تصير الدولة كالأب الرمزي لمالوني بعد انتقاله إلى أحد مؤسساتها، وتعود عليها مهمة اصلاح الولد وتوجيهه، وهذا ما تفشل به حتما. فمالوني وبعدما قفز فينا الزمن 7 سنوات الى الأمام صار منحرفا وجانحا، تورط في أعمال ستؤدي به إلى السجن. ينتقم مالوني من كل شيء حوله. يترك المدرسة بعد ضربه أحد التلاميذ ويتسبب بأعمال شغب في الصف والحي. يبحث المراهق عن طرق لتفريغ تلك الطاقة المتفجرة لديه فيسرق سيارات لقيادتها بطريقة جنونية، ما يأخذه لاحقا الى المحكمة بعد رفع أحدى المتضررات منه دعوى قضائية عليه.
في مكتب المحكمة الذي تفرغه القاضية من كل الأداوات الحادة خوفا من أن يستخدمها الصبي ضدها، تبدو حائرة أمام هذا المراهق. فالقاضية نفسها كانت قد شهدت في المشهد الافتتاحي من الفيلم، على تخلي أمه عنه وعن ما يبدو أنه شكل عاملا أساسيا في تحوّله الى الجنوح والعنف. تضع القاضية لمالوني مرشدين اجتماعيين لمساعدته على تحسين سلوكه، لكن هذا لا ينفع في تغييره. يضعنا الفيلم أمام عبثية الأدوات التي تتبعها الدولة ممثلة في القاضية في هذا الإصلاح، وربما أمام نتائجها التي تتحول مع الوقت لتنقلب عليها. ففشل النظام الإصلاحي والإجتماعي في تغيير الصبي، يضعها في موقع ملتبس وتصير بعد ادخاله الإصلاحية عدة مرات، مجبرة على ادخاله السجن كأنها تعاقب ابنها الذي فشلت في تربيته. ويدفع مالوني بعد دخوله السجن، ثمن فشل الدولة ومؤسساتها ويلتقي هناك بآخرين يدفعون ربما الثمن نفسه لكن كل بطريقة مختلفة عن الآخر.
لا ينتهي الفيلم هنا، لكنه يقدم حلاً لتغيير الصبي واصلاحه. يلتقي مالوني في الإصلاحية بفتاة هي ابنة أحد معلماته. هناك تعلّمه الفتاة كيف يحب فيتماهى مع تلك العاطفة أكثر لتصبح بطريقة أو بأخرى أداة تهذيب وتغيير لشخصيته. بعد الحب تتراجع نوبات غضبه تدريجيا كما أنه يبدي قابلية أكثر على التعلم. في أحد صفوف الإصلاحية التي تشرف عليها طبيبة مختصة في إعادة الثقة بالنفس للمراهقين، يواجه مالوني الموقف نفسه لكن الآن عن طريق الطبيبة التي تقوم بجلسة مساج وتوشوش له خلالها، كلمات دافئة تعيد احساس الصبي بنفسه. في ذلك الكلام الدافئ الذي يسمعه من صوت منخفض وفي مكان شبه مظلم، تصير المرأة كأنها تتحدث الى ذلك الطفل الذي كانه مالوني في بداية الفيلم وما يعيده ربما أكثر الى صوابه.
يغير الحب وجلسة المسج للصبي من مسار الفيلم ليتحول مالوني بعدها الى شخص جديد. يصير التقاءه بفتاة عن طريق الصدفة أحد حلول مشكلته. وهذا ما لم يكن ليحصل في السابق بسبب وجوده الدائم في الاصلاحية او في السجن مع ذكور جانحين فقط، ما يضعه في موقع قاسٍ حتما يكون عليه التماهي مع رفاقه بدل التماهي مع العاطفة الأنثوية التي فهمنا لاحقا أنها كانت عاملا أساسيا في تغييره. كما أن الحل الآخر كان دخوله أحد الصفوف في الإصلاحية التي ساهمت بشكل أساسي في إعادة احساسه بذاته والتي كان لها الأثر الأكبر في تحويله الى شخص آخر. يتضافر في الفيلم عمل القدر مع عمل مؤسسات الدولة ليقدما حلا جزئيا ربما لمشكلة بدت للحظة عصية عن الحل، وهي في مكان آخر وفي بلدان أخرى ما زالت عصيّة وتعيد انتاج نفسها باستمرار يوميا مع شباب آخرين.
(*) يعرض حالياً في سينما ميتروبوليس، وكان افتتح المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" في أيار الفائت.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها