الجمعة 2015/04/24

آخر تحديث: 14:54 (بيروت)

"أبو غابي".. والطريق من اليرموك إلى حلب تمرّ بالتصوف

الجمعة 2015/04/24
"أبو غابي".. والطريق من اليرموك إلى حلب تمرّ بالتصوف
"هناك معنى خاص للأداء عند المنشدين القدامى، وهو ما حاولتُ تملكه من خلال فهم عِلمهم"
increase حجم الخط decrease
لقّبه عرّابه باسم "أبو غابي" منذ الصغر، عُرف به في محيطه، وكبر الاسم معه داخل جدران منطقته الشعبية، حاملاً له الكثير. صوت شجن، تشرّب الدفء من رحم مخيم اليرموك، وحميمية شوارع حلب.

محمد نور، فنان سوري من أصل فلسطيني، من مدينة حيفا، ولد في دمشق وعاش في مخيم اليرموك، درس الإعلام والغناء الشرقي، و"بعض" الموسيقى لأنها عالم لا ينتهي بنظره. نشأ في عائلة موسيقية، وورث موهبة الغناء عن والده، أحد رواد الموسيقى الفلسطينيين في المخيم بفترة السبعينيات، ويقول لـ"المدن": "موهبتي نمت من خلال التدريب ومتابعة والدي، الذي كان من محبي محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم وأسمهان والشيوخ- محمد صديق المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد وطه الفشني وتوفيق المنجد، كانت أصواتهم حاضرة معي دوماً، وأسست شخصيتي، ومازلت أتأثر وأتعلم كلما سمعت الشيخ محمد عمران من مصر، فمحاولة محاكاة صوته بحد ذاتها تدريب بالنسبة إلي".


في العام 2007، التقى "أبو غابي" بالمغني والمنشد الأذربيجاني حاميد أسد الله، رجل الدين المتصوف، وكان يتردد على دمشق وحلب والقاهرة: "كانت أول مرة في حياتي استمع لصوت خارق ودافئ وجهاً لوجه".

شجع "حاميد" أبو غابي، وأخذه معه في جولة غنائية إلى حلب: "كانت فترة مهمة جداً في حياتي، على مستوى الغناء والصوت والتعرف على منشدين ومطربين شباب من حلب".

أربعة أشهر قضاها "أبو غابي" في حلب، التمس فيها أصالة أجمل مدن الأرض، وملأ أنفاسه بشجن الموسيقى العابقة في حاراتها، "كانت تجربة استثنائية على المستوى الشخصي، كانت أول مرة اسمع فيها المؤذن التركي يونس أوغلو، الذي دوخني بجمال صوته وقدراته، لحين عودتي إلى دمشق، ولقائه مرة أخرى بعد عام في دار الأوبرا، وسماعه من جديد مع عازف الناي التركي قدسي أورغون".


التقى "ابو غابي" بعدها في دمشق بالكثير من المنشدين والقراء والموسيقيين الذين تابع معهم ما بدأه، يقول: "هناك معنى خاص للأداء والغناء والشجن عند المنشدين القدامى الكبار، وهو ما كنت أحاول تملكه، من خلال فهم كل ما يحيط فيه من علم، وهو الذي صقل صوتي بمكان معين"... إلى حين اشتعلت الحرب في سوريا، واضطر "أبو غابي" لترك مخيم اليرموك، ويقول: "المخيم كغيره من المناطق السورية، لم يكن سهلاً عزله عن مجريات الأحداث، تعرضنا لخذلان كبير من جميع الأطراف، خذلان شكّل لي ولكثير من الشباب الفلسطيني نكسة حقيقية، الجميع شركاء في حصار المخيم، وشركاء في الجريمة، عدا عن الضغط والاغتيالات التي مورست بحق كوادر ونشطاء المخيم، وحتى هذه اللحظة ما زالت هذه القوى، وبالتعاون مع أشخاص محسوبين على بعض الفصائل الفلسطينية، تقوم بمثل هذه القذارة من اغتيالات وتصفيات، لكن المخيم بالرغم من كل شي صمد".


النكسة أغنت تجربته. أربع سنوات من الحرب غيرت الكثير من المفاهيم والرؤى لديه: "تعلمت خلالها الكثير، فلن ينتظرك أو يسأل عنك أحد، وهذا ما دفعني لتسجيل أكثر من 15 أغنية خلال هذه الفترة، وانجاز فيلمي "أنا أزرق"، وكتابة الموسيقى لمسرحيتين "حديقة الشهداء" للمخرجة اللبنانية تانيا خوري، و"بيني وبيني، حكاية معتقل" للشاعر حسام ملحم والراقص علي حيدر".

"حجاز حرب" ألبومه الأول، أطلقه نهاية العام 2014، بدعم من مؤسسة "فريدرك ايبرت"، ومؤسسة "عبد المحسن قطان"، والألبوم يحوي 7 أغاني وقطعة موسيقية واحدة.

"سوريا"، "طلعنا من بيوتنا"، و"نحن أحياء".. بعض أغانيه، فحياة اللجوء والتشرد بكل ما تحمله من ظلم وقهر، كانت لها الحصة الأكبر من مواضيع الأغنيات. المشروع عمره 3 سنوات، وكان حصيلة النكبات التي تعرض لها مع أصدقائه خلال تلك المدة. يقول: "الأغاني أولادي الذين ربيتهم ثلاث سنوات، حملتهم من مكان لآخر، وغناهم أصدقاء رحلوا، بين شهيد ومعتقل ومفقود، فكان من المفترض أن أقدمهم بالشكل اللائق، وهذا سبب تأخر إطلاق الألبوم، إضافة إلى أننا لا نستطيع أن نعزل أنفسنا عن الظرف الحالي الأسوأ في العالم".


رغم ذلك، "أبو غابي" لا يعتبر أن ألبوم "حجاز حرب" هو مشروعه الموسيقي الذي حلم به، "الألبوم صنعته آلة الحرب، وتفاصيلها بدءاً من تهجير الناس، مروراً بالوضع الإنساني، للخذلان، للحب، للمستقبل والأمل". مضيفاً: "مشروعي الأساسي كان البحث في عالم الغناء الصوفي والتجريب، حيث التجلي والإنخطاف".

لذلك سبق تجربة الألبوم، تسجيل أكثر من 4 أغانٍ صوفية مع مغني الراب (أسلوب)، والموزع وعازف العود المصري أحمد عمران، وفرقة البلوز اللبنانية "قمح" التي قدمت خامة صوته للناس بالطريقة التي يريدها.

وعن اسم الألبوم يقول أو غابي: "الحجاز، كما هو معلوم، أحدُ المقامات الرئيسية في الموسيقى العربية، وتتألف نغماته الثماني من جنسين مختلفين، "حجاز" و"نهاوند"، وكل منهما يتركب من أربع نغمات. بالنسبة إلي، كانت أصوات طائرات الميغ وقذائف الهاون والمدفعية وطلقات الرصاص مصادر هذه النغمات الأربع، التي شكلت منها درجة "حجاز/ ري" الموسيقية التي تقوم عليها "حجاز حرب"، اخترته في البداية ليكون اسم القطعة الموسيقية، تحول عنواناً للألبوم".

"أبو غابي" سعيد بردود أفعال الناس وصدى الألبوم، "وسعيد أكثر بآراء الموسيقيين الكبار، الذين بادروا بالتهنئة وإبداء الإعجاب بنوعية الموسيقى مع الإشادة بالمشروع، مثل أحمد قعبور، وكاميليا جبران، وكنان عظمة، والناقد الموسيقي فتحي سلامة، وآخرون حضروا حفلة إطلاق الألبوم في بيروت.

لكن يبقى الفنان، كغيره، مواجَهاً بصعوبات، تمثلت عند أبو غابي بوضعه الأمني في بيروت، كفلسطيني سوري، "لا يمكنني الذهاب إلى تركيا، أو العودة إلى بيروت، لم يكن لدي خيارات باختيار العازفين أو التسجيل لعدم قدرتي على التحرك خارج بيروت". فوجد أصدقاء ساعدوه في إنجاز الألبوم بشكله النهائي، منهم عازف البيانو الفلسطيني الأميركي كريستوفر ابراهيم، وهو ناشط حقوقي أيضاً، بالاضافة إلى عازف العود مهند نصر الذي عزف وأشرف على ألبوم "حجاز حرب".

ويختم ابو غابي: "الكوكب كله يعرف قصتنا، وهو مدرك تماماً لكمّ الظلم الذي تعرضنا له، العالم شريك في مأساة الشعب السوري بصمته، نحن نحاول من خلال الموسيقى والفن أن نعبّر عن جرحنا وألمنا، نعبر عن رغبتنا كشعب أصيل، يستحق أن يعيش".

ولـ"أبو غابي" تجارب فنية أخرى، إذ شارك في فيلم "روميو وجوليت" للمخرج فجر يعقوب العام 2004، وفي مسرحية "الجرح النازف" من توقيع الشهيد حسان حسان العام 2010، وحلقتين كممثل وكاتب "ستاند اب" كوميدي في برنامج "على هوى الحكي" في "يوتيوب"، وكتب مقالات متخصصة بالاقتصاد الرياضي لعدد من الصحف العربية في مرحلة سابقة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها