الجمعة 2014/09/26

آخر تحديث: 14:48 (بيروت)

"الكهرباء": فواتير وأختام ونوايا.. بإنتظار التحقيق

الجمعة 2014/09/26
"الكهرباء": فواتير وأختام ونوايا.. بإنتظار التحقيق
أحد المياومين يشعل النار خلال إعتصام أمام شركة KVA (المدن)
increase حجم الخط decrease

 

تغليف قطعة الحلوى المنتهية الصلاحية لا يجعل منها صالحة للأكل، إذ أن الغلاف البرّاق للقطعة هذه لا ينفي حقيقة أن المواد بداخلها فاسدة وتسبب التسمّم. حال الحلوى لا يبعد كثيراً عن حال الإنسان، وكذلك عن نتاج الإنسان، من مؤسسات وغير ذلك، ولا عن آلية الإنتاج وطريقة الإدارة ونمط التفكير. خصوصاً أنّ البناء الفوقي للمجتمع والمؤسسات ما هو إلاّ نتاج للبنى التحتية.

حال مؤسسة الكهرباء يدخل في إطار الدليل على ما تقدّم، مع تغيير بسيط في القواعد، وهو أن المؤسسة لم تكن مغطاة بالكامل بواسطة غلاف برّاق، وكان الجميع يعلم ما يخفي الغلاف تحته، لكن محاولات غض الطرف كانت جارية على قدم وساق، إما "غيرة" على مؤسسة عامة، وإما لغاية في نفس يعقوب.

"التطنيش" لم يدم طويلاً، فرُقع الغطاء أصبحت تغطيه لدرجة أن المساحات لم تعد تتسع لرقع جديدة، وبدأت تتسرب إثر ذلك، الشوائب والتجاوزات "النائمة"، خصوصاً تلك المتعلقة بالشركات مقدمي الخدمات وببعض العاملين في المؤسسة. وآخر نتائج "التطنيش" ظهر مع "إكتشاف المياومين لعدد من الأختام يستخدمها العامل المسؤول عن كاراج مؤسسة الكهرباء، بما يتضمنه من أعمال تصليح وصيانة لسيارات المؤسسة ومولداتها، وهو المسؤول أيضاً عن تعبئة المحروقات للسيارات"، بحسب ما تشير إليه مصادر المياومين لـ "المدن". وتُستعمل الأختام المكتشفة "بختم الفواتير التي يحررها هذا العامل نتيجة تغيير إطارات السيارات أو تصليح عطل ما... وغير ذلك من الأعمال المنوطة به. والختم يتم في مبنى المؤسسة من دون العودة الى الشركات التي تُمهر الفواتير بإسمها، فالعامل يسجّل ما تم إصلاحه، ويسجل الكلفة ويختم الفاتورة ويوقعها ويرسلها إلى مؤسسة الكهرباء، ويقبض ثمن الفاتورة. وهذه العملية تتم بلا مراقبة أو تدقيق من قبل المؤسسة".

الأختام التي يملكها العامل المسؤول عن "كاراج" المؤسسة (المدن)

وجود أختام لدى العامل المسؤول أمر مستغرب، لكن ما هو أشد غرابة من إمتلاكه للأختام، هو "المدة الزمنية التي مرّت على قيامه بذلك، والمبالغ المالية التي حررها وصدّق عليها وقبضها بنفسه". تتابع المصادر، "يقول العامل المسؤول أن أصحاب المحلات والمؤسسات التي يحرر الفواتير باسمها، فوّضوه بذلك نظراً للثقة المتبادلة بينهم. لكن إذا صدّق هذا الكلام، فمن الذي يضمن عدم وجود تلاعب بالفواتير، من كان يدقق بها ويشرف عليها؟ ما الذي يمنع وجود تواطؤ بين العامل وتلك المؤسسات؟ كلها أسئلة برسم المعنيين، من إدارة المؤسسة الى النيابة العامة المالية وكل إدارات التفتيش والمسؤولين السياسيين".

قضية الأختام ليست هي الوحيدة التي ظهرت مؤخراً كثغرة في ملف المؤسسة، والذي تفاقم مع بدء إعتصام المياومين منذ حوالي الشهرين، إعتراضاً على جملة من الملفات المتراكمة، وفي مقدمتها عدد شواغر المؤسسة الذي تضمن تضارباً بالأرقام بين تلك التي أعلنتها إدارة المؤسسة وتلك التي يقدمها المياومون، والصادرة أساساً عن دوائر المؤسسة في المناطق. والى جانب الأختام، أظهر المياومون صوراً لآلات تقوم بطبع الفواتير، تملكها شركات مقدمي الخدمات. وتوضح مصادر المياومين أن "الشركات قررت بعلم إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، البدء بطباعة الفواتير تمهيداً لجبايتها، وذلك بعد إفلاس الشركات وعجزها عن الإستمرار بالعمل وتقديم الخدمات التي تم التعاقد معها بهدف تنفيذها. والشركات أقدمت على هذه الخطوة بهدف تأمين مردود مالي بشكل سريع، بعد إستنفاذ السلفة الأخيرة التي أعطتها لهم مؤسسة كهرباء لبنان، والبالغة أكثر من 30 مليار ليرة". وتتساءل المصادر عن قانونية هذا الإجراء، وعن النتائج المترتبة عليه، إن على مستوى "عشوائية إصدار الفواتير، أو عن آلية التدقيق بها، بعد ان كانت المؤسسة تقوم بهذه المهمة". وتتخوف المصادر من "الفوضى التي ستنتشر بفعل هذا الأمر، وسيسمح ذلك بوجود عمليات تزوير، فتعدد أماكن صدور الفواتير وسهولة طباعتها يمكّن البعض من تزويرها وجباية المبالغ لحسابه الخاص".



 آلة يقول المياومون أن الشركات تملكها وستستعملها في طباعة الفواتير (المدن)

ما إعتبره الميامون "فضيحة" بحق مؤسسة الكهرباء والشركات مقدمي الخدمات، تقلل مصادر في مؤسسة الكهرباء من قيمته، وترى ان مقاربة الموضوع يجب أن تتم من زاوية أخرى. فالأختام المعلن عنها هي من أجل "قانونية الفواتير المقدّمة، إذ ان مؤسسة الكهرباء لا تصرف فواتير بلا أرقام مالية للمؤسسات الصادرة عنها، وعليه، فإن المؤسسات التي يتم التعامل معها، سمحت للموظف بإمتلاك أختام باسمها لتسهيل العمل، نظراً للثقة بينهما. ومن المعيب أن يُساءل موظف دولة بهذا الشكل". وتمنّت المصادر في حديث لـ "المدن" ان "يصار الى محاسبة من يقفل باب مؤسسة الكهرباء منذ نحو 50 يوماً، وليس محاسبة موظف في المؤسسة يقوم بعمله". اما طباعة الفواتير، فهي "من مسؤولية مؤسسة الكهرباء وتتم الطباعة داخل المؤسسة. لكن هناك بنداً في العقود الموقعة ين المؤسسة والشركات يلزم الشركات بعمل كل ما يلزم بهدف تسيير العمل في الظروف القاهرة، ويمكن لموضوع طباعة الشركات للفواتير، ان يندرج ضمن إطار تسيير العمل في هذه الظروف القاهرة. لكن في جميع الأحوال، فإن قرار طباعة الفواتير لم يتخذ بعد، وهو قيد الدرس والبحث، لأنه يتطلب إجراءات قانونية عديدة، وفي حال تم اللجوء إليه، ستكون الطباعة بإشراف مؤسسة الكهرباء".


وفي تعقيب على ما يحصل بشكل عام، أسِفت المصادر لإضطرار المؤسسة "الطلب من وزير الطاقة والمياه ومجلس الوزراء الموافقة على إخراج كافة موجودات المؤسسة من المبنى المركزي إلى مبنى آمن من أجل استئناف العمل بشكل طبيعي، وهذا يذكرنا بأيام الحرب التي كنا نبحث فيها عن مكان آمن لتسيير عمل المؤسسات".

سواء أكان الأمر "فضيحة" أم "تسييرا للعمل في الظروف القاهرة"، يبقى أن عودة التيار الكهربائي وإكتشاف التجاوزات ومعاقبة المفرّطين بالأموال العامة ومؤسسات الدولة، هي الهَم الأكبر بالنسبة للمواطنين.

increase حجم الخط decrease