الأربعاء 2015/07/29

آخر تحديث: 13:08 (بيروت)

"حب وحرب ع السطح": مسرحية تضحك على مسرحية

الأربعاء 2015/07/29
"حب وحرب ع السطح": مسرحية تضحك على مسرحية
ثمة مسرحة للمسرح، حيث الممثلون يؤدون دور الممثلين، ويقدمون قصتهم بالتمرن عليها.
increase حجم الخط decrease
يصعب على مُشاهد مسرحية "حب وحرب ع السطح"، التي أنتجتها جمعية "مارش" برئاسة ليا بارود، وأخرجها لوسيان بورجيلي بمساعدة فرح الشاعر، أن يختزلها في المُعْلن عنها، وفي اعتبارها مجرد عرض فني بين شباب منطقتي "جبل محسن" و"باب التبانة"، غايته استبدال التحارب العصبي، الطائفي بينهم، بالتحاب الكلي، الوطني.

فإختزال العمل بدورانه حول "رسالة" بعينها يلجم جوانب أخرى منه، حيث يبرز الممثلون على سجايا متروكة خارج "واقع" الإقتتال أو عكسه. وقد أُنتج هذا الترك على إثر تضمين المسرحية مسرحية أخرى عن "علي وعائشة" (علي وفاطمة)، العلوي والسنية، وبينهما عمر (سمير)، صديق الأول وشقيق الثانية، بالفضل عن خديجة (حفيظة) وزوز (ذو الفقار) وأحمد وغيرهم.

إذ ثمة مسرحة للمسرح، حيث الممثلين يؤدون أدوار الممثلين، ويقدمون قصصهم بالتمرن عليها. بالتالي، تمثيل المُمَثَل، يجعل من العرض مجموعة متناسقة من العثرات الإقتدارية، ومساواة التقديم بالتدرب، يذهب به إلى تهكمية مجدية، تصيب تظهير "الحب" درءاً لـ"الحرب"، وتبقي على "سطحها"، الذي جهد الشباب وبرعوا في تسيير المشاهدين عليه. كما لو أنه سبيل يتعدى أحوالهم بدون أن يأخذها على محمل جامد أو وعظي، رغماً عن غنائيته أو إنشاده الوحدة والأخوة.

على هذا النحو، يجري تعدي التحارب بالتحاب، ثم، عبر الضحك عليهما في نتيجة تعثر تمثيلهما، الذي يديره مخرجٌ عجول (خضر)، محاولاً تحويل "روميو وجولييت" إلى قصة طرابلسية، تقاوم التخندق والتجابه. استعجال المخرج وبطء الممثلين يؤديان إلى لخبطات ساخرة، من خلالها، تظهر الشخصيات كأنها وصلت إلى مسرحيتها بعد طول عناء وبطالة، وبعد طول بحثٍ عن فرصتها. لكن، ذلك لا يعني أن الممثلين يتمسكون بأدوارهم، بل، على العكس، غالباً ما يتفلتون منها، ولا يمتثلون لأمر المخرج وإلحاحه، فيظل كل واحد منهم على سجيته، التي قد تبدو معارضة لـ"رسالة" المُمشهدة.

في هذه الجهة، ممثلة دور "عائشة" تمتنع عن التعاون مع ممثل دور "علي"، الذي كان قد حل مكان ممثل آخر غيره (حسن بدور كريم). ففي المسرحية الجوانية، وبعيداً من التمثيل، ينقلب الحب، لا إلى كره، بل إلى شعور بالتوتر، نتيجة عدم إرتياح الممثلة مع الممثل. لا يبدو أن الدافع إلى ذلك عصبياً، لكنه يعري "رسالة" العرض، ويسخر منها، كأن التحاب مجرد تمثيل، وهو لا يزيل التحارب، كما لا يبالي به. فما يرغب الشباب فيه هو الإنوجاد عبر عملهم، الذي يسعى أحد الصحافيين-الأمنيين (إيهاب) إلى إعاقته بطرح أسئلته التحقيقية-الرقابية. شباب جبل محسن وباب التبانة قاوموا حربهم بالضحك على حبهم، وأتوا على "رسالة" فعلهم هذا بالعكس منها.

ففي المسرحية الجوانية، هم لا يحبون ولا يكرهون بعضهم البعض، أما، في المسرحية نفسها، فقد تعاونوا، وتآزروا من أجل يجتازوا الحد التنميطي الحاضر بينهم. "علي وعائشة" تغاير "حب وحرب ع السطح"، وتكاد تنقدها بالكامل بالسخرية منها، خصوصاً مع وجود شخصيتين فيها، وهما زوزو بنُطقه غير المفهوم، وواحد من الشباب (علاء)، الذي يبحث عن دور له. فالأول، يؤدي "الرسالة الوطنية" بلسان متلكئ، فيفخخها باللامعنى، ويلفظها كلغوٍ. والثاني، يبحث عن موقع له في مشهدها، يطلبه من المخرج ولا يحظى به، لأنه، على الأغلب، لم ينتقل من التحارب إلى تمثيل التحاب. لذا، فالمسرحتيان تنتهيان بشخصيته الأكثر إحاطة بـ"السطح"، لدرجة خروجها من كل نواحيه ومن تحته.

بعد ذلك، يكاد كل من زوزو وشخصية من لا دور له، يحلان كبطليّ المسرحيتين، لأن لا مجال لتحديدهما، عبر الفهم أو التموقع، أو تصنيفهما على "سطح" العصبية أو الوطنية.  بطلان يعطلان النطق وتمثيله، التنابذ والتدامج، التقنيص والتضحية، وينوجدان من دون أن يتكلما عن نفسهما والآخرين. من الضحك إلى اللانطق، من تمثيل الممثل إلى اللاتمثيل، ومن العمل إلى الصداقة، بهذه الطريقة، تخلي الرسالة مسرحها، فيُشرع على غيرها.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها