السبت 2017/01/07

آخر تحديث: 11:00 (بيروت)

"زواج المتعة" بين الدين والليرة

السبت 2017/01/07
"زواج المتعة" بين الدين والليرة
عون: تثبيت سعر صرف الليرة يكون بالإنتاج وليس بالدين (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

تحدث رئيس الجمهورية ميشال عون أمام زائريه أكثر من مرة عن أن تثبيت سعر صرف الليرة يكون بالإنتاج وليس بالدين. قالها لوفد من الهيئات الاقتصادية ولآخر من جمعية مصارف لبنان. الواقع أن تلك المقولة تختصر كثيراً من مقومات الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية عندنا. ولو ذهبنا إلى أبعد لقلنا، إنها إحدى الركائز الصلبة في الفكر الاقتصادي بمدارسه المتعددة. ولتكتمل ركائز مقولة رئيس الجمهورية في الحالة اللبنانية، لا يمكن إسقاطها في قالبهما النظري الصرف من دون ركيزتها الثانية الملازمة. وهي العمق السياسي لأزمة الدين العام والإنتاج في لبنان، الذي رسّخ تفاقم الأولى وضمور الثاني.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة له وعليه. قبل تناول الأمرين، نحسب أن لوبي الدعم القوي الذي يحوزه سلامة، منكبٌ هذه الأيام على تفكيك شيفرة الرسالة التي وجهها عون. وما إذا كانت إشارة لعدم التجديد مرة خامسة لسلامة حاكماً، بعد نحو ربع قرن على توليه هذه المسؤولية. وفي ذلك اللوبي ليس المصارف والهيئات الاقتصادية فحسب، بل ومراكز قوى سياسية متنوعة. بما في ذلك من مؤيدي رئيس الجمهورية. من دون أن نتجاهل الإعلام الترويجي الفظّ. هذا اللوبي لم يتزعزع مرةً رغم الأحداث السياسية والأمنية التي شهدها لبنان. ففي يده القرار السياسي الذي استمد سلامة منه الدعم للسياسة النقدية ولسياسة تثبيت سعر صرف الليرة. كان سلامة يعلم أنه إبن التسوية السياسية التي أنتجها الطائف منذ تكليفه مسؤوليته من الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 1993 وبدء سياسة التثبيت. وتمكن بعد الحريري من التكيف بحذاقة سياسية، حذاقته في التكيف مع سياسته النقدية، مع موازين القوى التي حكمت البلاد على تنابذها. بما في ذلك فترة سيطرة النظام السوري وهيمنته على حكم لبنان ومؤسساته. وتدخلاته في الشؤون المصرفية الضيقة  لغايات غير نبيلة. فبحسب المعلومات، الساعون كُثر إلى مركز حاكم مصرف لبنان. حقهم. وقرار رئيس الجمهورية هو الوازن في هذا المجال. وحق سلامة أن يتشبث بموقعه. ونزعم أن اللوبي لن يتخلى عنه في سهولة. ففي يده مفاتيح قبو المال. وفي القبو أيضاً، أسرار رجال السياسة من العضاريد واليعاسبة. ولو كان الأخيرون قلائل.

يسجل لسلامة أنه حافظ على "سلامة النقد اللبناني وسلامة أوضاع النظام المصرفي". الأمران من صلب صلاحياته المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف. (المادة 70) وفي النص أيضاً "المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتطوير السوق النقدية والمالية". بيد أن الأركان الأربعة الرئيسية المذكورة هي العناوين الفرعية  لـ"مهمة مصرف لبنان لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم".

الحفاظ على الاستقرار النقدي أنجزه سلامة بنجاح باهر. وتسجّل عليه تكلفة باهظة جداً راكمت الدين العام ورفعت معدلات الفائدة المناوئة "أساس النمو الاقتصادي والاجتماعي الدائم". وأحدثت تغييراً جوهرياً في سلوكيات المستثمرين وثقافتهم فتوجهوا الى كسب الريوع السهلة المشوهة لبنية النمو وجوهره، والكابحة لخلق فرص العمل. ولأن المال هو نتاج الفوائد والريوع وليس الاقتصاد والإنتاج، فكان من الطبيعي جداً أن يفيد من هذا النموذج اللوبي المالي والسياسي، داعم النموذج وحارسه اليقظ. فبات حقيقة وليس ادعاءً، أن غنائم الدين العام للقلّة القليلة، وأعباؤه على الكثرة الساحقة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بما في ذلك على العاطلين من العمل.

الإفراط في الدين ورفع الفوائد ليسا صنيعة مصرف لبنان منفرداً. هو مولود هجين لـ"زواج المتعة" بين السياسة النقدية لتثبيت سعر الصرف، وبين السياسة المالية المكشوفة على عُجوز شديدة القسوة، عقد قرانه سلامة بهندسة مالية بالقبول والرضا مع وزراء المال المتعاقبين. تثبيت سعر الصرف يستدعي حوافز فوائد مرتفعة لتعزيز الطلب على الليرة. والعجز المالي لا يخرج عن الهدف نفسه لتأمين التمويل حؤولاً دون انهيار الدولة. وشهود "الزواج غير المقدّس" هم أنفسهم غالبية الشعب اللبناني العظيم"، تستكين لآلامها وفاقتها. وكأنها تنتظر يوم الجنازة المؤجل الى حين انفجار الفقاعة. نسجل لهذه المعادلة الرثّة، أنها كبحت التضخم ولو لم يكن هو الهدف منها أصلاً. إنما مرحب بها طالما قوة سعر النقد واستدامة تمويل كيان الدولة يقتضيان تلك التكلفة الباهظة.

لا توجد دولة في الدنيا توفر الربحية الهائلة مع صفر في درجة مخاطر مضمونة من الدولة نفسها. المنظمات الدولية هي مرشدنا الآن الى ارتفاع المخاطر لأنها بضمانة الدولة الهشّة. أذونات الخزانة وسنداتها بالليرة والعملات الأجنبية كانت تعتبرها المصارف جزءاً من سيولتها الجاهزة للوقاية من "نُذر المطر الحمضي". تغيرت الأحوال الآن. إنكشاف المصارف على ديون الدولة ووليمة شهادات الإيداع في مصرف لبنان وتوظيفاتها فيه هو مصدر خفض التصنيف السيادي والإئتماني. عمليات المقايضة (SWAP) على الديون بأشكالها بين وزارة المال وبين مصرف لبنان لا تستقيم فرادى لتوزيع الهبات على المصارف وزيادة موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية. وهي مطلوبات في جوهرها. والى حين إفصاح مصرف لبنان عن حجم توظيفات المصارف لديه، جاز لنا كما يرى صديقنا توفيق كسبار، أن الدين العام والحكومي تجاوز 100 مليار دولار أميركي. ضعفا الناتج المحلي الإجمالي. سنجدد نحو 7.8 مليارات ديناً استحقاقات 2017. وأكثر بقليل في 2018. الفوائد إلى ارتفاع. والنفقات أيضأ. والحوافز لدوام "زواج المتعة" لتثبيت سعر الصرف وتأمين تمويل الكيان باقية ما بقي اللوبي المالي السياسي الفاجر حروناّ يحول دون قيام الدولة. ويعتدي على مقوماتها الاقتصادية. ويعطل استثمار قدراتها ومواردها المعرفية والبشرية. وينشر الخيبة والقنوط. ميشال عون: بلغت الرئاسة. قل لنا لست شاهداً على "زواج المتعة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها