الجمعة 2014/10/03

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

شريف مجدلاني عاشق "بيروت اللغات"

الجمعة 2014/10/03
شريف مجدلاني عاشق "بيروت اللغات"
شريف مجدلاني مؤسس "بيت الكتّاب الدولي" في بيروت
increase حجم الخط decrease

للحديث عن "كتّاب بين ضفتين"، اختار الروائي اللبناني الفرانكوفوني، شريف مجدلاني، للقائنا، أحد مقاهي بدارو، تلك المنطقة المحتفظة بهدوئها في بيروت، وهي تشبه بذلك مجدلاني نفسه، عاشق المدينة الذي يكتب عنها معظم روايته برصانة، مستلهماً تاريخ بعض الأحياء والشخصيات من حكايات واقعية يعرفها أو سمعها.

تعرَّفتُ إليه من خلال "البيت الكبير"، رواية جديرة حظيت باهتمام الأوساط الفرنسية وتُرجمت إلى العربية، لكنها لم تُوزع بشكل جيد، فظُلمت إلى حد ما. حتى روايته الأخيرة "المرصد"، لم تُترجم إلى العربية بسبب مماطلة إحدى دور النشر.

لم أجتمع بمجدلاني سابقاً، لكن، ومن اللقاء الأول، بدا لي كأني أعرفه منذ زمن بعيد. ربما لأني قرأت روايته أولاً. وثانياً، بسبب شخصيته الدمثة الودودة وخلقه الفريد وتواضعه في زمن "التشبيح الثقافي"، فضلاً عن نشاطه الواسع بين التدريس الجامعي والكتابة وتنظيم الندوات واللقاءات ومتابعة الحركة الأدبية في العالم متناولاً أبرز أسمائها وظواهرها.

التقينا للحديث عن أحد نشاطاته، إطلاق ندوات "بيت الكتّاب الدولي"، وهو فكرة غربية استلهمها مجدلاني لـ"بيروت ملتقى الهويات واللغات والأدب"، لينتج ما يمكن تسميته "التثاقف"، أو لتتحوّل بيروت "مفتوحة على العالم". ويقدم المشروع، بدءاً من مساء اليوم، نشاطه الجديد بعنوان "كتّاب بين ضفتين".

زُرعت بذرة مشروع "البيت"، العام 2009، بعد ندوات "مسّاحو المدن"، المؤتمر الذي عقد ضمن أنشطة "بيروت عاصمة عالمية للكتاب". يومها أطلق مجدلاني مشروعه "التثاقفي" اللافت على أساس أن كل ما نُظّم ضمن "بيروت عاصمة عالمية للكتّاب" كان يُفترض أن يدوم ويؤسس لأنشطة أخرى. لكن لم يتبق من ذلك كله سوى الأوهام، وفاحت روائح فساد من هنا وهناك... وغلب على الكثير من المشاريع الثقافية الرسمية، المنطق التنفيعي، ولم تثمر موجة "بيروت عاصمة عالمية" أي أفق يمكن الإثناء عليه.

لم تمنع العقبات المادية شريف مجدلاني من الحلم أو الطموح. شَعَر، من منطلق حبه لبيروت والأدب وتلاقي الثقافات، بضرورة بدء العمل على مشروع ثقافي للأدباء والكتّاب يكون راسخاً، ويستمرّ عبر السنوات. سمّى المشروع في البداية "من أجل بيت كُتّاب دولي"، على أساس أن تشبه فكرته مدينة بيروت، سواء من ناحية الانفتاح أو من ناحية اللغات، وكان الهدف تعزيز حضور كتّاب عالميين يكتبون بلغات العالم كافة في بيروت، من الصين وصربيا وكرواتيا والدنمارك وألبانيا وأستراليا وأميركا... وأن يتواجدوا جميعاً للتحدث حول إشكاليةٍ محددة.

كان مشروع "مسّاحو المدن" بمثابة مسودّة لما آلت إليه الفكرة اليوم. لكنّ الأمور لم تسِر وفق المتوقّع في حينه، فتوقّف المشروع أو تأجل لمصاعب مادّية واجهها. إلا أن إرادةَ سيّدات أربع، هنّ نادين شحاده، كارول عمّون، هدى صايغ، وسيلين الخوري، أعادت الأمور إلى نصابها، فقد عملن لأجل تأسيس هذه الجمعيّة بمساهمة السيد كُمي عمون أيضاً. وفي معرض الكتاب الفرانكوفوني في بيروت 2013، تمّ تنظيم الحفلة الرسمية لإطلاق "بيت الكُتّاب الدولي"، واستضافها المعرض من دون علاقة مباشرة بينه وبين فكرة المشروع ونشاطاته، وبدأ العمل، على أن يستضيف البيت في أيّار/مايو من كلّ عام، كُتّاباً جدد لمناقشة مواضيع مختلفة.

لضيق في الوقت، وكي لا يظن أحد أن المشروع يأتي تحت جناح المعرض الفرانكوفوني، اضطرت إدارة "البيت" إلى التأخر عن موعد الإطلاق المحدد. وسيشمل نشاط "البيت" لهذا الموسم لقاءات مع ستة كتّاب، من 3 إلى 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لنقاش الهجرة واللغة الأم انطلاقاً من أعمالهم. في سنتها الأولى، اللغات المستضافة هي الإنكليزية والفرنسية والإسبانية. سنتابع لقاءات مع أدباء يكتب معظمهم بغير لغته الأم، وهم: الروائي اللبناني بالإنكليزية راوي حاج (3/10)، والكاتب الروماني بالفرنسية ماريوس دانيال بوبيسكو (10/10) والكاتبة المصرية بالإنكليزية أهداف سويف (اعتذرت عن الحضور في اللحظات الأخير)، والكاتب المغربي بالفرنسية عبد الله الطايع (10/10)، والكاتب اللبناني الأرمني بالإنكليزية فيكان بربريان (11/10) والكاتب الكولومبي سانتياغو غامبوا (11/10).

ثلاثة من المشاركين عرب، وهم راوي حاج، الذي تتمحور أعماله حول الحرب اللبنانية والهجرة والاغتراب، أهداف سويف وتعبّر رواياتها عن تاريخ مصر في القرن العشرين... أمّا أعمال الطايع، فتعكس مشاكل المجتمع المرتبطة بالقمع الاجتماعي والعائلي وكره المثليين، وهو ينتقد بالفرنسية المجتمع الناطق بالعربية في المغرب.

وليس بعيداً من الكتّاب العرب، فيكين بربريان، واحد من عشرات الكتّاب اللبنانيين الذين هاجروا إلى الغرب وبدأوا يكتبون بلغاته. مفارقته أنه أرمني، ولد في بيروت وعاش في يرفان وهاجر إلى الولايات المتحدة، ويكتب بالإنكليزية، رغم أنه متأثر بثقافات مختلفة ولغات عدة. بمعنى آخر، هو أشبه بخلطة من الهويات أو "مثال، في حد ذاته، للكاتب بين ثقافتين"، كما يصف نفسه شخصياً. أما الكاتب الكولومبي سانتياغو غامبوا، فهو مؤلّف كثير الأسفار ومنفتح على العالم، يتطرق إلى مشاكل المخدرات والفساد والدعارة. بدوره، كان الكاتب الروماني ماريوس دانيال بوبيسكو (المقيم في سويسرا) يكتب أولاً باللغة الرومانية قبل أن "يعتنق" الفرانكوفونية.

يشبه مؤتمر "كتّاب بين ضفتين" شريف مجدلاني نفسه، التعددي المنفتح. وتليق فكرة المشروع بعاصمة مثل بيروت. لكن تبقى المشكلة هي نفسها، أمام كل عمل ثقافي، أي العقبة المادية. فلا تكفي إرادة الهيئة الإدراية لضمان الاستمرارية، ولا بد من الدعم المادي الفعلي من وزارة الثقافة اللبنانية ومن البلديات والمؤسسات الداعمة للثقافة.

تخطّى "البيت" الموسم الأول بعد جهود جبّارة وبدعم من بعض المؤسسات والشخصيات، وبات ضرورياً أن تساهم الدولة اللبنانية وأصحاب الرساميل في دعم مثل هذه المشاريع. والمنعش في "بيت الكتّاب الدولي" هو طموح إدارته بأن يبقى مستقلاً، وليس تحت جناح "المال الثقافي" إذا جاز التعبير. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها