الأربعاء 2015/03/04

آخر تحديث: 15:50 (بيروت)

رائد ياسين: وُصفنا بالمجانين.. وعلاقة العرب بالموسيقى الالكترونية قديمة

الأربعاء 2015/03/04
رائد ياسين: وُصفنا بالمجانين.. وعلاقة العرب بالموسيقى الالكترونية قديمة
"لولا سوء استخدام التكنولوجيا، لما فُتح لنا هذا العالم من التركيبات الموسيقية الجديدة"
increase حجم الخط decrease
يُعتبر رائد ياسين من المساهمين الأوائل في تطوير المشهد الفني للموسيقى التجريبية في لبنان، حيث شارك في مشاريع مختلفة، منها فرقة "برائد" Praed المتخصصة في تفكيك الموسيقى الشعبية وفرقة "ملايين" و"A Trio"، بالإضافة الى عمله على مشاريع منفردة تتمحور حول تطور الذوق الموسيقي في العالم العربي.

يشارك ياسين في مهرجان "إرتجال" للموسيقى التجريبية منذ دورته الثانية العام 2002. وهو سيقدم ألبوم فرقة "برائد" الجديد في حفلة تقام في 14 آذار المقبل في بيروت في "مترو المدينة"، وفي القاهرة في 25 و26 والإسكندرية في 28 آذار/مارس الجاري.
وفي مناسبة الألبوم الجديد كان لـ"المدن" معه هذا الحوار:

* ما الذي دفعك إلى العمل في مجال الموسيقى الشعبية؟

- في حال نظرنا الى تطور الموسيقى الشعبية في مصر وسوريا مؤخراً، نجد أن هناك مسألة في غاية الأهمية هي التأثر بالتطور التكنولوجي. نرى أن دخول الكيبورد الى عالم الموسيقى الشعبية أدى الى الإستغناء عن أفراد الفرقة التقليدية والإستعاضة عنهم بالكيبورد الذي يصدر أصوات آلاتهم ويمزج بعضها مع بعض. هذا الخيار خفف من الأعباء المالية على منظّمي الحفلات وتحديداً الأعراس، التي تُعتبر المجال الرئيس لعمل الموسيقى الشعبية، وأخذ الانتاج الى أمكنة جديدة كلياً. وبرأيي أهم ما في هذا التطور هو سوء استخدام التكنولوجيا. ففي حال استُعملت هذه الآلات بالطريقة نفسها التي صنّعها بها الغرب، لما فُتح لنا هذا العالم من التركيبات الموسيقية الجديدة. 
وشهد العام 2011 إنفجاراً في الموسيقى الشعبية المصرية (موسيقى المهرجانات). صار من السهل على أي شخص أن ينزل الى الشارع ويغنّي ويعبّر عن رأيه بمنتهى الحرية وبتكلفة منخفضة جدّا. تحول المشهد نحو السوريالية المطلقة لثلاث سنوات متتالية. وهذا ما حفز الموسيقيين على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي و"يوتيوب" و"ساوند كلاود"، ما غيّر في آليات عمل السوق ليتحوّل المشهد الفني الى بيئة أكثر ديموقراطية.

* كيف بدأت فرقة "برائد"؟

- التقيت باد كونكا العام 2006 في مهرجان "إرتجال" للموسيقى التجريبية، وبعد فترة وجيزة أسسنا فرقة برائد Praed. بعد تجارب موسيقية "سينمائية" تتمحور حول الأفلام المصرية، توجه اهتمامنا نحو الموسيقى الشعبية. أضفنا إليها موسيقانا الخاصة التي تنقسم الى قسمين. الأول هو تأليف كلاسيكي معاصر معقد بطبيعته ويختلف عن أي نوع موسيقي تقليدي. والقسم الثاني مستوحى من الجاز الحر مع بسايكوديليك روك psychodelic rock. وطبعاً هذه التركيبة الصاخبة تحفّز على الرقص، فإيقاعاتها تحمل دفعاً كهربائياً يستمر طوال وقت العرض.

* كيف ساهمت شركة "النهاية" في الترويج لهذا النوع من الموسيقى؟

- ساهمت الشركة في تخليصنا من سطوة شركات الإنتاج الأخرى، ومن تحكمها في إنتاجنا، ما سمح لنا بهامش حرية أكبر. فليس من السهل أن تجد من ينتج لك هذا النوع من الموسيقى التجريبية خصوصاً مع قلة جمهوره حول العالم. أسستُ الشركة مع شريف صحناوي وحاتم إمام العام 2009. ويتمحور إنتاجها حول الفكرة نفسها، أي العمل على موسيقى سمعية جاهزة وتفكيكها وإعادة تركيبها. أنتجنا الى الآن 11 مشروعاً، تختلف جذرياً عن بعضها البعض، لكنها تجتمع على فكرة واحدة هي إعادة تركيب موسيقى البوب والموسيقى الشعبية حول العالم. أحد مشاريعنا على سبيل المثال، كان لفرقة أرجنتينية، أعادت تفكيك أغاني الفولك التراثية وتركيبها مع موسيقاهم الخاصة. كما تنتج الشركة مشروع "ملايين"، الذي أعمل عليه مع شربل الهبر وخالد ياسين، والذي يحاكي موسيقى الرقص الشرقي التي انتشرت في السبعينات مع موسيقيين أمثال عمر خورشيد ومجدي الحسيني وغيرهما.

* كيف بدأت العمل في مجال الموسيقى التجريبية؟

- كانت البداية مع فرقة A Trio مع مازن كرباج وشريف صحناوي. بدأنا العام 2002 تجربة ما زالت مستمرة الى الآن، أنتجت "لغة" خاصة بنا نحن الثلاثة، تتطور وتأخذ أشكالا مختلفة. كانت الفكرة في البداية هي تعديل عمل آلاتنا الموسيقية وتطويرها، ما غيّر من طبيعة الأصوات التي تنتجها. كل شخص منّا يلعب ضمن المجموعة، ويتكيّف مع الأصوات التي تنتجها كإيقاع ضمني بيننا. الآلات هي كونترباص، ترومبيت وآكويستيك غيتار. المشروع مستمر الى الآن، ويتطور من سنة الى أخرى.

* هل واجهتم صعوبات، خصوصاً مع المساحة المحدودة لهذا النوع الموسيقي في لبنان؟

- نعم بالطبع، وقد تعرّضنا لانتقادات واسعة، خصوصاً من موسيقيين مكرّسين في المجال الفني اللبناني، وقد وصفنا بالمجانين! لكن في الخارج كان الوضع مختلفاً، فالتواصل مع موسيقيين تجريبيين حول العالم سهّل علينا البداية، وقد أدى شريف صحناوي دوراً رئيساً في هذا. كان يعيش وقتها في باريس، وكان صلة وصل بيننا وبينهم، ما سهّل علينا التعرف اليهم والإرتجال معهم. ساهم مهرجان "إرتجال" للموسيقى التجريبة في تأمين التواصل مع مهرجانات في دول أخرى، ما أدى الى تبادل موسيقي بيننا وبينهم، وسمح لنا بتكريس تجاربنا في الخارج بعكس لبنان. لا أنكر أن البداية كانت "راديكالية" من ناحيتنا، فلم نقدّم أي تنازلات "صوتيّة"، فأبعدنا ربما قسماً من الجمهور، الذي ربّما لم يحب طرقنا في التجريب. لكننا نحاول استعادته الآن من خلال تقديم مشاهد تجريبية مختلفة ومتنوعة. لكن هذه البداية ساعدت غيرنا من الموسيقيين الذين أصبحوا أكثر راحة في أخذ تجاربهم الى حدودها القصوى.

* كيف ساهم عملك المنفرد في تغيير رؤيتك لتغير الذوق الموسيقي في العالم العربي؟

- أعمل كسولو ترنتايبلست solo turntables أو ما يسمى بلاعب الإسطوانات. تهتم أعمالي بتتبع تطور الذوق الموسيقي في المنطقة العربية وبعلاقة الموسيقى العربية والإلكترونية التي بدأت منذ زمن بعيد، فيفاجأ كثيرون عندما يعرفون أن هذه العلاقة بدأت في أربعينات القرن الماضي في راديو القاهرة مع مؤلف موسيقي اسمه حليم الضبع، الذي ألف أول قطعة إلكترو آكويستيك في العالم. لكن أحداً لم يكترث لتجربته، وذلك بسبب التغيرات التي شهدتها المنطقة من صعود حكم العسكر والقضايا الكبرى التي أبعدت الإستثمار عن الفن وأخذته الى أمكنة أخرى. سافر الضبع الى أميركا حيث أدى دوراً مهمّاً في تطوير الموسيقى الإلكترونية. لكن ما يثير إهتمامي في هذه التجربة هي علاقة تطور الموسيقى عامة والذوق الموسيقي خاصة في السياسة والإقتصاد. فللسياسة دور مهم في استبعاد أشخاص مثل الضبع، وفي المقابل أدت دوراً مهماً في تكريس عمالقة ذلك الزمن، مثل أم كلثوم وعبد الحليم وفيروز وغيرهم.
يمكننا النظر في هذا الموضوع في نطاق أصغر، إن درسنا تغير الذوق الموسيقي في لبنان مثلاً، خلال الحرب الأهلية. كانت هناك فروق كبيرة في الذوق الموسيقي بين شرق بيروت وغربها. وهذه الفروق يمكن إستعمالها لدراسة تأثير السياسة في الذوق الموسيقي في هذه المناطق. فالأغنية السياسية انتشرت في "بيروت الغربية"، وكان لها دور رئيس في تطوير شركات الإنتاج المدعومة من منظمات مثل "فتح" أو الحزب الشيوعي اللبناني. فالإستثمار الموسيقي في المنطقة الغربية كان سياسياً بامتياز وعلى علاقة وثيقة بالأحزاب. رأينا انتشاراً أوسع للآلات الشرقية في الفِرق الموسيقية في "الغربية"، مع انتشار محدود للجاز الذي تطور في وقت لاحق. أما في "بيروت الشرقية"، فكان الإنتاج أقرب الى موسيقى البوب مع وجود الروك والموسيقى الأقرب الى المزاج الغربي، وهذا ما انعكس في الأناشيد الحزبية لحزب "الكتائب اللبنانية" مثلاً، بعكس أناشيد الأحزاب في المنطقة الغربية. ففي النهاية هناك علاقة وثيقة بين الموسيقى والسياسة تنعكس بشكل مباشر في "شخصية المجتمع".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها