الثلاثاء 2017/10/17

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

جريمة في مجلس النواب

الثلاثاء 2017/10/17
جريمة في مجلس النواب
مجلس النواب يبحث عن صك قانوني للفوضى المالية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
بعد نحو 12 عاماً على غياب موازنة عامة، وبعد مضي أكثر من 7 أشهر على المهل الدستورية لإقرار موازنة العام 2017، وفي ظل استمرار الصرف العشوائي، يتّجه مجلس النواب الى إقرارها "مشوّهة" مفّرغة من محتواها وقيمتها، فالتوافق السياسي تسلل الى مالية الدولة حيث سيسجّل العهد الجديد خرقاً آخر للدستور من خلال إقرار موازنة من دون قطع حساب.

فما قيمة إقرار موازنة عامة صُرفت غالبية وارداتها؟ وهل يُعد إقرار موازنة عامة من دون قطع حساب إنجازاً مالياً؟ ولماذا لم تعمد الحكومة إلى الإعداد لموازنة العام 2018 مع الدخول في المهلة الدستورية لمناقشتها (15 تشرين الأول)؟

يعقد مجلس النواب انطلاقاً من الثلاثاء 17 تشرين الأول 3 جلسات متتالية تنصرف فيها الهيئة العامة للمجلس إلى مناقشة مشروع موازنة العام 2017، والتصويت عليه، بموجب النظام الداخلي لمجلس النواب، واستحداث مادة قانونية تجيز لمجلس النواب إقرار الموازنة العامة من دون قطع حساب، على أن تنتهي الجلسات بالتصديق عليها، وفق ما يقتضي الاتفاق السياسي.

الإتفاق السياسي الذي بات شبه محسوم لمصلحة إقرار الموازنة والإلتفاف على الدستور بقوننة غياب قطع الحساب لن يلغي جريمة "خرق الدستور" من قبل السلطة التشريعية، ولكنه مبرر من قبل النواب المتفاخرين بالإنجاز "المرتقب" ومن بينهم النائب محمد الحجار الذي أقر في حديث إلى "المدن" بأن خرق الدستور أمر قائم في حال إقرار الموازنة من دون قطع حساب والجميع مسؤول عن ذلك الخرق، مبرّراً بالقول: "في ظل الوضع القائم وصعوبة إجراء قطوع حسابات للأعوام من 2003 حتى 2015، أجرينا تسوية سياسية تقضي بإقرار الموازنة واستحداث مادة قانونية لارجاء إجراء قطع الحساب لمدة عام".

إلا أن الاتفاق السياسي لن يلغي اعتراض عدد من النواب من بينهم نواب حزب الكتائب، ليس على إقرار الموازنة "مشوهة" فحسب، بل أيضاً على السيناريو بأكمله الذي تبتدعه الحكومة ومجلس النواب للخروج من أزمة "عشوائية الصرف" المستمرة منذ سنوات. وفي هذا الإطار سأل رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي في حزب "الكتائب" ​جان طويلة​ في حديث إلى "المدن"، ما الجدوى من إقرار موازنة العام 2017 قبل انتهاء العام بثلاثة أشهر بدل المباشرة بمناقشة موازنة العام 2018، لاسيما أن موازنة العام 2017 قد صُرفت غالبية مواردها.

وإذ وصف طويلة إقرار الموازنة في حال تم، بـ"الإنجاز السياسي الوهمي"، لفت إلى خطورة قوننة عدم إقرار قطع الحساب، "فمن يضمن إقراره خلال العام المقبل، وما الرادع أمام مجلس النواب لعدم تحويل الاستثناء إلى قاعدة وتغييب قطع الحساب عن الموازنات المقبلة".

وبين متفاخر باتفاق سياسي لولادة موازنة، وبين رافض لأي خرق دستوري جديد، هناك من خبراء المال والإقتصاد من ينتقد مبدأ إقرار موازنة عامة من دون قطع حساب واعتبار الأمر كمن يطرح أرقاماً وهمية غير موثقة أو مثبتة بأي مستند قانوني، حتى أن استاذ الإقتصاد في الجامعة الأميركية جاد شعبان وصف في حديثه لـ"المدن" توجه مجلس النواب بـ"الباحث عن غطاء قانوني لفضائحة المالية".

فسير المالية العامة وإدارتها منذ سنوات وتأخرها شرّع "حكم الغاب بالصرف المالي"، وفق شعبان، ولو لم يلتمس السياسيون ضغطاً كبيراً من قبل المؤسسات الدولية لما اتفقوا على اقرار الموازنة وإن خرقوا الدستور بتغييب قطع الحساب، فهم يبحثون عن صك قانوني للفوضى المالية والعشوائية التي تعبث بالمالية العامة لا أكثر.

وبرأي شعبان لا يبدأ الانتظام المالي من إقرار موازنة لا قيمة لها ولا ضرورة (بشكلها الحالي)، إنما يبدأ بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية واعتماد مراقبين ماليين للتحقيق بآلية الصرف التي تمت خلال السنوات السابقة والتي أدت إلى مراكمة العجوزات المالية. بالتالي، إلى رفع الدين العام إلى ما هو عليه اليوم. عندها فقط يمكن للمالية العامة أن تنتظم، لاسيما أن البند الأساس في موازنة العام 2017 التي يتفاخرون بالإتفاق على إقرارها يتعلّق بخدمة الدين العام، الذي تراكم بفعل عشوائية الإنفاق وغياب الموازنات وقطوع الحسابات.

إذاً، يعتمد مجلس النواب بإقراره الموازنة العامة للعام 2017 من دون قطع حساب على الثقة بالأرقام المقترحة. ولكن، أي ثقة يمكن أن تُمنح لطبقة سياسية صرفت عشوائياً منذ نحو 12 عاماً وراكمت الدين العام بسلوكها الفوضوي بإدارة المال العام، وتتجه إلى خرق الدستور لإقرار الموازنة وتحقيق انجاز سياسي "وهمي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها