الأربعاء 2014/10/22

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

ذلك القتل الجديد علينا

الأربعاء 2014/10/22
increase حجم الخط decrease

مثلما تُساق البقرات، كان الرجل يجرّ ابنته عاقدا الحبل حول وسطها وجارّا إياها من طرفه. وهي لم تكن تتلكّأ أو تتباطأ، بل تساير مشيه وهو يدخل بها إلى ما سيصير بعد قليل ساحة موتها. لم يجرِتحضير شيء هناك، في ذلك الجزء من الإمتداد الرملي، سوى تلك الحفرة القليلة العمق التي ستتكوّم فيها الابنة - المرأة بعد قليل. حتى انّهم لم يأتوا بجمهور يحضر عملية الرجم. ولم يكن هناك حتى شهود على إجرائها. فقط ذلك الرجل الكثّ اللحية الذي كلّف بتدبير الموت، والذي لم يغيّر في لهجته، كأن يجعلها أكثر رصانة بما يتلاءم مع المناسبة التي قيل إنّها الأولى التي تقيمها دولة الخلافة للإقتصاص من الزانيات.

لا شيء إحتفاليا أرفق بإزهاق تلك الروح. لا مراسم، ولا أوراق ولا شهود ولا حتى رجل دين جيء به ليترفّق قليلا بالضحية قبل قتلها. فقط تلك المساحة من الأرض التي لن يتغير فيها شيء بعد أن يخلوها تاركين الجثة لأبيها الذي كان ممسكا بطرف الحبل آخذا إياها إلى موتها. كان يبدو أنّه الأكثر حماسة للإبتداء بذلك القتل، حتى أن الرجل الكثّ اللحية كاد أن يستمهله. الأب الذي لم يشكّ أحد من مشاهديه إنّه هو من يستحقّ العقاب، أو إنّه أولى به من ابنته. ولا يحتاج ذلك إلى بصيرة نافذة. يكفي ذلك الظنّ المستخلص من الخساسة البادية فيه، سلوكا وهيئة ووجودا. وقبل أن يبدأ الراجمون برمي أحجارهم قال له ذلك الرجل، رجل دولة الخلافة، أن يسامح ابنته، فأبى. وهو أبى مرّة ثانية. كان يحتاج إلى أن يُزجر، أن يؤمر أو أن يُهدَّد حتى يرضخ، مرفقا تصريحه بالمسامحة بتلك الحركة من يده التي تعني، بحسب ما يُرضي رجل الخلافة: إذهبي إلى جهنّم وبئس المصير.

وكان على المرأة الزانية أن تقبل بعقابها، وأن تقرّ بذلك. كانت بلا صوت. ربما قالت تلك الكلمات القليلة لمن ينبغي له أن يسمعها، أقصد ذلك الرجل الذي لا أثر في هيئته وكلامه إلى أنّ ما يدبّره هو إعادة عقاب كان التاريخ قد طواه وأسقطه. سوى ذلك لم يصدر عنها صوت متألف في كلام. فقط ذلك الأنين الخافت الذي سرعان ما توقّفت عنه بعد الحجر الخامس أو السادس الذي أصابها.

وكان أبوها أكثر الرماة حماسة، وأكثرهم سرعة وإصابة في الرمي. فكّرنا، نحن المتفرّجين على ذلك القتل، أنّ ذلك الأب إنما يسعى إلى أن ينال رضاهم. أن يبالغ في الدور الذي أمر بالقيام به حتى يكون في صفّ القتلة لا في صفّ الأبوّة. لكننا لم نستطع أن نقول إنّه ضحيّتهم هو أيضا. ربما خطرت لنا مقارنته بأولئك الذين ذُبحوا، قائلين إنّه مثلهم، جرى تخويفه إلى حدّ أن يصير أوّل القاتلين بين مجموعة الرجم حوله. كان يُذهلنا كيف أنّ من ذبحوا، وهم موقنون أنّ رقابهم ستجزّ لا محالة، يقفون في صفّ قاتليهم ومحمّلين وزر موتهم إلى من يفترض أنهم حُماتهم.

ذلك العقاب الذي يسبق عقاب الموت أصاب المذبوحين، والمعَدّين للذبح، وأصاب المرأة الزانية وأباها الذي بالغ في إطاعة خوفه. ذلك العقاب الأول، العقاب المسبَق، يؤكّد للقاتلين إن ما يفعلونه هو الصواب بعينه، بدليل أنّ المقتولين أنفسهم يشهدون على ذلك قبل دقائق من قتلهم. القاتلون يتلقون الإعتراف بما يرتكبونه من الضحايا أنفسهم. ذلك جديد علينا، جديد على كلّ ما سبق لنا أن قرأناه وعرفناه عن رغبة الضحية بالثأر وطلب الإنتقام أو رجاء حدوثهما بعد موته. لم تكن تلك المرجومة لتنتظر شيئا من هذا، أن تقول في سرّها، وهي تتلقى الحجارة، أنّ أحدا سينتقم لها في وقت ما. هذا جديد علينا، نحن الذين رحنا نحاول استذكار بشر وقفوا معاندين جلاديهم.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها