الخميس 2014/10/23

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

حرية سليمان: الكتابة النفسية تمتعني رغم صعوبتها

الخميس 2014/10/23
حرية سليمان: الكتابة النفسية تمتعني رغم صعوبتها
الشخصنة مشكلة وربما كانت عائقًا يواجهنا ككاتبات
increase حجم الخط decrease
ما يميز كتابة الروائية والقاصة المصرية، حرية سليمان، أنها جادة، تميل إلى الصيغ اللغوية المركبة، حتى وهي تتعامل مع مشاهد رهيفة. تكتب الشعر أيضًا على استحياء، ربما لأنها تجد نفسها في السرد أكثر، ما يبين تطورها من تجربة إلى أخرى لأنها تستمع جيدًا وتستفيد وتحاول أن تتعلم وتضيف. صدر، منذ أيام، كتابها الخامس، رواية بعنوان "أسود دانتيل" عن دار "نون"، وفيه تقدم تجربة لا نستطيع أن نقول إنها نسوية، بقدر ما تحاول رصد تجربة تمرد البطلة على المجتمع.. حول هذه الرواية كان هذا الحوار لـ"المدن"...

* ما الجديد المختلف الذي تقدمينه في روايتك الجديدة: "أسود دانتيل"؟

- لعل الأمور المسكوت عنها والتي تخفيها الجدران، مواضيع جاذبة، تلقى اهتمامًا خاصًّا من القراء، وربما لأنه من غير المتوقع أن تكتب عنها امرأة، وإن فعلت، اتهمها المجتمع بالتمرد، وربما وجدها مجرد محاولة لإثارة الاهتمام تهدف منها لتحقيق مكسب أو شهرة ما. لا يمكن أن أنكر هنا موضوع الرواية والتي تجسد عالم امرأة وحيدة. أمورها الخاصة، تحولاتها النفسية المربكة، عقلها المزدحم الصاخب وكل ما تحمله شوارع وتقاطعات الذاكرة من رموز، كان موضوع الرواية.

* تتماس أحداث الرواية مع وقائع ويوميات الثورة المصرية، وإن بشكل طفيف، هل تعتقدين أن ثمة حاجة لذلك؟ ثم.. هل هذا وقت مناسب للتأريخ للثورة التي ما زالت في الميدان؟

- تكشف الرواية بجرأة مناطق صادمة في حياة البطلة، حيث يلعب الماضي دور الشريك الأساسي في حياة صحافية متطلعة تبحث عن مستقبل، بينما يلاحقها الأمس بكل خباياه وأزماته ليحصرها في زاوية ضيقة من الكون، مطالبًا إياها بالتطهر او الاعتراف بالذنب. من الصعب أن يحدث كل ذلك وننكر ما يصاحبه من أمور تخص قناعاتها والتي تكونت بمرور الوقت نتيجة لشعور بالفقد. وليس مطلوبًا بالنهاية أبدًا أن نتعاطف معها أو أن نحاكمها.. فالأمر برمته لم يعدُ كونه قراءة عميقة في قلب وعقل وروح امرأة.
لم يكن عالم "جورية" الصاخب أكثر من غرفة مغلقة بستائر شبه منسدلة ويمكن بسهولة أن نعرف لماذا فضلت أن تسميها "الكهف". في هذا الكهف يمكنها أن تتطلع إلى الخارج بشغف، منتظرة اللحظة المناسبة للخروج، ويمكنها الحكي أيضًا كراوٍ عليم عن حياة ناقصة مبتورة أبطالها أب قاسٍ وأم مُهمَلة وأخ لم تتأصل هويته. رجال ثلاثة، على اختلاف صورهم، لم نعرف حتى النهاية من فيهم الذي أهدته الرواية. ماذا يمكن أن يقدم عالم بهذا الجمود لامرأة تقاوم الحب بقلب من حرير. الثورة هنا لم تكن هدفا وقت كتابة الرواية، بينما أشرت لها بشكل عابر لصلتها بالتطور الحاصل عمومًا وبشخصية البطلة بشكل أكثر خصوصية. وربما ألقى الضوء على تصرفات الشخوص ما بين مقاوم ومتخاذل.

* إذن.. ما هو جوهر الرسالة التي أردت تمريرها من خلال روايتك؟

- أثير هنا حقيقةً غاية في الصعوبة، فكلنا بالفعل متورط، وكل من هنا مدان بارتكاب ذنب الوجع، ولا بد لأحد أن يدفع الفاتورة عن الآخرين وربما حتى النهاية. هذا برأيي قانون الحياة، شئنا أم أبينا. ربما كانت الرسالة التي أمررها لجمهور القراء ليست غير دعوة للتحرر من الذات المجهدة بالتفاصيل والتي ربما تدفعنا أحيانًا للتقوقع والانزواء بينما يضج الكون بأشياء ربما تكون أكثر قسوة من عالم مزدحم ترهقنا به الذاكرة.

* تجربة "أسود دانتيل" تحمل بين طياتها مفهومًا ربما يضايق البعض وربما وجده آخرون وصفًا دقيقًا يناسب بعض تجارب الإبداع النسائية وهو مفهوم "الكتابة النسائية"، هل ترينها كذلك؟

- أرفض في المجمل مصطلح كتابة نسائية، في هكذا تصنيف نزعم أن كل ما خطته الأقلام النسائية موجه للمرأة بشكل خاص، وبهذا الشكل المجحف نظلم تجربتها الإبداعية ونتهمها بالقصور، فكيف نسلبها حلمًا كاملاً يغازل الفضاءات الرحبة ويراود الأفئدة الكسيرة لتكون مجرد وسيلة للتعبير عن عوالم مجهضة وأجنة لم تتشكل كما يجب؟
ورغم يقيني بأن تجربتها المعاصرة اختلفت كثيرًا عن ذي قبل، وأنها بقدر من اليسر استطاعت أن تنجذب لعالم خارجي أكبر من محيط مطبخها أو حدود أسِرّة أطفالها أو مكبلة كانت بطرق جدتها المفضلة للحفاظ على رجُلها الأوحد من الضياع، إلا أنها ما زالت مثقلة بالموروث، أضف إلى ذلك شعورًا متناميًا بالفقد ناتجًا عن كونها لم تحلِّق خارج أطر التبعية. بكل أسف أعترف أنه قيد يصعب أحيانًا التخلص منه، وربما أحاول باستماتة مقاومته في تجربة كتابة روايتي المقبلة.

* لو اعتبرت روايتك نوعاً من البوح، هل تتقيدين وقتها بحيث لا تواجهين بأنك تفضلين الكتابة الجريئة؟

- في يقيني لا شيء مقدساً في الكتابة، وأننا بطبيعة الحال نكتب لنشفى ولتشفى ذواتنا، وإلا ما كانت الكتابة أشبه بطقس تطهر يومي، وربما كانت محاولة مشروعة لتسريب مخزون الذاكرة ليمتلئ بعدها ذاتيًّا من جديد. الكتابة ليست محاولة لكسر التابوهات التقليدية فحسب، وإنما هي في المجمل سير ذاتية غير معلنة الشخوص. فالألم هنا بالفعل كبير، وبقدر ما كانت قسوة الألم كانت الثورة على كل شيء، نظم فاسدة، رؤى قاصرة، عقد وترسبات كلسية عالقة بالروح، مخاوف مرجعها كينونتها كامرأة. ألم تخبرنا "جورية" في أول الرواية أنها كرهت هذين الرابضين على صدرها كفوهة بركان، لتتساءل في المنتصف تقريبًّا: "لماذا عليَّ أن أقبل أن يكون جمالي لوحة زيتية معلقة على جدار، تفقد زهوتها بمرور الوقت، وربما رغبت في استبدالها بأخرى رخيصة كنوع من التغيير"؟

* هل كونك روائية امرأة يحد من حريتك أثناء الكتابة في مجتمع مدني مثل مصر؟ هل ما زالت الكاتبة تعاني من تلك الازدواجية الاجتماعية؟

- بدأت الكتابة بشكل احترافي منذ أربع سنوات، عانيت خلالها من ربط كل حرف أكتبه بحياتي الخاصة ولم تكن غير بعض إشارات من بعيد أو قريب. أجد الشخصنة مشكلة وربما كانت عائقًا يواجهنا ككاتبات. ثمة إسقاط مباشر ومتكرر على حياة الكاتبة، ثمة خيط يربطها بشخوصها لدرجة أن نتهمها بأنها تتخلص من عقدة وتقر بذنبها وتطالب القراء بالغفران. أجده أمرًا مستفزًا، فرغم كون عوالم المبدعة متسعة وتسمح لها بالتنقل بين مواضيعها بيسر من دون الالتزام بقماشة محددة للكتابة، نجدها طول الوقت مطالبة بتفسير أو بتبربر، أتساءل هنا: كيف تكون المبدعة حرة بينما تشير لها أصابع الاتهام أنها بطلة حكاياتها؟ ولماذا نحاكمها إن بدت الحكاية غير مثالية أو تفضح واقعًا ما وتعرّي مجتمعًا من قبحه؟ هل أنا ككاتبة مطالبة بالكتابة عن عوالم مثالية لن تترك بعدها غير شعور مفتعل بالرضا لكلا الطرفين: الكاتب والقارئ على حد سواء. بينما يمكن أن نرسخ لقيم إنسانية أعظم وأكثر شمولية من خلال تجارب حياتية يلازم بعضها الإخفاق؟!

* كيف تضعين "أسود دانتيل" بين إصداراتك الأخرى؟

- صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان "بطعم التوت" عن دار "إبداع" للنشر والتوزيع، وربما كانت الأقرب إليّ لسبب أود ذكره هنا، وتطرقت إليه في أكثر من مناقشة. فهي بالفعل عوالم ومشاهد نفسية تخص شخوصها، وأجد هذا النوع من الكتابة ممتعًا برغم صعوبته لأنه يتطرق لتفاصيل أكثر حميمية ويلمس أشياء عالقة في الجذور. سبقتها رواية بعنوان "سهر" عن دار "أكتب" ومجموعة قصصية بعنوان "ربما يكون مغلقا"، وديوان نصوص نثرية بعنوان "عناقيد ملونة" عن الدار ذاتها.

* إلى أي مدى استفدتِ من الوسائط الإلكترونية؟ هل غيَّر ذلك من كونك كاتبة مصرية ما زالت تعيش في إحدى محافظات الدلتا بعيدًا من القاهرة؟

- ولدت في مدينة المنصورة، والتي يمكن أن أزعم بكل ثقة أنها إحدى عواصم الثقافة المهمة والتي تبنت وأفرزت جيلاً لا يستهان به من الشعراء والأدباء. في رأيي، لا حدود للإبداع وربما كانت أصعب الأشياء في زمن ما، أسهلها الآن، يطيب لي هنا أن أردد جملة مستهلكة في هذا السياق، فبالفعل نحن نعاصر زمن السماوات المفتوحة والفضاء المعلوماتي، والفيصل دوما هو الكلمة الجيدة، ليس من الصعب أن تفرز الرفوف المتخمة بمئات الإصدارات شهريًّا- وربما يوميًّا- أدبًا مختلفا لا يخضع لآليات النشر التي تنتهجها الدور الخاصة وفقاً لحسابات ربما تخدمها السياسة وتؤصل لها الظروف الاقتصادية للوطن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها