السبت 2015/02/28

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

احتلال اللغة و"فصام" حول سليم بركات في "اشكال الوان"

السبت 2015/02/28
احتلال اللغة و"فصام" حول سليم بركات في "اشكال الوان"
يحيى جابر: اللغة في خدمتي ولستُ في خدمة اللغة
increase حجم الخط decrease
اليوم الثاني لمنتدى "اللغة العربية وشبكات التواصل"، في فضاء "أشكال ألوان"، أمس، كان غنياً بالمداخلات والقراءات والتجارب. حضرت منصورة عزالدين من مصر، وقدمت "العامية المصرية: بديلٌ للفصحى أم غيتو لغوي؟"، وألقى الروائي والكاتب اللبناني، هلال شومان، كلمة عن علاقته باللغة بعنوان "في تلاقي وافتراق العربيّة الفصحى والمحكيّة اللبنانية: رحلة بين وسائط تقنيّة وفنيّة"، بينما غاب الكاتب السوري رستم محمود بسبب عدم حصوله على فيزا للدخول الى لبنان، وقرأ ورقته عبر "سكايب" من ألمانيا وهي بعنوان "تراجيديا الكرد واللغة العربية، من سليم بركات حتى فايسبوك"، وفي الختام كان عرض أدائي ليحيى جابر بعنوان "هذا حائط، 1975 - 2015"، يرافقه عزف موسيقي لطارق بشاشة.

ولعل أكثر ما ميّز اليوم الثاني للمنتدى اللغوي، كان تنوعه بين الشعري والروائي والاثني(الكردي). فمنصورة عزالدين صاحبة "جبل الزمرد" و"متاهة مريم"، قرأت ورقتها عن علاقتها بالفصحى واللغة، مستندة الى تجربتها الشخصية، وأقوال ووقائع حول اللغة وعلاقتها بالمقدس، واعتبرت أن "التمرد على اللغة في حالة العربية، قد يتحول فوراً إلى صدام مع المقدس، لكن ربما ليس لي كمصرية أن أشكو". وتنحاز منصور إلى العامية في الحوار بين الشخصيات الروائية، "إذ تمنح العمل الروائي حيوية مضاعفة"، وشددت على "أن للغة العامية جمالياتها وحمولتها الشعرية الخاصة على عكس ما يراه كثيرون من محتقريها"، وهي تتعامل مع اللغة العربية بمستوياتها المختلفة بشكل "براغماتي بحت"، وتأخذ منها ما يناسب الطموح الفني لكل عمل تكتبه. وتضيفك "ما يهمني ككاتبة هو الجمال الوظيفي للغة ومدى قدرتها الإيحائية وإيقاعها المتوائم مع إيقاع العمل وبنائه"، وأننا أحوج من غيرنا إلى "احتلال اللغة"، أي إعادة تشكيلها وإخراجها من معانيها الجامدة إلى آفاق جديدة". 



أما هلال شومان الآتي إلى الرواية من هندسة الاتصالات وإدارة منابر الإعلام الاجتماعي، فقال في مداخلته: "لا يمكن أن أتطرّق إلى علاقتي باللغة الفصحى من دون الرجوع إلى المدارس التي تلقّيتُ فيها تعليمي"، وذلك لأن علاقته باللغة الفصحى "علاقة قرآنيّة أوَّلًا، معطوفةً على كونها لغة خطابيّة"، وتستند الى التجارب الطفولية المتوزّعة بين المنزل والمدرسة. شومان، صاحب روايات "ما رواه النوم"، و"نابوليتانا" و"ليمبو بيروت"، سرد علاقته باللغة من زمن الطفولة وعلاقته بجدّه ولغة القرآن وقصصه، وصولاً إلى كتابات زمن المدونات والتشات والرسائل القصيرة و"فايسبوك"، وصولاً إلى مرحلة كتاباته الروائية واستخدامه عناوين أجنبية لرواياته، وحتى استخدامه العربية العامية في نصّه، إذ أن المحكيّة ليست الصدام الوحيد الذي تعرض له ووهو يكتب الرواية، فكثيرًا ما ترِدُه الملاحظة التالية في التعليق على الرواية التي كتبها: "روايتك سينمائية"، كأنّ الأصل في النصّ الروائي هو اللغة لا المشهديّة. والعبارة المادحة تقول ضمنيًا "أنّ المميّزات هذه طارئة على الرواية ووافدة من السينما"، وهذا يعيد شومان إلى "العلاقة باللغة علـى أساس قرآني ومن ثَمّ شِعْري". ويعتبر أن "المحكّية العاميّة في حوارات الرواية، يمكنها أن تعطيك، بسهولة، شيئًا قد لا تحقِّقه عبر السرد بالفصحى إلا بجهود أكبر"... وذكر شومان ان ورقته تتضمن فصولاً لم يقرأها ستنشر في الكتاب المرتقب الذي ستصدر "أشكال ألوان"، وتتضمن الورقة فصولاً عن لغة زياد الرحباني ولغة السينما والتلفزيون.



الكاتب رستم محمود قدم مداخلة مختلفة، بحثية، وليست تجربة شخصية، ربما تكون الأكثر جدلية بسبب العلاقة المتوجسة بين الأكراد والعرب. حاول تفكيك معضلات تكوينية لطبيعة علاقة الأكراد السوريين باللغة العربية، وتحوّل هذه العلاقة، من كونها فضاء ثقافياً للمعرفة وممارسة الشعائر الدينية، إلى شكلها النمطي المرتبط بالنزعة القومية العربية. ففي التاريخ "لم تكن علاقة الكرد تاريخياً مع اللغة العربية علاقة تخاصمية"، وكانت اللغة العربية هي "الوحيدة التي يمكن عبرها ممارسة أي شكل من التدين العام"، ومنذ ظهور زمن القوميات في القرن العشرين، بدأ هاجس اللغة الكردية يتنامى لدى الأكراد، وشكّل فرضُ النظام البعثي والقومي للغة العربية أقرب نموذج لصورة الطرف "الطاغي" في المخيلة القومية الكردي السورية، وعاش الكرد رهاب الانصهار الثقافي/اللغوي في الكلّ العربي. ورغم ذلك هناك شيء من الفصام في علاقة الكرد باللغة العربية، فهم الذين يعيشون رهاب الانصهار بالعربية ويعتبرونها لغة الحاكم المستبد، لكنهم في الواقع يقدسون سليم بركات (الشاعر الكردي) الذي يكتب بالعربية الرصينة. يرى الأكراد في بركات، البطل الذي هزم "الآخر" العربي في ميدانه، وتعود تلك المكانة الرمزية البارزة لبركات، في جزء كبير منها، إلى مهارته الخاصة في اللغة العربية، وتحولت تلك السيمياء اللغوية التي يستخدمها بركات في نتاجاته، "إلى وحدة قياس لكل ما يمكن تناوله من نصوص، وبات الكثير من الشبان يتقصدون الكتابة بلغة عربية متماثلة مع الصيغ التي يستخدمها بركات في ذلك الاتجاه".



مسك الختام كان الشاعر يحيى جابر، في عرض شعري أدائي، وقد انطلق من مقولة "اللغة في خدمتي ولستُ في خدمة اللغة"، فعرّف أولاً بمسيرته الثقافية التي مزجت بين المسرح والشعر والصحافة والكثير من الكتب، والتي قدم خلالها لغته التي تستفيد من الزجل والجدران والحياة اليومية وأسماء المأكولات والحلويات وحتى الكلمات السوقية. وعرض يحيى جابر، كما عرّفه، "استلهم أبجديته من لغة الكهف إلى لغة الشبكة العنكبوتية، كأنها لغة قديمة جديدة"، وجمع بين السخرية والتهكم والحزن، في مرويات لخيبات متتالية، لأن "النحس" يصيبه كلما حلم بشيء. انضم الى الشيوعية، فسقط الاتحاد السوفياتي، ولاحقاً هلّل لموجات سياسية ففشلت، مثل 14 آذار والربيع العربي... ثم قرأ قصائد من بعض كتبه مثل "خذ الكتاب بقوة" و"كأني امرأة مطلقة"، والقصائد التي اختارها تحمل دلالات لغوية من حيث إدخال تعابير "غير متوقعة" الى القصيدة...



وبمنأى عن المداخلات التي قُدّمت، قد يكون أبلغ تعبير عن اللغة، العبارة التي وردت في مداخلة منصورة عزالدين، نقلًا عن رسالة من يحيى حقّي الى طه حسين وتقول: "... فالمشكلة إذن أعمق بكثير من الفصحي والعامية. هي مشكلة إيمان الشرق بنفسه، وقدرته على النهوض ليشارك على الأقل في الحضارة التي يبنيها علماء الغرب وأدباؤه...".


اليوم سيكون الأخير في منتدى "اللغة العربية وشبكات التواصل":

18:00 حالات فايسبوكية: المونديال مثالاً
لا مثقف، لا كاتب، لا صحافي: غواية العمومية - يوسف بزي

19:30 مقاربة لغوية لدمية وقحة: فريديريك لاغرنج

20:30 اسكتش حيّ مع "أبلة فاهيتا"
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها