليات في اطار صلاحيات السياسة النقدية الموكلة إليه قانوناً، حتى ولو كانت تؤثر على ربحيته وأمواله الخاصة. ذلك أن قانون النقد والتسليف ينص صراحة على أن 80% من أرباح مصرف لبنان الصافية تحول إلى الخزانة العامة. فيكون الإفراط في عمليات مقايضة توازي نحو ثلث الموازنة العامة لزيادة أرباح المصارف يعني أنها تؤثر مباشرة على حصة الخزانة الغالبة من أرباح مصرف لبنان الصافية. ولوزير المال دور ومسؤولية في هذا المجال، حمايةً لإيرادات وزارته قبل فرض الضرائب الاستثنائية المستأخرة على تلك العمليات.

الحقيقة أن ما يتفرد به مصرف لبنان في سياسته النقدية لا يتوقف على علاقته بوزارة المال فحسب. بل وبعلاقته الملتبسة مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية. في مقدمها مجلس الوزراء ومجلس النواب وهيئات الرقابة والمحاسبة. لو سلّمنا جدلاً بأن قانون النقد والتسليف أعفى المصرف من رقابة التفتيش المركزي والتفتيش المالي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، الأمر الذي لا يسبغه قانون ولا دستور على أي ديكتاتور في العالم، لكن القانون نفسه وصف مصرف لبنان صراحة بمصرف القطاع العام ومنحه الاستقلال المالي. على أن يمارس أعماله بعقلية المصرف التجاري. لا يتوخى الربح. لكن ليس مصمماً لتوخي الخسارة وتقديم الأضاحي، سواءٌ من إيراداته أو من الخزانة. وعليه نشر ميزانيته سنوياً في الجريدة الرسمية لتظهر أرباحه و/أو خسائره ومركزه المالي. أن يصل الأمر إلى مليارات الدولار الأميركي توهب للمصارف بدعوى تثبيت السياسة النقدية وعجز ميزان المدفوعات وخلافهما، أمر لا يمر حتى في جمهوريات الموز. ويتردد أن عمليات المقايضة هذه مستمرة حتى الساعة في شكل أو في آخر. ولا تشبه العمليات التقليدية التي دأب عليها المصرف على آجال استحقاقات سندات الخزانة بالليرة واليورو بوندز. أُتخمت المصارف ومراكز المال والثروات فوائد لا مثيل لها بجريرة تثبيت سعر الصرف رغم هزال الاقتصاد. والفوائد الدولية كانت أقرب إلى الصفر منذ 2008. في دول منطقة اليورو الفائدة سالبة على فائض ودائع المصارف في المصرف المركزي.

ما عسانا فاعلون، وقد بدأت الفوائد الدولية في الارتفاع وكذلك التضخم؟ لا يمكن شراء 1300 مليون دولار أميركي فائضاً في ميزان المدفوعات في 2016 بهذا الكمّ من المليارات في المقابل. الفائض يتأتى من الاقتصاد الحقيقي صادرات وسياحة ورساميل. لا يتحمل مصرف لبنان مسؤولية ذلك وحده. هي مسؤولية السياسات الاقتصادية الكلية لمجلس الوزراء ومجلس النواب والقطاع الخاص. الظروف جيوسياسية مناوئة. لكنها شمّاعة لتغطية الفساد السياسي والمالي والأخلاقي. وقادرون على فعل الكثير الذي نفعل أسوأه. لكن آن الأوان أن نتوقف عن شراء الوقت لاجتناب الانفجار الذي لم يأت بعد. لكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتحمل مسؤولية تفرده بقرارات في حجم خطير كالهبات للمصارف ليتحدث بغلوّ عن فائض في ميزان المدفوعات وعن تثبيت سعر الصرف. قانون النقد والتسليف (المادة 72) لحظ أن "للمصرف أن يقترح على الحكومة التدابير التي يرى ان من شأنها التأثير المفيد على ميزان المدفوعات وحركة الاسعار والمالية العامة وعلى النمو الاقتصادي بصورة عامة."

على سلامة نفسه أن يشرك الحكومة في قرارات كهذه. ولو كان فعل ذلك في هندسته المالية عليه أن يعلن ذلك على الرأي العام. ويعلن أسماء المصارف المستفيدة. الشعب يعرف معالف المال ومرابط خيلها السياسية. وزير المال عليه فعل الأمر نفسه بكثير من الإقناع وبقليل من العنجهيات. وعلى لجنة المال النيابية ورئيسها النائب إبراهيم كنعان "المولع بالاصلاح والتغيير"، أن يسائلا الوزير وحاكم مصرف لبنان عن جدوى تلك الهندسة وخفاياها. ونعلم لحظة كتابة هذه المقالة ما يجري في الظل من كباش سياسي على مستقبل سلامة في حاكمية مصرف لبنان قبل شغور المركز في نهاية تموز/ يوليو 2017. وليس على مستقبل لبنان الدولة واقتصادها ونقدها وناسها. كتبنا في "المدن" ما يعنيه المركز لأوليغارشيا السياسة. وأحسب من جديد أن الكباش عسير ودونه تنازلات في توزيع السلطة ومغانمها. والملفات خطيرة في أدراج سلامة. لو تمّ التجديد له سيدخل موسوعة غينيس بـ30 عاماً في مركزه. وسيكون الأمر غير مسبوق في العالم. لا ننتقص من إمكانات الرجل. ولا من المآخذ عليه. لكن البدلاء الأكفياء كثيرون أيضاً. فهل الأوان ليترجل"حاكم لبنان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها