الثلاثاء 2014/11/25

آخر تحديث: 17:57 (بيروت)

أزمة المياه سياسية أكثر منها جيولوجية

الثلاثاء 2014/11/25
أزمة المياه سياسية أكثر منها جيولوجية
حلول أزمة المياه موجودة لكن القرار السياسي بتطبيقها غائب (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

علمتنا الكتب أن المناخ يختلف بين منطقة وأخرى، لكن هذا ليس أبدياً ثابتاً، إذ ان التغيرات المناخية في العالم لا تطبع منطقة بصفات محددة تبقى على حالها إلى الأبد. وإذا كانت الحركة هي الثابت الوحيد في الكون، فذلك يعني أن التغيرات المناخية أمر مفروغ منه، مما يستدعي البحث عن طرق لمواجهة تداعيات التغير المناخي، ومن بينها شح المياه الذي يسببه بشكل أساسي، إرتفاع درجات الحرارة وتقلص كمية المتساقطات، وتعززه سياسات التجاهل الرسمي، التي لا تبدي إهتماماً لطرق إستهلاك المياه، أو منع التعديات عليها- إن على مستوى المصادر مباشرة أو على مستوى المجاري- والتي تتم بمعظمها من قبل السياسيين أو عبرهم وبوساطتهم.

تتعارض المعلومات التي تشير إليها الدراسات العلمية حول وضع المياه في لبنان، مع طرق إدارة المياه. فعلى سبيل المثال، تشير الأختصاصية في مجال المياه والصرف الصحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، كلير كفوري، الى أنه "في منطقة بيروت وجبل لبنان هناك حوالي مليوني شخص، تصلهم المياه بمعدل 3 ساعات في النهار، وفي اغلب الأوقات نوعية هذه المياه غير جيدة. لذلك يعمدون الى شراء المياه، إما بواسطة الخزانات (سيتيرن) أو مياه العبوات". في حين ان طرق ادارة المياه من قبل السلطة السياسية، لم تنتج سوى سياسات تزيد من الأزمة، وتشجع هدر المياه وتلويثها، بهدف فتح الباب أمام عقد صفقات ذات ربح شخصي، عنوانها العريض إستيراد المياه وفتح الطريق أمام الشركات الخاصة لتسلم هذا القطاع. ويستدل على هذه الخطوة من الحديث الأخير الذي "هلّلت" له وزارة الطاقة والمياه منذ حوالي 4 أشهر، والمتمحور حول إستيراد المياه من تركيا، وتقديم تسهيلات لشركات المياه للقيام بالإستيراد والتوزيع للصهاريج، وقد توّجت هذه الخطوة يومها، بإعلان رئيس لجنة الطاقة والمياه النيابية النائب محمد قباني، عن قرار يعفي مستوردي المياه "من أي أعباء مثل الجمارك أو T.V.A".

السياسات الحكومية التي انتهجت أسلوب البحث عن مصلحة المحتكرين، تجاهلت وما زالت، جملة من الطروحات الإصلاحية التي قدّمتها نقابات وجمعيات أهلية تعنى بالشأن البيئي والزراعي، وليس آخرها ما أشار إليه رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك لـ "المدن"، من ضرورة "إعتماد سياسات مدروسة، ومنها تأمين شبكات ري حديثة للمزارعين، وحفر وتوسيع الآبار الإرتوازية الموجودة حالياً، إستناداً الى الخرائط والدراسات".

إضافة الى ذلك، دعت جمعية "غدي" البيئية، خلال مؤتمر صحافي عقد في نادي الصحافة في بيروت، الثلاثاء، للإعلان عن "الحملة الوطنية لمواجهة مشكلة المياه في لبنان"، الى تبني خطوات إنقاذية تقوم على "استحداث هيئة خاصة بملف المياه تضم سائر الوزارات المعنية، وممثلين عن القطاع الأهلي ومصالح المياه في المناطق، تناط بها رسم سياسة مائية"، فضلاً عن العمل على "إزالة التعديات عن الأملاك النهرية لحماية الأنهر من الملوثات". كما دعت الجمعية الى "مراقبة شركات تعبئة المياه، التي يزيد عددها عن 800 شركة، فيما المرخص منها لا يتعدى العشر شركات". لكن دعوة الجمعية الى اتخاذ مثل هذه التدابير، ترافقت مع تسليطها الضوء على ان مشكلة لبنان ليست في المياه، وإنما في "الفساد المستشري في مرافق الدولة. فأقصى إهتمامات المسؤولين في هذا المجال، يكاد يقتصر على بث إعلانات ترشد المواطنين الى كيفية الإقتصاد بالمياه، من دون البحث عن حلول علمية"، وفق ما أعلنه رئيس الجمعية فادي غانم.

تسليط الضوء على الفساد السياسي وإعتباره العائق الأهم أمام عملية الإصلاح في قطاع المياه، وغيره من القطاعات، يتعارض مع رؤية البنك الدولي بأن "ضعف قاعدة البيانات في لبنان يشكل عائقاً أمام إعداد التحليلات الإقتصادية، مما يؤثر سلباً على صناعة القرار". والمعلومة "الدولية" هذه لا يستسيغها الخبير الإقتصادي ايلي يشوعي، الذي أكّد لـ "المدن" ان المشكلة ليست بقاعدة البيانات والإحصاءات وغيرها، انما في "النموذج الإقتصادي المتبع في لبنان، والذي يقوم على القرارات الإرتجالية حيال أي قضية. فالنموذج الموجود حالياً لا مثيل له في كل دول العالم، فهو مزيج من الماركسية والليبرالية المتوحشة، ويختلف بحسب القطاعات، والمصالح". لذلك، فإن مشلكة التعامل مع ازمة المياه، "ليست بالمعلومات غير المتوفرة، وإنما بالسياسات المتّبعة". وفي السياق نفسه، دعا يشوعي وزير الصحة وائل ابو فاعور الى التركيز على مسألة المياه لأنها تمس حياة المواطن أكثر من مسألة الغذاء، "فالمواطن يشرب المياه كل يوم، لكنه لا يأكل الفروج كل يوم".

الى ذلك، فإن الممارسات اليومية للطبقة السياسية تجاه المسائل الإقتصادية الحياتية، وعلى رأسها المياه، تكشف ان صناعة القرار في لبنان لا تتأثر سوى بمراد صنّاع القرار أنفسهم. وللمفارقة، فإن الأزمات السياسية والأمنية التي يشهدها لبنان، لم يتأثر بها القطاع المصرفي اللبناني، بشهادة البنك الدولي الذي رأى بأن "صعوبة البيئة السياسية والأمنية أدت الى تعقيد عملية وضع القرارات على صعيد الإقتصاد الكلي، لكن القطاع المصرفي حافظ على صلابته". وذلك يؤشّر الى ان السلطة السياسية قررت الإهتمام بما يفيد مصلحتها على حساب الصالح العام، الذي يعتمد بشكل رئيسي على القطاعات المنتجة إقتصادياً، وعلى ما يلامس حياة المواطنين يومياً، تحديداً على صعيد الأكل والشرب والصحة والتعليم.

خلاصة القول، ان انتهاج سياسات تدير البلاد بما يتعارض مع أبسط قواعد العلم السياسي، والسير في نموذج إقتصادي لم يتأثر بالأزمة المالية العالمية، ليس بفعل قوته، بل بفعل انفصاله عن انظمة المنطق الإقتصادي في العالم، يؤسسان لديمومة حدوث الأزمات في لبنان، وأهمها أزمة المياه، لكن هذه المرّة ليس فقط ازمة صيفية، بل ازمة شتوية أيضاً، ويدعم ذلك، استمرار هدر مياه الأمطار واهمال معالجة تداخل مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي، وغيرها. اما الرأي العام اللبناني، فغائب كالعادة، الا في ما ندر، نظراً لإرتباطه بأهل السلطة، ان على شكل جماعات أو أحزاب، وفي حال وجود أصوات تغرد خارج السرب، فمصيرها سيكون بأحسن الأحوال، وصفاً كوصف النائب الممدد لنفسه رياض رحال لتجمع الحراك المدني أمام مجلس النواب رفضاً للتمديد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها