الإثنين 2016/11/28

آخر تحديث: 00:59 (بيروت)

عون ضد دعم الليرة.. بالدين

الإثنين 2016/11/28
عون ضد دعم الليرة.. بالدين
"تعويم العملة" بشكل مفاجئ يمكن أن يُنتج فقداناً في الثقة (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

مرّ كلام رئيس الجمهوريّة ميشال عون أمام وفد الهيئات الإقتصاديّة عن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانيّة من دون ضجيج، ربّما بسبب حساسيّة الموضوع وعدم وجود مصلحة فعليّة لدى صنّاع السياسات النقديّة والماليّة في إثارته. لكنّ كلام عون، عن عدم جواز إبقاء الليرة اللبنانيّة "مدعومة بالدين الذي بلغ حجماً كبيراً"، كان أحد المؤشّرات التي تدل، ربما، على توجّهات جديدة ومقلقة في الشأن المالي والنقدي.

سبقت كلام عون رؤية قاتمة لدراسة أعدّتها جمعيّة المصارف، خلصت إلى أنّ القدرة على تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانيّة ستنهار خلال سنتين إذا إستمر الوضع الحالي. وهي الدراسة نفسها التي تنبّأت بتغيّر تدريجي لسعر صرف العملة الوطنيّة الذي سيبلغ 5,638 ليرة لبنانيّة للدولار الواحد في العام 2020.

وفي ظل الكلام عن مبادرات دوليّة محتملة لإعادة تمويل الدين العام اللبناني، تبرز فرضيّة أن يكون هذا الكلام تمهيداً لتعديل سياسات لبنان النقديّة لتطابق معايير التمويل الدولي على النحو المصري بعد تعويم الجينيه.

بالنسبة إلى الخبير الإقتصادي كمال حمدان، ساهمت سياسة تثبيت الليرة خلال الفترة الماضية إلى حدٍّ ما في الحفاظ على استقرار معيّن في الكلفة المعيشيّة، بالإضافة إلى السيطرة على معدّلات التضخّم. ويعود حمدان بالزمن إلى بدايات تطبيق هذه السياسة التي كان يجب أن تُطبّق بشكل موضعي مع ضبط شديد في معدّلات الإنفاق العام. لكن ما جرى هو العكس تماماً، إذ أطلقت الحكومات المتعاقبة العنان للإنفاق المسرف وتم تطبيق سياسة تثبيت سعر الليرة من دون خطّة زمنيّة واضحة.

إنفلات الإنفاق مع سياسة تثبيت الليرة خلقا معاً، وفق حمدان، سيناريو كارثي نتج عنه تعاظم الدين العام الذي تم تمويله من المصارف، التي بدأ معدّل نمو ودائعها بالتناقص مؤخّراً. وبالتالي تناقصت قدرة المصارف على تمويل تنامي هذا الدين الذي تحمل مخاطره حاليّاً. ما دفعها، في رأي حمدان، إلى إطلاق جرس الإنذار عبر الدراسة المذكورة. كما أنّ هناك علامات إستفهام جديّة حول قدرة مصرف لبنان على الإستمرار في تحمّل كلفة سياسة دعم الليرة، التي يُحكى عن خسائر كبيرة بسببها، خصوصاً في ظل عجز ميزان المدفوعات المستمر خلال السنوات الماضية.

لا يستبعد حمدان أن تكون نتائج سيناريو رفع الدعم عن الليرة مشابهة لنتائج تعويم الجينيه المصري لجهة إنفلات التضخّم وغلاء المعيشة، ويعود بالذاكرة إلى الأعوام بين 1984 و1993 حين تضاعفت أسعار السلع بأضعاف معدّلات تصحيح الأجور. ووفق حمدان، فإن المطلوب تكاتف الفئات المتضرّرة من نتائج هذه السياسات "لفرض شروط الحل عند حصول السيناريوهات الأسوأ".

ورغم أن الليرة اللبنانيّة غير مدعومة بالدين العام، كما جاء في كلام عون، بل من الإحتياطات بالعملات الأجنبيّة المتراكمة، وفق أستاذ علوم الإقتصاد في الجامعة اليسوعيّة بشير الخوري، إلا أن ما قيل "يمكن أن يكون مقدّمة لتغيير في التركيبة القائمة منذ التسعينات".

ويرى الخوري أن تحرير سعر الصرف، يسهم في زيادة القدرة التنافسيّة للعملة المحليّة، بجعلها أرخص. ما سيخفّض سعر الصادرات اللبنانيّة مقارنةً بغيرها من الصادرات بعملات أُخرى. وبالتالي، زيادة الصادرات. ما سيؤدي إلى تقلص العجز في الميزان التجاري، وهو الأمر الذي سيسهم بخفض البطالة وتنويع الإقتصاد وزيادة الإنتاجيّة. والعامل نفسه سيؤدّي إلى تعزيز السياحة، وهو الأمر الذي سيزيد النمو الإقتصادي والتوظيف في هذا القطاع.

ولئن كان سعر صرف العملة المحليّة متضخّماً بنسبة 50% إلى 70% نسبةً لسعر صرفها الواقعي، فإن تحريرها، وبالتالي إعادتها إلى سعرها الواقعي المنخفض، سيؤدي إلى خفض قيمة الدين العام بالنسبة نفسها، وفق الخوري.

أمّا عن المخاوف والسلبيّات المتوقّعة من تحرير سعر الصرف، فتبدأ بالتضخّم الممكن أن ينتج، خصوصاً إذا لم يتم الأمر بشكل تدريجي. ما سيؤثّر بشكل كبير على القدرة الشرائيّة، خصوصاً عند الطبقات المتوسّطة والفقيرة. فانخفاض سعر صرف العملة الوطنيّة سيؤدّي إلى إنخفاض قيمة صغار المودعين الذي يستفيدون من فوائد مرتفعة نسبيّاً على الودائع بالعملة المحليّة.

ويلفت الخوري إلى أنّ دائني الدولة اللبنانيّة سيكونون في هذه الحالة من كبار الخاسرين، وهم تحديداً المصارف، المصرف المركزي والأفراد. كما أن تطبيق نظام "تعويم العملة" بشكل مفاجئ يمكن أن يُنتج فقداناً في الثقة وحالة من الخوف في السوق، شبيهة بتلك التي حدثت في نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي في لبنان. ما سينتج ارتفاعاً في معدّلات الفوائد وضرباً للإستثمارات والنمو الإقتصادي ومعدّلات التوظيف.

على مدى أكثر من 20 سنة كانت سياسات مصرف لبنان القائمة على تثبيت سعر صرف الليرة محل إشادة السياسيّين والمؤسسات الإقتصاديّة، نظراً لقدرتها على الحفاظ على قيمة عوائد اللبنانيّين ومداخيلهم في بلد يعتمد على الإستيراد إلى حد كبير. ويبدو الآن من الصعب تخيل جميع نتائج قرار يعاكس هذه السياسة النقديّة، خصوصاً في ظل عدم ثقة كثيرين بالطبقة السياسيّة وأولويّاتها عند صياغة السياسات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها