الإثنين 2017/10/02

آخر تحديث: 06:57 (بيروت)

كركوك مفتاح الحرب والسلام

الإثنين 2017/10/02
كركوك مفتاح الحرب والسلام
حسابات البرزاني غير حسابات المنطقة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

كان زعيم كردستان العراق مسعود البرزاني يعلم أن دول الجوار مجتمعة سترفض الاستفتاء على استقلال الاقليم. وترى فيه الدول الثلاث المعنية تركيا وايران وسوريا بالإضافة إلى العراق، تهديداً مباشراً لها. لو اعتقد البرزاني أن اللحظة السياسية في المنطقة قد أزفت للحصول على جائزة اميركية لقاء إسهام البيشمركة في المعارك ضد تنظيم داعش قبل انقشاع التسوية النهائية ووقف المعارك وانسحاب القوى المسلحة، فيكون قد أخطأ في حساباته. وأوان التسوية لم يحن بعد.

أما والعراق يبحث عن هويته القومية في ضوء التدخل الايراني الضاغط على حكومة بغداد، فاللحظة ليست مناسبة أيضاً. ولا يبدو أن طرفاً عراقياً يؤيدها. شمول الاستفتاء محافظة كركوك مصدر النفط والغاز الطبيعي الأساسي للعراق بالإضافة إلى البصرة، وفيها العرب والتركمان إلى جانب الكرد، مسألة لن تتساهل معها الحكومة العراقية وغالبية الشعب العراقي. وكانت كركوك لبّ المشكلة بين بغداد وأربيل. وهي واقعاً مورد خزانة كردستان الرئيسي. حكومة الشمال لا تدفع منذ شهور سوى 40% من رواتب القطاع العام. ومدينة بنحو 20 مليار دولار اميركي.

يصدر اقليم كردستان نحو 500 ألف برميل نفطاً يومياً. ما يوازي 12% من صادرات العراق النفطية. وينتح نحو 600 ألف برميل زهاء الثلثين منه من كركوك. ويتميز نفط كركوك الخفيف بالنوعية الأجود في المنطقة بعد النفط الليبي. سيطرة البيشمركة على كركوك باستعادتها من داعش في 2014، بعد انسحاب الجيش العراقي منها في عهد رئيس الحكومة السابق نور الدين المالكي، أدت إلى تصليب موقف حكومة كردستان. المالكي الذي انسحب الجيش العراقي في عهده أيضاً من البصرة وسلمها إلى داعش، قدم ورقة أخرى لاقليم كردستان. راح يناور في تطبيق اتفاق مع البرزاني يقضي بتحويل 17% من الموازنة العراقية إلى حكونة كردستان في مقابل صادرات من الاقليم بواقع 400 ألف برميل نفطاً يومياً تحول عائداتها إلى الخزانة العراقية عبر "سومو" شركة النفط العراقية الوطنية. وكان المالكي يدرك احتمال نكول كردستان بالاتفاق وقيامها بتصدير النفط من كركوك وتحويل عائداته إلى الشمال. وهذا ما حصل بالفعل.

العلاقات المتوترة بين بغداد وبين أنقرة، حملت حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على نقض اتفاق أبرمه مع بغداد في 2010 بعدم السماح بتصدير النفط العراقي إلاّ عبر شركة النفط العراقية الوطنية. وكان ذلك لمصلحة حكومة البرزاني. لم يكن المالكي في وضع يملي شروطه على أنقرة. فمرفأ جيهان التركي منفذ رئيس لصادرات النفط العراقية الى أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط. وتجارة العراق البينية مع تركيا نحو 12 مليار دولار اميركي سنوياً. ناهيك بالثقل السياسي الوازن لتركيا في المنطقة.

وجه الغرابة، أن لا حكومة المالكي السابقة، ولا حكومة حيدر العبادي الحالية، مارست ضغوطاً على شركات نفط دولية عملاقة تتولى عمليات استكشاف النفط واستخراجه من شمال العراق وكركوك باتفاقات مع حكومة الاقليم. وما زالت عاملة حتى اليوم. مثل غاز بروم الروسية، واكسون موبيل وشيفرون الاميركيتين، وتوتال الفرنسية وويسترن ساغروس الكندية. وتحظر العقود التي أبرمتها بغداد مع هذه الشركات عقد أي اتفاقات أنشطة نفطية وغازية مع حكومة كردستان إلاّ بالاتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد ومن خلالها. وقد أعلنت حكومة كردستان أخيراً، أن احتياطات الشمال من الخام تبلغ 45 ألف مليار برميل. زهاء ثلث احتياط خام العراق. وأكثر من احتياط في نيجيريا.

مجلس النواب العراقي سارع بعد الاستفتاء إلى تكليف الحكومة باسترداد كركوك. بكل الوسائل. لكن المجلس الذي أقر الدستور العراقي ترك المحافظة من نحو 900 ألف نسمة منطقة متنازع عليها مع الشمال. رغم أهميتها الاقتصادية والتاريخية والثقافية المتعددة الأعراق والقوميات. نينوى وصلاح الدين وديالى متنازع علها أيضاً. ما أشبه كركوك بمقاطعة أبيي السودانية التي بقي وضعها معلّقاً في اتفاق نيفاشا بين الخرطوم وجوبا الذي مهّد لانفصال جنوب السودان في 2011. وفي أبيي ثروات من النفط والمعادن النفيسة والخسيسة وإمكانات هائلة من الأراضي الزراعية والمراعي. أبيي الآن فتيل نزاع معلّق بحسب الظروف والمصالح الدولية التي رعت الانفصال في 2011. واكتسب شرعية دولية.

تبدو استحالة استراتيجية وجيوسياسية واقتصادية في انفصال شمال العراق دولة مستقلة. لا منافذ برية وبحرية وجوية. محاطة بدول أقوى منها بما لا يقارن. ولها أقليات في "الاقليم الانفصالي" تنحدر من أصولها القومية وأعراقها. وإذ اعتبر البرزاني مخطئاً الفرصة سانحة للاستفتاء، فالوضع الخطير في سوريا والعراق والمنطقة ليس سانحاً البتة لأي حركة انفصالية أو تقسيم في أي بلد في المنطقة. ولا يمكن إمراره إلاّ بتسوية بين الأقوياء يفرضونها على دول المنطقة وشعوبها.

هل يملك البرزاني سراً خفياً لا نعرفه لتوقيت الاستفتاء؟ ردة الفعل الغربية جاءت فاترة. وزير الخارجية الاميركي ريكس تيليرسون اكتفى بأن بلاده "لم تعترف بالاستفتاء لأنه يفتقر إلى  الشرعية". وحث العراقيين والاكراد على "الاستمرار في التركيز على هزيمة داعش". ماذا بعد؟ هناك علاقات تاريخية للكرد مع الولايات المتحدة. الموقف الاوروبي كان يفترض أن يكون أقوى ضد الاستفتاء، في ظل القلق الذي أشاعه استفتاء كتالونيا على الاستقلال عن اسبانيا. وللكرد جاليات كبيرة في اوروبا لاسيما في المانيا والدانمرك وهولندا. وقد اندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة من دون التخلي عن حلم الدولة المستقلة.

قد يمضي وقت لانقشاع الموقف الدولي الحقيقي من استفتاء كردستان. بيد أن المؤكد أن البرزاني لن ينتقل إلى مرحلة ما بعد "نعم" الساحقة للدولة الانفصالية. هو الآن في مرحلة فك الطوق عن اقليمه المحاصر. والاستعداد لحصار أقوى. ونحسب أن الولايات المتحدة لن تسمح بتحول الأزمة صراعاً عسكرياً. لكن المؤكد أن العراق لن يتخلى عن كركوك. وستبقى المحافظة مفتاح الحرب والسلام بين بغداد وأربيل أياً يكن شكل العلاقات في المستقبل.  وأن  حسابات البرزاني غير حسابات المنطقة، رغم الظلم التاريخي الذي لحق بالكرد وحقوقهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها