الجمعة 2014/10/03

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

كرنفال" راوي حاج... الحكواتي الاجنبي

الجمعة 2014/10/03
كرنفال" راوي حاج... الحكواتي الاجنبي
السرد الروائي.. اضاءة غاضبة على جزء من الحياة
increase حجم الخط decrease
يترك راوي حاج لنفسه، ولقلمه بالطبع، الإبحار في سرد يوميات ليست ذات بال، تتناول تفاصيل لشخصيات روايته، فتحضرني لدى قراءته، شخصية "الحكواتي" بكل معنى الكلمة، لكنه الحكواتي "الأجنبي" المبتعد عن رواية البطولات والمآثر هنا، والمكتفي بنثريات حياتية نقع عليها عند هذه الشخصية وتلك. السرد عند راوي حاج غير عاجز عن التعبير عن أيّ أمر، سواء كان شعوراً أو سلوكاً ما، أو حالة نفسية معينة، يُعيد صياغتها بشكل مُتقن ومُسّلم بصحته كبديهة مطلقة.

في عملية "مماحكة"، اذا صحّ التعبير، أو محاكاة ساخرة، فإن الرواية، الصادرة حديثاً عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" تحت عنوان: "كرنفال"، تترك للبطل المولود من أم تعمل في سيرك، تترك له سرد الأحداث والسيرورات والأماكن، بقسوة الحياة نفسها وغرابتها.

تغّص الرواية بأبطالها، وكلهم "بطل" في المعنى المتوغل في الإضاءة على شرائح المجتمع كافة، فنجد بينهم المجرمين وبائعات الهوى والمعتوهين والسحرة والثوار والمهرجين في كرنفال يبدو، بحسب الكاتب، أنه بدأ منذ زمن لا يعرف أحد متى ينتهي.

راوي حاج كاتب لبناني _ كندي، ومُصوّر محترف، يُصوّر بالكاميرا كما يصوّر بالكلمة على ما يتبدّى، خصوصاً في روايته " كرنفال"، وله روايتان سابقتان حازتا جوائز وإهتماماً نقدياً وهما: "لعبة دونيرو" و"الصرصار". التصوير مُتقن فعلاً في كرنفال، يُضيء على مشاهد حياتية تخدعك بساطتها للوهلة الأولى، لكنها تكتنز في العمق طموحات ورغبات ونزوات وجنون، الى سائر فنون الغرابة في دواخل البشر، كرغبة القتل والتحرّش. هي قصة مهرّج وسائق تاكسي وجد نفسه متورطاً بخصوصيات الآخرين، فرواها بلا تردّد، ومن هنا جاذبيتها، وسلاستها، كما مُكنتها الفنية.

يحضر في "كرنفال" نوع السرد الحديث، وثمة المعلومات، الوصف، الإهتمام الذي يبدو في الظاهر غير ذي نفع، بلحظات الوجود الفارغة، السيكولوجية التي تجعل كل حركة وردّ فعل يقوم بهما بطل الرواية، متوقعة.

باختصار، يمكننا وضع كل عناصر كتابة راوي حاج، في نقطة واحدة، هي فقدان الشعر من الرواية. وهذا بالطبع لصالحها وليس نقطة ضعفها. إذ تبدو المشاهد في قمة حيويتها
من دون أي إحالة الى عملية شعورية غير ذات قيمة.
تحتّل "الحالة" التي يريدها الكاتب للنفاذ الى قارئه، موقعاً متميزا، مُسّلحاً بقوة إغراء مماثلة لقوة التنويم المغناطيسي، ومُمّهدة لظهور ما يُشبه المشاهد السينمائية، حيث تبدو الصور الحياتية
قادرة على النفاذ الى شاشة مخيلة القارىء لتختلط بمشاهد من حياته الخاصة، وتُحقّق جذبه ومتابعته.

يستخدم الكاتب حركة التاريخ المتسارعة بالشكل الذي يكون عليه غير مرئي في البداية، ثم تبدأ الحركة بالتسارع من خلال حيوات أبطال الرواية، الشوارع التي يمشون فيها، أثاث بيوتهم، حواراتهم ومناكفاتهم، المؤسسات التي يعملون لديها، قصص الحب السريعة والمُربكة. هكذا، تفقد خلفية الحياة الإنسانية إستقرارها، بدلاً من أن تكون مسرحاً يمتلك أحداثه المتوّقعة. هنا براعة الكاتب إذ أن كل شيء في طور التغيّر، وإذ تتغيّر صورة اليوم غداً، يصبح القبض على هذه الصورة ورسمها ضرورياً، ونابعاً من براعة سردية وفنية لدى الكاتب، مهما تكن صورة الوقت العابر مُضجرة.

عند الكاتب أيضاً، تلك الثورة اذا صح التعبير، ضد تقليد الرواية السائدة، ويرغب في أن تكون روايته كشكل من الفنون المستقلة ذاتياً، وأحد المتطلبات العملية لهذه الإستقلالية هو أن المشاهد كلها، اللحظات كلها، الأجزاء الصغيرة كلها في "كرنفال" لها أهمية جمالية متساوية.

يُذكرّني راوي حاج ن بالكاتب الأميركي سالنجر في روايته "الحارس في حقل الشوفان"، والتي شكلت بداية وأنموذجاً للكتابات التي عُرفت في ما بعد بكتابات الغاضبين. بطل سالنجر هولدن كولفيلد يُشبهُ الى حد، بطل رواية حاج "أوتو" في كيفية تعبيرهما عن الإشمئزاز والتقزّز الأخلاقيين اللذين يعاني منهما بطلا الروايتين.. في رواية "كرنفال"، لا يضع الراوي نفسه في موضع العالم أو الطبيب أو السوسيولوجي أو المؤّرخ، بل تقتصر مهمته على الإضاءة الغاضبة على بعض الأوضاع الإنسانية غير المنتمية الى حقل معرفي، بل هي بكل بساطة جزء من الحياة.


* في إطار نشاطات "بيت الكتّاب الدولي"، تقام ندوة للكاتب راوي الحاج في مكتبة السبيل(الباشورة) الساعة السادسة والنصف مساء اليوم الجمعة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها