الخميس 2015/01/29

آخر تحديث: 15:39 (بيروت)

مبادرات مدنية تساعد "الدولة" في تطبيق قانون السير

الخميس 2015/01/29
مبادرات مدنية تساعد "الدولة" في تطبيق قانون السير
لم يحن موعد الضوء الأخضر لقيام الدولة بمهامها بشكل كامل (علي علوش)
increase حجم الخط decrease


على جري عادتها، تغالي الدولة اللبنانية في تبني قوانين وتشريعات لا تتلاءم مع بنية وطبيعة المجتمع اللبناني، إضافة إلى عدم جهوزيتها التامة لوضع آلية تنفيذ هذه القوانين. ولعلّ حال الطرق أبرز الأمثلة على قلة جهوزية الدولة للبدء بتنفيذ قانون السير الجديد في نيسان المقبل.

اعتبرت السلطات اللبنانية أن هذا القانون يشكل "رادعاً للسائقين للقيادة بتأن، بغية الحد من الحوادث القاتلة"، غافلة عن حال الطرق والمشكلات الهائلة التي يشهدها قطاع السير في لبنان. ولعل المشكلة الأبرز التي تترتب على اقرار قانون كهذا، تكمن في كيفية التبليغ عن المخالفات، وخصوصاً لجهة النقص الشديد في عناوين المواطنين المسجلين، ما ساهم في تراكم المخالفات لدى الجهات المعنية نظراً لعدم تبلغ مرتكبيها بها.

ويعدّ محمد (اسم مستعار) من أبرز الأمثلة التي تحاكي هذا الواقع، اذ أشار في حديث لـ "المدن" الى أنه تم تغريمه 405 آلاف ليرة لبنانية جراء مخالفته للسرعة المسموح بها، فيما المخالفة الأساسية بلغت 360 ألف ليرة، ليضاف الباقي على شكل غرامات تأخير نتيجة عدم التبليغ". وأضاف أنه "لم يتبلغ بالمخالفة، الا بعد صدور قرار قضائي بحقه"، ما ساهم في رفع الكلفة الأساسية "المرتفعة أساساً".

أما بشأن كيفية التبليغ، فأشار محمد الى أنه "استعلم من البريد عن سبب عدم تبليغه"، ليأتي الرد بأن البريد "يقوم بالإتصال مرّة واحدة فقط، وفي حال عدم الرد يتم تحويل المخالفة مباشرة الى المخفر لإتخاذ اجراءات التبليغ"، مضيفأ أنه "طلب من البريد تحديث بياناته وعنوان سكنه، ليتفاجأ بأنها خدمة سنوية تُكلّف خمسة آلاف ليرة"، وهو مبلغ زهيد جداً اذا ما استثنينا أن وظيفة البريد الرئيسة تتمثل في تحديث بيانات المشتركين بهدف إيصال بريدهم الشخصي الى منازلهم.

ولا يعتبر محمد الحالة الوحيدة التي طاولها "إهمال التحديث"، اذ يشتكي لبنانيون كثر من المخالفات والغرامات التي تكدست عليهم نتيجة عدم تبليغهم بها، ما يطرح إشكالية أساسية تتمحور حول الكلفة الإضافية التي ستترتب على المخالفين في حال عدم تبليغهم بمخالفاتهم.

وفي هذا السياق، وانطلاقاً من "الظلم المرتبط بالغرامات"، أطلق الناشط على مواقع التواصل الإجتماعي، شادي ذبيان موقعاً إلكترونياً مجانياً بإسم "أكلنا زبط"، يمكّن المواطن من الإطلاع على مخالفات السير التي تسجلها وزارة الداخلية بحقه. ويرتبط هذا الموقع مباشرة بخدمة الإستعلام عن المخالفات التي توفرها وزارة الداخلية عبر موقعها الخاص، ويعمل على البحث عن المخالفات التي سُطرت بحق رقم السيارة وصاحبها، ليتم إبلاغه بالمخالفة عبر البريد الالكتروني الشخصي.

واضاف ذبيان أنه "بعد شهر على اطلاق الموقع، أصبح لدينا 6 آلاف مشترك، والعدد في ارتفاع  مستمر"، مشدداً على "مجانية هذه الخدمة التي لن تقتصر على البريد الإلكتروني"، إذ سيصار لاحقاً إلى "إضافة رقم الهاتف لتبليغ المواطنين عبر رسالة هاتفية، ولاحقاً عبر فايسبوك".

وفي شأن الإختلاف بين موقع القوى الأمنية وموقع "أكلنا زبط" يؤكد ذبيان أن "موقع قوى الأمن يعرض المخالفات، لكن البحث عنها يتم يدوياً، وأكلنا زبط يقوم بمكننة هذا البحث وإخبار المواطن عن المخالفات بحقه في حال وجودها".

وعبر خدمة "احفظ السيارة" في الموقع، يتسنى للمواطن الإطلاع على كافة المخالفات التي تُسطر بحقه لاحقاً من دون الحاجة إلى الرجوع إلى الموقع، إذ يصار إلى البحث الدائم عن آخر المخالفات والتعديلات التي تطرأ على رقم السيارة، وتبليغ مالكها.

هذه التجربة ليست الأولى من نوعها لجهة المبادرات الخاصة التي تهدف الى تسليط الضوء على مكامن الخلل في عمل الدولة، اذ سبقتها حملة "كمشتك" التي تعنى بمراقبة مخالفات السير وتوثيقها بالصور والاحداثيات، بهدف مساعدة القوى الأمنية على معاقبة المخالفين.

واعتبر علي الغول، وهو أحد المسؤولين في الحملة، أنّها نشأت كـ"صرخة" أمام المعاناة التي يشهدها قطاع السير جرّاء المخالفات وغياب دور الدولة التنظيمي والرقابي. وتعمل هذه الحملة من خلال المتطوعين الموزعين على مختلف الأراضي اللبنانية، على تصوير وتوثيق مخالفات السير وارسالها مباشرة الى القوى الأمنية لاتخاذ التدابير اللازمة بحق مرتكبيها، بالاضافة الى وضع الملصقات الشفافة على زجاج السيارات المخالفة بهدف تعريف المخالف بـ"عار" ما ارتكبه.

واضاف الغول أن الحملة بدأت في العام 2012، مع عدد محدود من المتطوعين، الذين عملوا على توثيق المخالفات على مواقع التواصل الإجتماعي وأبرزها "فايسبوك"، مشيراً إلى أن "دخول القوى الأمنية إلى مواقع التواصل الاجتماعي، سهّل عمل الحملة، إذ أصبح بإمكان المواطنين توثيق المخالفات اليومية، وإرسالها مباشرة إلى القوى الأمنية لاتخاذ التدابير اللازمة".

وبشأن قانون السير الجديد، اعتبر الغول أنه يشكل رادعاً قوياً للحد من المخالفات، ولكن الإشكالية هي في "كيفية توظيف الغرامات الإضافية بما يخدم قطاع السير في لبنان". ودعا في هذا السياق، الى تخصيص جزء من هذه الأموال لوزارة الأشغال العامة بهدف تحسين حال الطرق، التي تعاني من انعدام الإنارة في أجزاء كبيرة منها، اضافة الى الحفريات التي تعدّ سبباً اساسياً للحوادث والمخالفات.

وساهمت هذه الحملة والحملات المشابهة، في توعية المواطنين على ضرورة التعاون والإنسجام بين المجتمع المدني والقوى الامنية، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك قرار المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، بمنع عناصر القوى الأمنية من استعمال الهواتف النقالة أثناء دوام العمل. وجاء هذا القرار نتيجة للصور التي أرسلها مواطنون وعناصر الحملة، لعناصر من قوى الأمن الداخلي يغفلون عن تنظيم السير، متلهين بهواتفهم، وفق الغول.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها