الجمعة 2017/01/20

آخر تحديث: 02:01 (بيروت)

نقولا سركيس لـ"المدن":هكذا ستطير ملكية النفط والغاز في لبنان

الجمعة 2017/01/20
نقولا سركيس لـ"المدن":هكذا ستطير ملكية النفط والغاز في لبنان
الشركات المارقة ستتربع سعيدة في لجان إدارة الشركات العاملة (ccfrancolibanaise.fr)
increase حجم الخط decrease
كانت أخطر أجزاء عملية السطو على ثروة لبنان النفطيّة مرحلة تحديد أنظمة الاستثمار في المراسيم التطبيقيّة التي أقرّتها الحكومة اللبنانيّة. إذ أدّت إلى تنازل الدولة عن أكثر من مجرّد الحق في المشاركة في إدارة الاستثمارات، لتطال ملكيّة ثروة النفط والغاز نفسها.

فكيف يشرح خبير النفط الدولي نقولا سركيس هذه العمليّة؟ وما الفرق بين أنظمة الاستثمار التي تم اتباعها وتلك التي كان من المفترض أن يتبعها لبنان؟


لبنان "يخترع البارود"
في مقابلته مع "المدن"، يشرح سركيس بحرقة أن "لبنان لم يكن بحاجة إلى اختراع البارود عندما بدأ يفكر في نظام الاستثمار الأنسب له، والذي بدأت البلدان الأخرى تطبيقه منذ نحو نصف قرن، أي نظام تقاسم الإنتاج". وهذا تماماً ما نص عليه قانون الموارد البترولية في المياه البحريّة في العام 2010. وهو خيار منطقي، إن لم نقل الوحيد في ظروف لبنان الراهنة. 

إلا أن المفاجأة جاءت عندما تم إعداد المرسوم التطبيقي الخاص بنموذج اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج، الذي سارعت الحكومة الجديدة إلى اقراره في أولى جلساتها. هذا المرسوم يشكل تزويراً للقانون، إذ إنه تجاهل ما جاء فيه عن تقاسم الإنتاج، ليستعيض عنه بمفهوم "تقاسم الأرباح" الذي لا وجود له لا في الدول الأخرى ولا في أدبيات الاقتصاد البترولي.

أما تبعات هذا النموذج، ببساطة، فهي عدم مشاركة الدولة في الأنشطة البتروليّة كما تنص صراحة المادّة الخامسة من المرسوم، وعدم انشاء شركة نفط وغاز وطنيّة. والأهم والأخطر ما يستتبع ذلك من نقل ملكيّة البترول المستكشف لمصلحة الشركات العاملة.

وتكتمل الحلقة، كما يصفها سركيس، عندما نص المشروع على أن حقوق الاستكشاف والإنتاج لا تمنح إلا لـ"شراكة تجارية غير مندمجة" مكونة من ثلاث شركات على الأقل، من الشركات التي حصلت على تأهيل مسبق. وبما أن عدداً من الشركات التي سبق تأهيلها هي شركات وهميّة وصوريّة، أو مارقة كما يسمّيها سركيس، فهذا يعني أنه عندما تتقدم شركة بطلب القيام بدور المشغل "Operator"، يتم تقديم "النصيحة" لها باتخاذ شركة أو شركتين من الشركات الوهمية أو المارقة إلى جانبها في اطار "الشراكة التجارية غير المندمجة".

هكذا، "يصبح في إمكان أصحاب هذه الشركات الصورية أو المارقة التربع سعيدين في لجان إدارة الشركات العاملة، أي مكان ممثلين عن الشركة الوطنية والدولة والشعب اللبناني". في حين أن المادة 16 من المرسوم المذكور تتكرم باعطاء الدولة الدور المهين عندما تنص على أن من حق الدولة وهيئة البترول طلب تعيين ممثلين كمجرد "مراقبين" في بعض اجتماعات لجان الادارة.

نظام تقاسم الإنتاج Production Sharing Agreements - PSA
كيف يصف سركيس نظام تقاسم الإنتاج الذي كان من المفترض أن يتم تطبيقه بحسب القانون المُقر في العام 2010 بدلاً من نموذج تقاسم الأرباح الذي اعتمدته الحكومة؟ ولماذا اعتُقد بأنّه كان النظام الأنسب لحالة لبنان؟

هذا النظام بدأ تطبيقه في أندونيسيا في منتصف الستينات من القرن الماضي، وانتشر في عشرات الدول الأخرى، خصوصاً بعدما قامت بلدان أوبيك وغيرها بتأميم الشركات الأجنبية صاحبة هذه الامتيازات، إذ كانت هذه البلدان في وضع لا يسمح لها باستغلال ثرواتها مباشرة لافتقارها إلى الخبرة والتكنولوجيا والرساميل اللازمة، شأنها في ذلك شأن كل البلدان، كما لبنان، التي تنطلق من الصفر عندما تفكر في استثمار مصادر بترول موجودة أو "موعودة" في أراضيها أو في مناطقها البحرية.

لهذه الأسباب رأت البلدان المعنية أن أفضل نظام استثمار بالنسبة إليها هو نظام تقاسم الإنتاج الذي يجمع بين إرادتها في أن تكون صاحبة القرار وأن تمارس حقوق السيادة في كل أوجه استغلال ثرواتها، وبين مصلحة الشركات الأجنبية التي تملك الوسائل التكنولوجية والمالية وتود أن تحافظ، قدر الامكان، على مصدر تموين خاص بها. 

لذلك، فإن نظام تقاسم الإنتاج صمم على أساس أن تمنح الشركة الأجنبية حقوق الاستكشاف والتنقيب لمدة 2 إلى 5 سنوات، في حين تتحمل الشركة وحدها المخاطر. وفي حال عدم توصلها إلى اكتشاف تجاري ينتهي الاتفاق من دون دفع أي تعويض لها.

أما في حال اكتشاف ما هو قابل للاستغلال، فتدخل الدولة شريكاً في مرحلة الإنتاج بنسبة تفوق 40 إلى 50% وتدفع تدريجاً نصيبها من النفقات الماضية، في مرحلة الإنتاج. ويصار بعد ذلك إلى تقاسم الإنتاج وفق نسب المشاركة المتفق عليها مسبقاً.

إلى ذلك، يتوجب على الشريك الأجنبي دفع بعض الرسوم والضرائب، خصوصاً ضريبة دخل على الأرباح التي يجنيها من تسويق حصته من الإنتاج. مع العلم أن حقوق ملكية البترول المكتشف تظل محصورة بالدولة، على عكس ما كان عليه الوضع في ظل الامتيازات القديمة. وحق ملكية الشركة الأجنبية على حصتها من الإنتاج لا يبدأ إلا بعد خروج هذه الحصة من المكمن إلى الخزانات قبل تحميلها في بواخر التصدير. 

يشير سركيس إلى نموذج نظام عقود الخدمات، كواحد من النماذج البديلة التي لم يتم الإلتفات إليها في المداولات التي سبقت إصدار المراسيم الأخيرة، التي توكل بموجبه الدولة إلى شركة أجنبية مختصة القيام بالأنشطة البترولية لقاء بدل مالي أو غير مالي معين، وتظل الدولة عبر شركتها الوطنية هي صاحبة الحل والربط في رسم السياسة البترولية. هذا النوع من العقود مورس في العراق وإيران وبلدان أخرى.

ينهي الخبير وصفه الحزين لواقع القطاع النفطي بالإشارة إلى وجود وجه شبه مأسوي بين المراسيم التي تمت الموافقة عليها أخيراً، من جهة، والامتيازات القديمة، من جهة ثانية. ذلك أن نصوص الامتيازات البترولية كانت تكتب بالإنكليزية منذ نحو القرن في لندن أو نيويورك قبل أن تعرض على حكام الدول للتوقيع أو البصم عليها من دون الإطلاع عليها. وكان الحكام انذاك معذورين لأن ظروف الحياة لم تكن تسمح لهم بتعلم القراءة والكتابة، أو معرفة قيمة الثروات. فما هو يا ترى عذر المسؤولين عندنا عندما يوافق معظمهم على نصوص مراسيم أحيطت بالسرية الكاملة ولم تتح امكانية الاطلاع عليها لا للشعب اللبناني، ولا وسائل الإعلام، ولا مجلس النواب ولا معظم الوزراء، الذين لم يترك لهم أكثر من 48 ساعة لدراسة مراسيم تمتد على نحو 400 صفحة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها