السبت 2017/02/25

آخر تحديث: 07:35 (بيروت)

حزب الله والخرائط النفطية: الاستراتيجية الغامضة

السبت 2017/02/25
حزب الله والخرائط النفطية: الاستراتيجية الغامضة
لبنان لا يملك سلطة التفضيل بين شركات النفط (Getty)
increase حجم الخط decrease
أجّلت الحكومة اللبنانية بحث ملف تلزيم التنقيب عن الغاز، وانشغلت في محاولة تجميع مصالح أحزاب وزعامات السلطة في ما يتعلق بقانون الانتخابات. وإن كانت السلطة قد أقرت مرسومي النفط مطلع العام 2017، بعد نحو 6 سنوات على وجود المرسومين في أدراج مجلس الوزراء، فإن وتيرة العمل البطيئة في الملف لا تُنذر بما هو أفضل مما فعلته الحكومة حيال المرسومين. ولعل المرحلة المقبلة، ستشهد تقلّص الدور اللبناني أمام الدور الأممي، وتحديداً الدورين الروسي والأميركي.

تؤكد مصادر في وزارة الطاقة لـ"المدن"، أن الحكومة اللبنانية "لا تستطيع فعل الكثير حيال التحكم في هوية الشركات التي ستقدم عروضاتها لاستثمار الغاز. فالمفاضلة بين الشركات، ستحسمها الأدوار السياسية في المنطقة". وتشير المصادر إلى أهمية الإتفاق الروسي- الأميركي في سوريا، لأن "الاتفاق يعني انخفاض حدة التوتر بين الطرفين، وارتفاع أسهم تحاصص استثمار النفط والغاز في المياه السورية واللبنانية والإسرائيلية".

وتعزيز نفوذ روسيا وأميركا في سوريا، واتفاقهما على تسوية أوضاعهما الإقتصادية في المنطقة، يعني أن تقاسم مخزون شرقي البحر المتوسط أصبح شبه ناضج. ومع حصر الاستفادة من موارد الشاطئ السوري لمصلحة الشركات الروسية، يبقى أمام أميركا الساحل اللبناني والإسرائيلي.

العلاقات بين إسرائيل وأميركا ترفع من أسهم الشركات الأميركية في إسرائيل، "ما يجعل البحر اللبناني في حالة إنتظار لمعرفة هوية مستثمر مخزونه"، وفق المصادر التي تلفت إلى أن "ليس أمام الحكومة اللبنانية أي فيتو على أي شركة أجنبية". لكن مبدأ التحاصص الروسي الأميركي قد تشوبه معوقات توزيع الأدوار في لبنان، إذ يهم كلّ من روسيا وأميركا اأن تكون استثماراته قريبة من بعضها، بمعنى أن مصلحة روسيا تكمن في استثمار الشاطئ الشمالي للبنان كونه محاذياً للآبار السورية، ومصلحة أميركا في استثمار البلوكات اللبنانية الجنوبية، لأنها تحاذي البلوكات الإسرائيلية الشمالية. أما البلوكات الوسطى، فمسموح المناورة بها، وقد يُفتح الباب أمام الشركات الصينية أو الفرنسية أو غيرها، مع بقاء "الحق" الروسي- الأميركي في الاستثمار. وذلك على قاعدة "ما لنا، لنا، وما لكم، لنا ولكم".

لعبة التقسيمات تلك تدور وسط صمت لبناني. أما في الخفاء، فهناك رفض غير معلن من حزب الله، لالتزام الشركات الأميركية عملية التنقيب في الشمال الإسرائيلي. لذلك، ترى المصادر أن "معارضة الحزب لإلتزام شركات أميركية الآبار اللبنانية الجنوبية أمر طبيعي. فالإلتزام يتيح فتح الحدود البحرية رسمياً أمام إسرائيل، وعلى الأرجح الحدود البرية، لأن عمل الشركة المستثمرة سيطال البر اللبناني أيضاً. أما تلزيم التنقيب في الجنوب لشركة روسية، فسيترك الحدود مع إسرائيل مضبوطة أكثر".

رفض حزب الله قد يصطدم بقرار شركائه في السلطة، ممن قد تغريهم العروضات التي ستقدمها الشركات الأميركية. فبالنسبة إلى الحكومة، إن الفائدة الإقتصادية تبقى أهم من هواجس الحزب، خصوصاً في حال قدمت الشركات ضمانات تتعلق بعدم استغلال إسرائيل الوجود الاميركي على ضفتي الحدود اللبنانية الإسرائيلية. الأمر الذي قد يُشعل حرباً سياسية في الداخل اللبناني.

والعجز اللبناني عن التأثير في إختيار الشركات النفطية يعني تغليب الإستفادة السياسية التي سترشح عن وجود الشركات الروسية والأميركية. فالأطراف اللبنانية ستسعى إلى تقديم أوراق اعتمادها لروسيا وأميركا عبر تفضيل شركات البلدين على شركات البلاد الأخرى.

وحده حزب الله سيهتم لهوية الشركات التي ستستثمر في تنقيب الغاز الإسرائيلي. وهنا، لا يُجدي الحديث عن إمكانيات الشركات من الناحية التقنية، "لأن لبنان كدولة لا يملك سلطة المفاضلة وفق المعطيات التقنية". وهذا الاهتمام قد يدفع إيران إلى التوسط لدى روسيا للتفاوض مع أميركا في شأن التنازل عن الاستثمار في المنطقة الحدودية، وفتح المجال أمام الشركات البريطانية على سبيل المثال، فبريطانيا "تسبب حساسية أقل بالنسبة إلى حزب الله، وإيران، إذا تم النظر نحو الموقف الإيراني من السياسة الاستفزازية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. غير أن القبول الأميركي والإسرائيلي معاً، مرهون بمعطيات الحرب السورية، والبريطانيون غائبون اليوم عن الساحة السورية، حتى أن تصريحاتهم في هذا الصدد نادرة". أما الاميركيين فهم لاعبون أساسيون، وستكون جائزتهم أكبر عبر التنقيب في المياه الإسرائيلية. وهنا، ترى المصادر أن "رأي إيران قد لا يجد آذاناً صاغية لدى الروس، لأن التقارب الروسي الأميركي مهم لدى روسيا أكثر من مصلحة إيران في حماية حزب الله، أو حتى حماية لبنان". عليه، "سيُترك تقسيم الاستثمارات للمصالح الروسية- الأميركية فحسب".

من جهة أخرى، فإن هواجس حزب الله لا تقف عند هوية الشركات المستثمرة، بل تتعداها إلى موقفه من أنابيب الغاز التي ستحمل الغاز الإسرائيلي، والتي ستمر عبر لبنان وسوريا وصولاً إلى تركيا وأوروبا. فالشركات من مصلحتها الإشتراك في بنية تحتية واحدة لنقل الغاز، خصوصاً أن المسافات بين فلسطين ولبنان وسوريا ليست كبيرة. ما يضع حزب الله أمام مواجهة تطبيع إلزامي بين لبنان وإسرائيل. وفي حال اعتراض الحزب على ذلك، سيواجه أزمة داخلية تتعلق بموافقة أطراف لبنانية، تفضل المكاسب السياسية والمالية على بحث مسألة التطبيع أو عدمه، خصوصاً أن مد أنابيب الغاز لا يعني التفاوض أو العلاقة المباشرة مع إسرائيل. والدولة اللبنانية لن تسهم في بناء الأنابيب ولا في بيع النفط إلى دول العالم. لذلك، لن يكون رأيها مؤثراً في كيفية نقل الشركات للغاز. إلى جانب ذلك، لن تفضّل الشركات مد أنابيب منفصلة في البحر في اتجاه أوروبا، لأن ذلك مكلف جداً من الناحية التقنية والمادية.

بين المصلحة اللبنانية المادية في تسريع استثمار الثروة، وبين هواجس حزب الله أو أي فئة أخرى، يرى رئيس مجلس إدارة هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط في حديث لـ"المدن" أنه "لن يكون هناك معارضة لمد خط الأنابيب المشتركة. والمعارضة ستعني خسارة الوقت خلال طرح الحلول البديلة. وخسارة الوقت في ظل بدء إسرائيل التنقيب، تعني حرق أسهم لبنان في السوق". ويؤكد شباط أن رؤيته هذه تنطلق من ناحية تقنية بامتياز، كونه تقنياً وليس سياسياً. لذلك، فإن الخط المشترك، من الناحية التقنية، هو الحل الأنسب للبدء سريعاً بالاستفادة من غازنا.

التضارب بين الناحية التقنية والسياسية لعملية التلزيم والتنقيب عن الغاز، وبين هواجس حزب الله الأمنية والسياسية، قد تمدد زمن عملية التعاقد مع الشركات. بالتالي، عملية التنقيب. ما يدفع إلى القول إن موقف حزب الله سيكون أسهل لو أن نفوذه يقع في شمال لبنان، وليس جنوبه. إذ سيكون اتصاله مع روسيا وإيران أسرع وأسهل، وستكون مصالحه مع الشركات الروسية أكبر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها