الإثنين 2017/11/06

آخر تحديث: 00:21 (بيروت)

لا خوف على الليرة إلى أجل

الإثنين 2017/11/06
لا خوف على الليرة إلى أجل
موازنة 2018 طارت (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

نقتبس من تجارب غيرنا، إنه عندما تتعسّر شؤون ادارة دولة ما. وتوصد منافذ إعمال الدستور والقانون. وتتحول الدولة دولاً. والحكومة حكومات. ويستقوي طرف في المواطنة على آخر. ويفقد المواطن ثقته بدولته، يعني أن أمراً ما في حجم الصدمة وشيك الحدوث. وكما في الكيمياء، لا يعمل جسم الدولة ووظائفها بتنابذ وتضاد. لا في السياسة، ولا في الاقتصاد والنقد والمال.

استقال رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض. وقال ما قاله. له أن يقدِر إذا ما كانت المعطيات التي دفعته إلى تسوية رئاسة الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية قد تغيرت بعد نحو سنة. نعم، كان المواطن يريد أن يعلن الاستقالة من بيروت. تماماً كما كان يرغب في عدم تطيير حكومة الحريري السابقة وهو في وطنه أيضاً، وليس أثناء وجوده في واشنطن رئيساً لحكومة لبنان. هو التنابذ نفسه الذي ينتج في كل مرة صدمات سياسية في جسد الدولة الضعيفة الوهنة. لكن، هل هي الصدمة تلك التي أحدثتها الاستقالة؟ أم علينا استشعار مخاطر أخرى في الطريق أعتى وأقسى؟ حجم القنوط والقلق لدى الناس يشير إلى ذلك.

تداعيات المرحلة المقبلة اقتصادياً ستكون نسخة طبق الأصل عن الأجواء السياسية المسمومة. 2017 باتت سنة منصرمة. لا ندري ما إذا كنا حققنا نمواً حقيقياً بواقع 1%. النمو بواقع 2% كما ذهبت تقديرات حكومية ودولية كان مبالغاً فيه. ستضاف إليه عثرة نمو أخرى لكون التطورات السياسية وما سيعقبها احتمالاً تأتي في الشهرين الأخيرين من السنة وفترة الميلاد ورأس السنة. والشهران يعول عليهما في الطلب الداخلي والتحويلات الخارجية. في اقتصاد على شفا ركود، فأثر ذلك وملموس. هذا سيضغط على النمو ويستقطع منه. خصوصاً وأن القطاع الفندقي والسياحي ودور اللهو تتحضر سلفاً لفترة الأعياد. تنفق وتترتب عليها التزامات وتسهيلات مصرفية. مالياً، ذاهبون إلى القاعدة الإثنتي عشرية من جديد. موازنة 2018 طارت. كل الأنشطة الاقتصادية الأخرى مؤجلة. أهمها ما يتصل بملف النفط. غير ذلك من أنشطة استثمارية وخلافها جامد بالضرورة. ولا داع لمزيد من الشرح.

يبقى الشأن النقدي وسعر صرف الليرة هو الموضوع. هذا شأن لا يتوقف ما دام النقد في التداول. نميل إلى الاعتقاد في أن سعر صرف الليرة باقٍ على ما هو من دون تغيير الى أمد. يتوقف الأمر على طبيعة التطورات المقبلة، حجمها وزمنها، والملف الحكومي. ولنا في ذلك بعض معطيات:

أولا: التداعيات النقدية لا يمكنأان تحصل من دون دخول المراكز المالية الكبيرة في سوق القطع طلباً على الدولار الاميركي والعملات الأحنبية. وهذا يخل بالاتفاق الضمني بين المصارف وبين مصرف لبنان. ومدعوم بقرار من القوى السياسية على اختلافها. ولا يبدو أنه سيتبدل. والمصارف لا مصلحة لها بتحول دراماتيكي ضد الليرة.

ثانياً: الهندسة المالية وفرت أرباحاً كبيرة للمصارف، كانت في حاجة ماسة إليها نتيجة تباطؤ أرباحها السنوية، ولضرورة امتثالها لمعايير بازل 3 والمحاسبة الدولية. أمّنت الهندسة المالية للمصارف 2% النسبة الأدنى المطلوبة لمعدّل الإحتياطات العامّة من الموجودات المرجّحة بالمخاطر. وفي الباحة الخلفية لهذه الهندسة التي أثارت جدلاً كبيراً، تمكن مصرف لبنان من تسويق هندسته لدى رئاسة الجمهورية والحكومة من هذا الجانب. بالإضافة إلى ضرورة سد الفجوة السالبة في ميزان المدفوعات، وتعزيز موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية للاستمرار في سياسة المصرف تثبيت سعر الصرف والدفاع عن الليرة اللبنانية. وكان لمصرف لبنان ما أراد. إذ ارتفعت موجوداته من العملات الجنبية مقيّمة بالدولار الاميركي في نهاية تشرين الثاني 2017 الى نحو 43 ملياراً و480 مليوناً.

ثالثاً: حجم الدولرة في الودائع المصرفية ما زال فوق 66% في مقابل 34% بالليرة اللبنانية. يعني أن مصرف لبنان قادر على احتواء الطلب على الدولار الاميركي في الحالات الاستثنائية من دون ضغوط كما في السابق. ومع واقع أن موجودات مصرف لبنان ليست احتياطاً صافياً لديه، وتعود في معظمها الى توظيفات للمصارف، لكنه مستعد لاستخدام ما يلزم منها لتثبيت سعر الصرف لو دعت الظروف. وبتوافق مع جمعية المصارف. رغم حساسية هذا الجانب ودقته. ومصرف لبنان لا يفصح عن احتياطه الحرّ، سياسة دأب عليها منذ عقود.

رابعاً: تبدلت المناخات التي راجت فيها لعبة الدولار الاميركي والليرة في سنوات الحرب اللبنانية. وبددت ثروات صغار المدخرين. وأجبرت كثيراً من الأسر على التخلي عن حيازاتها الصغيرة الحجم والمتوسطة تحت ضغط الأزمة لجبه أعبائها ومواجهة تكلفات الصحة والغذاء والتعليم وخلافها. حجّمت الطبقة المتوسطة. عمّقت تمركز الثروة لدى القلة، سمة كانت طبعت بطابعها توزيع الثروة في لبنان منذ ما قبل الحرب. الوضع السياسي والاجتماعي في البلد لا يتيح تكرار اللعبة من دون مخاطر جسيمة لا ٌقِبل لأحد على تحمل مسؤولياتها.

خامساً: تثبيت سعر الصرف باتت نسخة طبق الأصل من شخصية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. التجديد له مرات أربعاً توالياً بدعم من المصارف واللوبي المالي- السياسي يكون بعدها قد أمضى على رأس مصرف لبنان 30 سنة، كان لعلة استقرار سعر صرف الليرة وسياسته المصرفية. هذا ملعب سلامة. سيكون على الموعد من جديد. التحدي يساوي سمعته المهنية. الوضع نفسه ينسحب على جبه توسع العقوبات الاميركية المحتمل على حزب الله.

أما وامتداد الأزمة اقليمياً ومع إيران ودول الخليج العربي، وما تمثله من عمق اقتصادي للبنان، فالنقد أولاً وأخيراً خزين القيمة الاقتصادية، ومرآة للاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها