الإثنين 2017/02/20

آخر تحديث: 06:27 (بيروت)

أرباح البترول: هكذا تخلت الدولة عن حقها

الإثنين 2017/02/20
أرباح البترول: هكذا تخلت الدولة عن حقها
حصّة الدولة من عائدات النفط لن تتجاوز 46% (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

لم يكن التنازل عن حق الدولة في المشاركة باستثمار قطاع النفط والغاز أكبر انحرافات هذا الملف. إذ إنّ مستوى التفريط بنسبة العائدات الماليّة للدولة نفسها من هذه الاستثمارات، سيشكّل سابقة كبرى أخطر، لم تحدث بهذا الحجم في أي دولة أخرى.

نسبة الإتاوة
تبدأ النسب الكارثيّة من "نسبة الإتاوة" كما حدّدتها مسودّة "إتفاقيّة الاستكشاف والاستخراج"، التي أقرّها مجلس الوزراء. وهي عبارة عن نسبة من قيمة الإنتاج النفطي قبل احتساب التكاليف، تدفعها الشركة المستخرجة للبلد صاحب الثروة النفطيّة.

فمنذ بدايات تطبيق هذا المفهوم في الولايات المتحدة، في العام 1920، تم التعارف على معادلة 1 من 8 كنسبة عادلة للإتاوة. وانتشرت هذه النسبة التي تساوي بالأرقام المئويّة 12.5% في الأغلبيّة الساحقة من دول العالم المنتجة للنفط والغاز، بما فيها الأنطمة التي تحيط بلبنان مثل مصر وسوريا وتركيا وإسرائيل. لكنّ لبنان وحده آثر أن يعيد اختراع المفاهيم في هذه المسألة كما في كل المسائل النفطيّة، بعكس مصلحته الوطنيّة.

كم تنازلت الدولة اللبنانيّة في نسبة الإتاوة من الغاز المستخرج لمصلحة الشركات المشغّلة وغير المشغّلة؟ من 12.5%، وهي النسبة المنطقيّة المفترض تحصيلها، إلى 4% وهي النسبة التي حدّدتها المسودّة. هكذا، تكون قد تنازلت الدولة عن أكثر من ثلثي قيمة الإتاوة المفترض تحصيلها من خلال عبارة صغيرة في هذه المسودّة. وهو تنازل مخيف وخطير في قطاع مثل القطاع النفطي.

يحتل مفهوم الإتاوة (الذي استخفّت به السلطة بهذه الطريقة) أهميّة كبيرة في البلدان التي تملك ثروات نفطيّة، إذ يشكّل تعويضاً عن استخراج ثروات غير قابلة للتجدّد، كما يشكّل ضمانة الدولة للحصول على نسبة مباشرة من الإنتاج النفطي. وبذلك، تختلف الإتاوة عن الضريبة، إذ إنّ الإتاوة حق مكتسب للدولة صاحبة الثروة النفطيّة في عمليّة الإنتاج نفسها بمعزل عن قيمة الربح والخسارة.

الحد الأدنى من تقاسم الأرباح
إذا كان مفهوم الإتاوة يحدد حصّة الدولة من إجمالي النفط والغاز المستخرجين، فالحد الأدنى من تقاسم الأرباح يحدد حصّة الدولة من أرباح القطاع بعد احتساب تكاليف الاستخراج وغيرها. تراوح هذه النسبة في دول العالم الأُخرى بين 50% و60%. أمّا في لبنان فقد بدأت باكراً ألاعيب مختلفة للتحايل على هذه النسبة بأغرب الطرق.

ففي مسودّات المراسيم النفطيّة حاولت هيئة إدارة قطاع البترول تمرير مادّة غريبة تنص على تحديد هذه النسبة من خلال المزايدة، وإنطلاقاً مما تقترحه الشركات. يعني هذا عدم تحديد حد أدنى لهذه النسبة. بالتالي، فتح الباب لحرمان الدولة من هذه النسبة بشكل قانوني عبر تواطؤ الشركات بخفضها، خصوصاً في ظل نسب عالية من الملكيّات المشتركة بين الشركات المتأهّلة ووجود شركات وسيطة ووهميّة. والأهم في ظل إنعدام الشفافيّة.

بعد كثير من المداولات، إقتنعت الهيئة بتعديل المسودّة لتحديد الحد الأدنى عند أدنى حد ممكن، وهو 30%. ومن السهل احتساب هذه الخسائر، فخفض النسبة من 50% أو 60% كما في دول العالم الأُخرى، إلى 30%، كما حدّدتها مراسيم لبنان، أفقد الخزينة ما يوازي 40% إلى 50% من المداخيل الممكن تحقيقها من خلال أرباح العمليّات النفطيّة.

سقف استرداد النفقات الرأسمالية
من المفترض أن يحدّد هذا السقف الحد الأقصى لاسترداد الشركات السنوي للتكاليف الرأسماليّة. وقد حاولت هيئة إدارة قطاع البترول أيضاً التغاضي عن تحديد سقف أو حد أقصى لهذه النسبة. وبعد كثير من الأخذ والرد تم تحديدها بـ65% حداً أقصى، بينما لا تتخطّى هذه النسبة 50% في الدول الأُخرى. وهذا بالتأكيد يصب في مصلحة الشركات المشغّلة، إذ يعني زيادة النسبة التي تسترد من خلالها الشركات تكاليفها الرأسماليّة.

الضريبة على الأرباح
من المفترض أن يُحدد هذه النسبة مشروع قانون النظام الضريبي للقطاع النفطي. وهو قانون مختلف عن المراسيم النفطيّة التطبيقيّة وقانون الموارد البترولية في المياه البحرية. وتتوجّه مسودّة القانون لتحديد النسبة بين 22.5% و32.5%.

وككل النسب الأُخرى تأتي نسبة الضريبة على الأرباح هزليّة مقارنةً مع الدول الأخرى، إذ تراوح نسبة هذه الضريبة بين 55% في الإمارات مثلاً، و46% في البحرين، وصولاً إلى نسب عالية مثل 78% في النروج، بينما كانت تتجاوز 50% حتّى في نظام الإمتيازات القديمة المجحفة بحق الدول خلال القرن الماضي قبل موجات التأميم.

خسائر كبرى
يصل الخبير النفطي الدولي نقولا سركيس، في دراسة له، إلى نتيجة مفادها أنّ حصّة الدولة من عائدات النفط التي تبلغ 90% في بلد مثل النروج، لن تتجاوز 46% في لبنان من خلال النسب المذكورة أعلاه. وهو رقم قياسي لم يسبقنا إليه أي بلد آخر، إذ تبلغ أدنى نسبة في الظروف الراهنة 60% بما فيها أقل الدول شفافيّة وأكثرها عرضة للفساد.

أمّا من حيث قيمة الأموال المهدورة في هذا المجال، فإن أعمال المسح والتقديرات تقول بوجود ما يراوح بين 25 و30 تريليون قدم مكعّب من الغاز، و800 مليون برميل تحت المياه الإقليميّة. لكن حتّى إذا إفترضنا أرقاماً أكثر تحفّظاً، لا تتجاوز مجموع حقلين إسرائيليّين هما تامار وليفياتان، فإن قيمة النفط والغاز الموجودين في لبنان لن تقل عن 400 مليار دولار.

يكفي هذا الرقم لتخيّل حجم خسائر لبنان من النسب المذكورة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها