الإثنين 2016/07/25

آخر تحديث: 14:16 (بيروت)

حساب 36 المالي: لماذا يكرهه السياسيّون؟

الإثنين 2016/07/25
حساب 36 المالي: لماذا يكرهه السياسيّون؟
هناك وزارات لديها حسابات مستقلة عن حساب الخزينة العامة في مصرف لبنان (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
لطالما شكّل الحساب رقم 36 في مصرف لبنان مادة لغط ومحط اتهام بين السياسيين والقيّمين على السياسات المالية في لبنان، بإعتباره الحساب المصرفي الأول، والذي من المفترض أن يكون الحساب الوحيد للخزينة العامة. ولكن، هل مازال ممكناً القول إن الحساب 36 هو حساب الدولة اللبنانية؟ أم أنه بات مجرّد حساب ضمن سلّة من الحسابات التي تُجمع فيها موارد الدولة، ومنها القانوني ومنها المخالف؟

من حيث المبدأ يُحظر على الإدارات العامة والمؤسسات العامة التابعة للدولة أو للبلديات وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية، فتح حسابات في المصارف الخاصة أو فتح حساب خاص بها في مصرف لبنان، إلا أن القانون رقم 49/87 عدل هذه المادة عام 1987، وأجاز للإدارات العامة ذات الموازنات الملحقة والمؤسسات العامة والبلديات وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية فتح حسابات جارية مستقلة بهم في مصرف لبنان، وذلك خلافاً لأي نص آخر، ولاسيما أحكام قانون المحاسبة العمومية وأحكام قانون النقد والتسليف.

ولم ينتهِ الأمر هنا، بل تمادت الحكومات المتعاقبة في مخالفة أحكام القانون رقم 49/87 نفسه، وأجازت للوزارات، وحتى لبعض الوحدات في الوزارات، بفتح حسابات خاصة بها لدى مصرف لبنان. وأصبح لكل وزارة أكثر من حساب لدى البنك المركزي، الذي كان يفترض بالقيمين على إدارته أن يرفضوا فتح حسابات بطريقة مخالفة لأحكام القانون. ما أدى إلى تعدد الحسابات وتعذر توحيد نتائجها السنوية.

تعدد الحسابات المصرفية العائدة لمؤسسات عامة أو إدارات أو بلديات، يعيق عملية احتساب واردات الدولة، ويمكن أن يفتح "باب" الفساد والهدر من خلال عدم التصريح عن حقيقة واردات المؤسسة المعنية.

وتكاد تكون غالبية المؤسسات الممنوحة حق فتح حسابات مستقلة عن حساب الخزينة العامة 36 هي الأكثر رفداً للخزينة العامة نفسها، ومنها: المديرية العامة لليانصيب الوطني والإتصالات السلكية واللاسلكية، مجلس الانماء والاعمار ومجلس الجنوب ومؤسسة كهرباء لبنان والبلديات ومكتب الحبوب والشمندر السكري، وغيرها.

إذا أحسنّا الظن، كما فعلت وزيرة المال السابقة ريا الحسن، يُمكن أن يفهم موضوع تعدد الحسابات المصرفية للمؤسسات المذكورة مجرّد عملية تسهيل لإنفاق تلك المؤسسات واختصاراً للوقت بدل انتظار فتح اعتمادات من وزارة المال. لكن الحسن تصر، في حديث إلى "المدن"، على أنه مهما كانت أسباب السماح لبعض المؤسسات العامة بفتح حسابات منفصلة عن الحساب 36، لا يمكن أن تنجح عملية احتساب الواردات والنفقات بشكل دقيق، "إذ لا شيء يُثبت حجم الأموال الوافدة إلى الحسابات المستقلة سوى ما تُعلنه المؤسسة المعنية بالحساب نفسها"، ولاسيما أن معظم المؤسسات الممنوحة حق فتح حساب منفصل عن الحساب 36 يمكنها تحريك حسابها دون العودة الى وزارة المالية.

تعدد الحسابات المستقلة عن حساب الخزينة 36 يساهم بخروج الإنفاق العام عن "سكة" الضوابط القانونية، وفق ما يقوله مصدر مالي لـ"المدن"، وخصوصاً الإنفاق بواسطة القروض والهبات. فالقروض التي تتولاها مباشرة الوزارات والإدارات المستفيدة ولا تظهر حساباتها في حسابات مجلس الإنماء والإعمار ولا في قيود محتسب المالية المركزي، تفتح لها، وفق قوانينها الخاصة، حسابات خاصة في مصرف لبنان خارج حساب الخزينة رقم 36 وتتولى إدارتها الجهة المستفيدة بالتنسيق مع المقرض فقط.

كذلك بالنسبة إلى الهبات التي تتولاها مباشرة الوزارات والإدارات المستفيدة ولا تظهر حساباتها في حسابات مجلس الإنماء والإعمار ولا في قيود محتسب المالية المركزي، تفتح لها وفق قوانينها الخاصة حسابات خاصة في مصرف لبنان خارج حساب الخزينة رقم 36 تتولى إدارتها الجهة المستفيدة بالتنسيق مع الواهب.

أمام هذا الواقع يصبح من الضرورة مكافحة هدر المال العام والفساد انطلاقاً من القوانين والتعديلات التي طرأت عليها على مر السنوات، والعودة إلى المبدأ الأصل الذي نادت به الحسن بالقول: "لن تستقيم مالية الدولة العامة إلا بتوحيد مواردها في الحساب 36 من دون أي استثناءات أي بالممارسة السليمة لإدارة خزينة الدولة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها