الجمعة 2016/12/09

آخر تحديث: 00:11 (بيروت)

حلب ومشروع إعمار سوريا

الجمعة 2016/12/09
حلب ومشروع إعمار سوريا
عملية الاعمار قد تستغرق 20 عاماً (Getty)
increase حجم الخط decrease

قلَب التدمير الهائل والمنهجي لحلب المدينة وجوارها كل التقديرات المتعلقة بتكلفة إعادة اعمار سوريا التي وضعتها المؤسسات الدولية في 2014 و2015. فالمحافظة تمثل العاصمة الإقتصاديةلسوريا بحصة كبيرة من الناتج المحلي. فيها عشرات آلاف المصانع والمحترفات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة من بينها ألوف مصانع لقطاع النسيج فقط والمواد الغذائية والأدوية والمستحضرات الطبية. وتستوعب نحو 25 في المئة من قوة العمل السورية. بالاضافة إلى المرافق السياحية والأثرية.

ذهبت التقديرات الدولية من المصرف الدولي وصندوق النقد الدولي و"إسكوا" إلى نحو 150 مليار دولار أميركي و200 مليار تكلفة مشروع الاعمار. وهي ليست خسائر الحرب الاجمالية في سوريا. فهناك فاقد الناتج المحلي لسنين ست منذ 2011 تقدر بنحو 170 مليار دولار أميركي. ونحو 70 ملياراً خسائر خزين رأس المال. سيتكشف مزيد من التكلفة الاعمارية وفاقد الناتج بعد أن تُكتب خاتمة الحرب في سوريا. ومعلومات أكثر دقة عن الخسائر الانسانية والبشرية الهائلة. وتهجير نحو نصف السكان محلياً والى خارج سوريا. ونزف الموارد البشرية والكفايات. ووقوع نحو 80 في المئة من السكان في براثن الفقر المدقع. (1.90 دولاراً أميركياً يومياً للفرد بحسب المصرف الدولي).

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والنظام السوري تجاهلا حين استخدما كل صنوف التدمير والصواريخ والبراميل أن "سوريا المفيدة" هي سوريا الوطن والناس وليست "سوريا الأسد". حيث مناطق نفوذهما ومرتع ترسانتهما العسكرية. ولم يأبها لأي حل يؤذن بنهاية الحرب باتفاق سياسي يقرر من خلاله الشعب بخياراته الحرة مستقبل وطنه. كلاهما تجاهل أيضاً أن التحدي الحقيقي ليس بقاء النظام، بل إعادة اعمار البلد واستعادة وحدته وسيادته وبناء اقتصاده، والتصدي للآفات الاجتماعية والمجتمعية الخطيرة التي استولدتها الحرب.

ويستمر المشهد التدميري. روسيا ملتزمة حماية النظام. والنظام يعد روسيا بالتزام الاعمار. وأوان الاعمار لم يحن بعد. لكن تقدم قوات النظام في حلب الشرقية حرّك مكاتب الوساطة المالية والعقارية الدولية. وسطاء لبنانيون مقربون من دوائر النظام السوري بدأوا ينشطون محلياً ومع وكالات في الخارج. وسوريا مازالت بعيدة من إعادة بنائها. ومشروع الاعمار دونه شروط بحجم أزمتها.

أولاً: مشروع الاعمار لن يكون من خارج الحل السياسي. لأن مصادر تمويله ليست متاحة من موسكو. لا نتحدث عن قدرات روسيا وخبراتها في بناء البنى التحتية، ولاسيما الكهرباء والمياه. بل لأن بدء الاعمار يكون مع نهاية الحرب. فإذا كانت الشركات الروسية القريبة من بوتين، أو شركات الدولة تعتقد في سهولة انسياب الدعم والقروض إلى سوريا من أطراف أخرى دولية أو عربية لسداد التزامات الاعمار، وإدارته من النظام فباطل اعتقادها. من دون الحل السياسي لن يحصل تمويل عربي لمشروع الاعمار لأنه تمويل لاعمار النظام من جديد. ولا الاتحاد الأوروبي في وارد الدعم إلاّ في إطار مشروع الحل السياسي. صحيفة "ذي تايمز" البريطانية، نقلت عن ممثلة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني استعداد الاتحاد لتقديم دعم مالي لسوريا في حال موافقة جميع الأطراف على الحل السياسي. ونحسب أن قادة الاتحاد يرون في ذلك السبيل الأنجع لمعالجة مشكلة اللاجئين من سوريا التي باتت مادة سياسية وانتخابية مرهقة للأحزاب الحاكمة في أوروبا.

ثانياً: أي نوع من الدعم الأوروبي لسوريا قروضاً ومساعدات هو اقتصادي أيضاً للدول الأوروبية التي تعاني تباطؤاً وبطالة وأزمات ديون. ومن الطبيعي أن تربط دول الاتحاد دعمها بالحصول على مشاريع تنفذها شركاتها العاملة في قطاع التشييد والبناء والخدمات. بما في ذلك توريد المواد والسلع. وكذلك في قطاع النفط والغاز الذي لروسيا فيه الحصة الأكبر منذ ما قبل الحرب. مشروع مارشال الأميركي لإعادة بناء أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لم يبدأ عملياً قبل 1948. أي بعد سنوات ثلاث على نهاية الحرب. وركز على إعادة اعمار البنى التحتية لإطلاق عجلة الإقتصاد. ولم يهتم  في بناء المنازل والحيازات الخاصة. وهي الأكثر تضرراً في حالة سوريا. الشركات الأميركية هي التي تولت الأمر. وأسهم المشروع في نهوض الإقتصاد الأميركي من جديد بعد كارثة الكساد الكبير التي ضربت الولايات المتحدة 1929- 1931. أما المؤسسات الدولية، كالمصرف الدولي وصندوق النقد الدولي الجاهزين لتقديم قروض ميسرة طويلة الأجل ودعم أنظمة الدفع والموازنة تقنياً، فلا تشكل استثناء، طالما تتحرك في فضاء الدول الصناعية التي تهيمن على مجلسي المؤسستين التنفيذيين وسلطة القرار فيهما.

ثالثاً: تبقى لازمة أي مشروع اعماري بعد الحرب بإعادة بناء الإقتصاد وتحفيز النمو وتحقيق الاصلاحات الإقتصادية والاجتماعية. فحجم الإنفاق الاعماري الضخم يفترض أن يكون في سياق خطة تنمية اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى. وعملية الاعمار لو توقفت الحرب الآن قد تستغرق 20 عاماً بحسب المصرف الدولي. اللازمة التنموية تلك، تستدعي حشد الموارد البشرية والعلمية والإستثمارية السورية. نعود إلى مربع الحل السياسي. فحشد المدخرات السورية وتقدر في الخارج بنحو 100 مليار دولار أميركي مستحيل من دون معرفة مستقبل سوريا. الأمر نفسه في عودة الكفايات البشرية وانخراط المحلية منها في عملية الاعمار والتنمية، بينما تقصى بالقمع والترهيب عن المشاركة في القرار السياسي والوطني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها