الثلاثاء 2014/07/29

آخر تحديث: 13:22 (بيروت)

رسالة إلى هاني درويش

الثلاثاء 2014/07/29
رسالة إلى هاني درويش
مرّت سنة على رحيل الكاتب والصحافي المصري من أسرة "المدن"، هاني درويش
increase حجم الخط decrease

صباح الخير يا مان.. واحشني يا شقيق
أعرف أنك لست في حاجة إلى ما سأقوله الآن، أعرف أنك تعرف كل شيء. لكنّه الحزن يا صديقي، الحزن وخيبة الأمل.
لكن اطمئن، لم يتغيّر الكثير هنا يا هاني..
سارت الأمور – في أغلبها – إلى الأسوأ
غزّة تدكُّ يومياً بصواريخ إسرائيل، واجتياح برّي خلّف ورائه مئات القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ. كنّا مشغولين بكأس العالم يا صديقي، وأنت تعرفنا جيّداً، نحن أمّة تدوّخها الكرة. وبالفصحى إن أحببت: "أخذونا على حين غرة"، غافلونا ونحن نشاهد ساحرك الجميل ليونيل ميسي وهو يتهاوي ولا يفعل شيئاً، آه والله، ضربوا غزّة في شهر رمضان ونحن مجتمعون أمام شاشات التلفزيونات نشاهد مبارايات كأس العالم، أولاد الأفاعي، وكالعادة، تبارينا في الشجب والإدانة.

لك أن تطمئن يا صديقي، فلم يتغيّر الكثير هنا يا هاني
سارت الأمور – في أغلبها – إلى الأسوأ
سوريا؟ سوريا بخير يا صديقي، لا تقلق، بشّار الأسد فاز في الانتخابات بغالبية ساحقة، طبيب العيون الذي يقود إبادة جماعية لشعبه ليجلس على عرش من طلل. وتفرّقت المعارضة، تشتّت، صارت ألوية إسلامية متشدّدة يحارب بعضها بعضاً، ويخوّن بعضها بعضاً. السياسة يا صديقي، وما أدراك ما السياسة، الخناجر الجاهزة للطّعن في الظهر، وأصحاب النفوذ والسماسرة، الشّبّيحة المثقفون والمثقفون الشّبّيحة، حلب والرقة وحمص مواقع دائمة على خريطة المجزرة. لا تقلق، نحن بخير، واللاجئون السوريون بخير، يرسلون إليك السلام من مخيّماتهم في الأردن ولبنان، ومن قلب طوابير وقوفهم أمام سفارات بلدان الدول العربية التي ترفض دخولهم،
ودول أوروبا التي تقنّن دخولهم.

لم يتغيّر الكثير هنا يا هاني
سارت الأمور – في أغلبها – إلى الأسوأ
اطمئن، "داعش" اشتد عودُها، واحتلت الموصل، هل تصدق؟! طردوا المسيحيين من الموصل لإقامة دولة الحدود الإسلامية، أكبر مدينة عربية تضم مسيحيّين في العالم العربي (سامحني، أخطأت وقلت العالم العربي)، أقصد في الشرق الأوسط (دعنا من الشرق الأوسط)، أكبر مدينة تضم مسيحيين في ما كان يعرف قديماً باسم العالم العربي، يطرد منها مسيحيّوها البالغ تعدادهم 25 ألفاً، بأمر أمير المؤمنين الخليفة إبراهيم، زعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، آآآه والنعمة!

لم يتغيّر الكثير هنا يا هاني
سارت الأمور – في أغلبها – إلى الأسوأ
تونس؟ لا تقلق يا صاحبي، لك أن تفرح لأنك زرت تونس قبل أن يصل العنف المسلح إلى جنوبها آتياً من جارتها الجزائر. في النهاية تبقى تونس أفضل من غيرها، أفضل من جارتها ليبيا حيث أصبح لكل قبيلة ميليشياتها المسلحة. قبل أيام قصفوا مطار طرابلس ودمروا 90% من الطائرات الرابضة فيه يا صديقي، هل تفهم شيئاً الآن؟! حكيت لي من قبل عن أيامك الحلوة في بيروت، يا بختك، لكن سيبك انت، احنا في برلين يا مان، هيّص وارقص وانبسط، أتسمع ما يقوله سمير: "ملعون أبو الدنيا"، هي كده يا جدع، إضربها صرمة، وبكرة تروق وتتعدّل، آه والله، بكرة تروق وتتعدّل.

لم يتغيّر الكثير هنا يا هاني
سارت الأمور – في أغلبها – إلى الأسوأ
ومصر بخير، بخير جداً، بعد ثورة 25 يناير، ها نحن نجني ثمار ثورتنا، حكومة شابة، وقيادات مدنيّة، وعجلة صناعيّة تدور بلا توقّف، السياحة تحسّنت كثيراً، لدرجة تفوّقنا فيها على دول منافسة كثيرة مثل تركيا واليونان والمغرب وتونس، عندنا ثلث آثار العالم، هو إحنا شوية! وزاد الدعم على البضائع الأساسية، كيلو اللحمة بجنيه في التموين يا باشا، والزيت والسكر مجاناً، ودحرنا الإخوان، لكن الإرهاب شغّال من وقت إلى آخر!

لم يتغيّر الكثير هنا يا هاني
سارت الأمور – في أغلبها – إلى الأسوأ
بعد ابتعادي ثلاث سنوات عن "فايسبوك"، عملت بنصيحتك وفتحت حساباً جديداً، لكني لست قادراً يا مان، أختنق، رائحة عفن تزكم أنفي كلما فتحت فايسبوك وقرأت تخاريف المخرفين، رائحة شيء نتن، هذه آخرة من يأخذ بنصيحتك!

بيني وبينك، لا أفهم لماذا فعلتَها. ألم نكن سوية في برلين، وكنت زي الفل يا جدع؟ ماذا حصل؟!
أنت اختفيت، ولم تعد لديّ رغبة في التواصل مع أحد، موتك كسرني، كسرنا جميعاً يا هاني، وها قد مرت سنة، كل هذه سنة؟!
كنا في شوارع برلين، نسير ونتحدث، حين سألتني فجأة: "لو مت هتكتب قصيدة وتهديها لي يا مان"؟ حينها ضحكت وقلت لك: "بس أنت موت وأنت تشوف"، وضحكنا. وها أنت تضحك عليّ، وتموت، لأكتشف أن أي قصيدة لا ترثيك يا هاني. تصبح الكلمات بلا معنى حين تكتب عن شخص مثلك. لكنها الكلمات يا صديقي. الكلمات التي تكتب حين يعتصرنا الحزن، الحزن وخيبة الأمل:
"حتى إذا متَّ
هللوا لموتكَ
شيَّعوكَ بالمراثي المدبّجة
وأهالوا التراب
عليكْ".


(*) تصادف اليوم 29 تموز/يوليو ذكرى مرور سنة على رحيل الكاتب والصحافي المصري من أسرة "المدن"، هاني درويش، ويُتوقع قريباً صدور كتب عدة في القاهرة تجمع مقالاته ونصوصه في السياسة والثقافة. 

increase حجم الخط decrease