السبت 2015/11/28

آخر تحديث: 11:50 (بيروت)

يوسف بزي لـ"المدن": من عيوبنا قوة حضور الشعر

السبت 2015/11/28
يوسف بزي لـ"المدن": من عيوبنا قوة حضور الشعر
الحب موجود بقوة في شعري، لكن لغة الحب بمعناها المعروف في الشعر الغزلي العربي ليست موجودة
increase حجم الخط decrease
يوقّع الشاعر يوسف بزي ديوانه "في فم الغراب"، في 4 كانون الأول في معرض الكتاب، هذا الديوان المؤلف من مجموعة قصائد كتبت خلال السنوات العشر الماضية، يعبّر عن مشهدنا اليومي والعام، بلغة ساخطة حادة غرائبية "سريالية"، هي انعكاس لواقعنا التشاؤمي القاسي والمرير... وكان لـ"المدن" مع بزي الحوار التالي:


- لنبدأ من التعليق الذي كتبته في حسابك الفايسبوكي، وهو التردد واللايقين في نشر الشعر، هل فقدت الجدوى من هذا الجنس الأدبي، ولم يعد يعني لك، ما السبب المباشر للتردد في النشر؟

* اجمالاً، أمضيت نحو عقد من الزمن في علاقة متقطعة مع الشعر، أشبه بزغل وانقطاع وقلة ودّ. لم يشجعني ما يصدر وما ينتج من الشعر على العودة إليه. شعرت لمدة طويلة ان مأزق كتابة الشعر مأزق عمومي، كأن الاندفاعة التي اخذتنا إلى الشعر لأكثر من عقدين، قد نفدت طاقتها، وبدا الشعر أقل جدوى واغراء، خصوصاً ان النثر ازدهر وكان اكثر اغراء وجرأة وجاذبية، وله اثره في المقروئية. ازدهرت الرواية، وبدا الشعر كأنه يتقاضم، وكأن الذائقة الشعرية تنتمي الى زمن يأفل، شعرت أني أخسر الشعر ولم يخسرني، والشعر لا يخسر احداً، هذا بالضبط من الناحية الشكلية والأدبية.

- هل يمكن القول أن مشكلة الشعر باتت ترتبط بطريقة استسهال كتابته؟

* ليس الاستسهال تحديداً، لكن معنى أن تكتب الشعر، خسر الكثير من تعريفه، خصوصاً ان عالم الشعر وعالم الشعراء والقصيدة العربية، فضاء متعال، فضاء مستغلق على نفسه، يعاني من صلة او علاقة أو رابط بذاكرة اللغة وقوتها وحضورها، ثمة وعيّ، اصطلاحاً ايديولوجي، كان يبدو لي الشعر كأنه مادة متحفية أو مادة ارشيفية، في زمن كنت بدأت فيه اعود الى ارتباط بالوقائع والنثر اليومي والسياسة اليومية، وهذا ما جعلني أتحرج من نخبوية المزاج الشعري ومن شعور باصطناع حياة شعرية.

- في الفترة التي انقطعت فيها عن نشر الشعر كنت مرتبطاً بالشأن السياسي وحتى قصيدتك تبدو سياسية؟

* جزء من معضلتي مع الشعر، هو استجابة لكل مشاعري التي سردتها سلفًا. في علاقتي مع القصيدة، بدأت أبحث او أفكر بسؤال، كيف يمكن ابتكار نص شعري يستجيب للتحولات في وعيّ الشخصي وفي الواقع اليومي، كيف يمكن استعادة شعر لا يخون عبارة اليوم وحساسيته؟ بمعنى آخر، حاولت البحث عن صيغة لشعر "سياسي"، لكن لا صلة له بمعرفتنا بالقصيدة السياسية التي راجت في الستينات والسبعينات...

- كانت تسمى قصيدة ثورية..

* لنقل قصيدة لا علاقة لها بما كان يسمى "أدب الالتزام"، شرعية هذه القصيدة بالمعنى النظري، كانت مؤرقة بالنسبة لي، وهذا جزء من ترددي وقلة انتاجي، على مدى السنوات الماضية.

- لماذا الآن بالذات، العودة الى الشعر؟

* اندفاعة العام 2005 وما تلاها من حوادث كبرى في لبنان، ثم خفوتها في داخلي، عادت واشتعلت مع اندفاعة 2011 في المشهد العربي ككل. ومن دون أي ادعاءات تتجاوز ذاتي، شعرت ان ما فكرت به منذ العام 2005  وما تلاها ينص على صلة بالواقع السياسي، والحساسية السياسية، بدا أنه يحمل الكثير من الصوابية مع مجيء العام 2011 وما تلاها، كما أن القصائد التي جمعت في هذا الكتاب، منها ما هو عام وما هو شخصي، ومنها ما هو مكاني، أين أحيا وكيف أحيا؟ أي القصيدة اليومية، وفي الوقت نفسه القصيدة التي لها خطاب عام وسياسي. والديوان على الرغم من تباعد قصائده لناحية التواريخ، لكني كتبتُ كل قصيدة منه وأنا أفكر بالتي قبلها، أي أكتب بفكرة وحدة موضوعية للديوان...

- ألا تلاحظ أن معظم كتبك بالوتيرة نفسها؟ عادة كتب الشعراء تقوم على محاولة جذب الآخر، ان من خلال حب امرأة أو حب جمهور... أنت لديك شيء من النبذ والنفور والانشقاق في قصيدتك؟

* إذا أردت أن أعدّل في وصفك، فأنا اكتب قصيدة لا تخلو من السخط، لا تخلو من غضب واحتجاج وتشاؤم، وهو تشاؤم وجودي يحتوي شيئاً من الذكاء، أو الفهم للطبيعية البشرية.
قصيدتي لا تخلو من معاينة العنف والقسوة، لا نستطيع ان نكون مغتربين عن حقيقتنا، نحن من سكان الشرق الأوسط، عمري 45 سنة، على الاقل عشت منها 40 عاماً في حروب متصلة، وعلى هذا طلب قصيدة سكرية ومعسولة ورومنسية، مني شخصياً، اعتبره مطلباً اعتباطياً..

- الا تحب في حياتك...

* جداً، الحب موجود بقوة في شعري، لكن لغة الحب بمعناها المعروف في الشعر الغزلي العربي ليست موجودة، وشعري قائم على الحب من دون غزل، في كل قصيدة أكتبها هناك حزن على أناس يتعرضون للقتل مثلاً، أو ثمة خوف على مستقبل ابني، وثمة عالم وإن كان معتما، كله حميم وخاص بيني وبين زوجتي، وهي حب حياتي. في شعري حب للناس ومصائرهم، وتمجيد لألمهم، وكل ما اكتبه لا يحمل دعوة للبهجة...

- لفتني اختيارك لعناوين كتبك، دائماً فيها لحظة حاسمة، سخطية، "فلاشية"، من "المرقط" إلى "رغبات قوية كأسناننا" و"تحت المطرقة" و"بلا مغفرة" و"في فم الغارب"؟

* عبارة أني اكتب بالشفرة أكثر مما اكتب بالقلم، محبذة بالنسبة لي. اكتب بقسوة، وهذا تقليد اتبعه، استطيع القول أني اطمح لشاعرية ضد الشعر، لشاعرية خالية من الشعر، لشعر مضاد. هذا طموح كمشروع شخصي لكتابة الشعر، والادعاء كيف نكتب بحزن وكثافة وباختصار وبمحاولة الاصابة المباشرة للمعنى.

- أيضاً اخترت عنواناً لديوانك الجديد "في فم الغراب"، هذا الطائر الأكثر حضوراً في قصائد الشعراء السوادويين وغيرهم، من تيد هيوز الى إدغار آلن بو، والشعراء العرب؟

* الغراب والبومة محبذات لدى الفلاسفة والأدباء، ومن دون نفي للمعنى أو القصد الذي تقوله، بكل بساطة تم اختيار العنوان بالصدفة وبمساعدة من صديقي الشاعر يحيى جابر. عادة ما استشير بعض الاصدقاء وزوجتي، ونتعاون على اختيار عنوان للكتب التي اصدرها. هذه المرة كان الديوان مخطوطة وكنت في المقهى حين عرضته على يحيى جابر، فوقع اختياره على عبارة وردت في قصيدة، قال لي "هذه العبارة حلوة" (أقصد في فم الغراب)، قلت له هذا هو العنوان. ومعظم عناوين كتبي ليست من اختياري الشخصي. ولست غافلاً عن المعنى الذي تقصده، فالغراب طائر غامض وذكي، وطائر شؤم وموت...

- بالعودة الى النثر، الكثير من الشعراء لجأوا الى  كتابة الرواية، أنت اصدرت كتاباً نثرياً لكنه ليس رواية، وهو "نظر إليّ ياسر عرفات وابتسم"، كيف كان شعورك تجاهه وهو فعلياً حظى بصدى اكثر من كتبك الشعرية، وترجم الى أكثر من لغة، هل العنوان كان الاساس أم الفكرة أم التجربة؟

* كبرياء الشاعر يحصّنه من أي مأزق تجاه الأنواع الادبية الاخرى، هذا الكبرياء قد يكون ادعاء. شخصياً ليس لدي أي طموح او توهم اني قد أكون روائيا يوماً ما، مع أني أقرأ الروايات أكتر من الشعر.. كتاب "نظر اليّ ياسر غرفات وابتسم"، لم يكن مشروع كتاب بالمعنى المعتاد، هو أشبه بمشروع فني وجزء من المهرجان الذي تقيمه "اشكال ألوان"، وهي تطبع بعض الكتب بطبعات محدودة. تم الاتفاق معي على أن أقدم فكرة محددة، فخطر لي أن اقدم جزءاً من سيرتي او يوميات مقاتل، كأنها عمل تجهيزي او منشور يناسب مهرجاناً... لذلك هذا الكتاب لم يصدر عن دار نشر، بل عن مؤسسة مسؤولة عن مهرجان ثقافي، والكتاب حين خرج مني بدأ حياته الخاصة، واستقل عني، وبدأ يعتني بنفسه، وأخذني الى مطارح لم أكن اتخيلها... لم يغرني نجاح الكتاب لأكتب الرواية... رغم مشروعية أن الكثير من الشعراء يكتبون الرواية، لأنها اليوم أكثر انتشاراً ومقروئية، والأكثر تقديراً من حيث المقدرة والبروز والحضور، من دون أن ننسى إغراء الجوائز.. صورة الشاعر العربي باهتة وكاريكاتورية وتنتمي الى ماضي الثقافة العربية القريب والبعيد، بينما شخصية الروائي العربي، شخصية معاصرة قابلة للعولمة والتداول.. عدا عن إغراء فن الرواية بحد ذاته، الشعراء وانا منهم، نعتبر ان القصيدة ضيقة، والعالم يزداد اتساعاً، والتفكير الحر وسع مساحة مجال الكتابة، الشعر لا يتحملها، الرواية تتحملها، التجديد والتجريب يتمان الآن في الرواية وليس في الشعر، لذلك بات مفهوماً ان يتجه الشعراء الى فن الرواية.
للأسف معظم الشعراء الذين كتبوا روايات، طغت عليهم سمة الشاعر الذي يكتب رواية، ولم يحصّل لقب الروائي، وهذا سرّ. وتم التعاطي مع رواياتهم بوصفها تجارب روائية من شاعر، اكثر مما هي رواية منجزة، وهذا أضعه للتساؤل أمام الروائيين النقاد.

- هل من الممكن إيجاد طريقة لتطوير الشعر خارج إطار التقليد، سواء بطريقة بصرية أو ما شابه؟

* الشعر ملازم لتاريخ البشر منذ بداية اللغة. الشعر بمعناه هنا، سواء كان أغنية أو مقطوعة رعوية، أو نصاً مكتوباً أو ملحمة - وهذا شكل قابل للحياة وسيبقى - هذا الشعر نادر، صعب، حياته ليست مباشرة في القراءة، بل في أثر وجوه، ما يتركه من اثر في الذاكرة العامة وفي اللغة. الشعر العربي في اعتقادي، تغيّر وتعرض لتحولات مع الحداثة من مطلع الخمسينات إلى اليوم، شهد تنوعاً هائلاً في الأسلوب والشكل واللغة والجمالية، نحن من الامم القليلة حيث تداول الشعر ملحوظ، في فرنسا أشهر الشعراء لا يطبعون ألف نسخة، ومن النادر ان يحظوا بدور نشر معتبرة، دور النشر المحترمة تلجأ الى طباعة الآثار الشعرية وليس الشعر الجديد. الشعر العربي له منافذه، حياته ما بعد كتاباته، ما بعد صدوره، في لغة وخيال الأدب العام.
يعني أن الشعر مؤثر في السيناريست الذي يكتب مسلسلا تلفزيونيا، وفي النظرة إلى السينما، وفي اللغة اليومية التي يستعملها الناس، ويتحول الى مثالات.. الشعر يستعمل في المقال الصحافي ويتسرب الى اللغة السياسية. الشعر حياته ليست في القصيدة، بل ما بعدها، الى اين يتسرب مفعولها...
بهذا المعنى الشعر العربي مؤثر، واصلاً من عيوب العالم العربي هو حضور الشعر بهذا القدر، سواء في الخيال السياسي، وهذا بمعنى ما طموح للفاشية، الدكتاتورية كلها مشروع شاعري، اليوتوبيا الأصولية، سواء كانت دينية ام أيديولوجية، هي يوتيوبيا شاعرية، فمن عيوبنا قوة حضور الشعر.

- في نصك ثمة حضور للصورة للسريالية، بعيداً من التعريف النمطي لهذا المفهوم أو هذه الكلمة؟

* الكتابة السريالية هي تعريفاً تعني: كتابة آلية، كتابة اللاوعي. الغرائبية التي تتشابه مع السريالية الموجودة في شعري، ربما لأن وقائعنا تفوق الغرائبيات والسرياليات، وبصعوبة نحاول مجاراة الغرائبية المحيطة بنا وتغلفنا، اللامنطق الذي يترجم نفسه في غرائبية اللغة، هو أمانة للواقع ولإيقاع حياتنا، نحن في واقعنا تجاوزنا التطرفات السريالية.

- السينما ما زالت تحضر في قصيدتك، التي تشبه المونتاج السينمائي؟

* هذه "تهمة" قديمة، أحبها... طموحي مع الكثير من الشعراء اللبنانيين والعرب، كتابة قصيدة تجاري قوة السينما في اسلوبها وتقنياتها. في ديواني "تحت المطرقة"، عن وعي حاولت كتابة قصيدة مطابقة في الإيقاع والمونتاج لفن الفيديو كليب، أو الصور المتجاورة والمتناقرة، المتباعدة والمتجاورة. هذا التكنيك يظهر بسهولة في فن الفيديو كليب (الغربي)، وهذا مغرٍ جدا، وكان أحد وسائل تطوير قصيدتنا في التسعينات، واحدى ميزاتها للابتعاد عن الغنائية العربية التقليدية، ان نلجأ الى ذائقتنا السينمائية كأداة في ايجاد ايقاع ولغة وطريقة في نسج مادة القصيدة نفسها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها