الخميس 2015/09/03

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

إلى لاجئ سوري.. إضحك الصورة تطلع حلوة

الخميس 2015/09/03
إلى لاجئ سوري.. إضحك الصورة تطلع حلوة
جواز سفر سوري لخالد مالك
increase حجم الخط decrease

   

1

في قاعة المحاضرات، عرض مجدي على طلبته تلك الصورة الشهيرة، للطفل الإفريقي بالغ الضآلة، الجالس في ما يشبه وضع السجود، يحتضر بسبب الجوع، ووراءه يقف نسر كبير منتظرًا موته ليأخذه كوجبة معقولة.

سألهم عن رأي كل منهم، لو أنه في مكان المصور الذي التقط الصورة، هل يلتقطها ويحقق انتشارًا نادرًا في تاريخ التصوير الصحفي، أم يسارع في محاولة إنقاذ الطفل؟ لينقسم الطلبة بين الرأيين. الحكاية تقول إن المصور أخذ لقطته وانتحر.

صديقي مجدي إبراهيم، أحد المصورين المحترفين في الصحافة المصرية، حكى ليّ عن محاضرته تلك، عندما سألته عن رأيه في الصورة المنتشرة مؤخرًا على فايس بوك، لسيدة سورية تسبح في عرض البحر حاملة طفلها، في محاولة أخيرة للحياة، بعد غرق المركب الذي كان يقلّها مع آخرين، وهم يحاولون الهرب من الموت اليومي، شبه المحقق، في سوريا.

ـ ماذا تفعل لو أنك مكان من صورها؟

ـ لا أعرف. الآن وأنا أقف معك أفكر في وجوب إنقاذها، ولكن في قلب الموقف، احتمال كبير أفكر بشكل مختلف!

ـ أي شكل؟

ـ بعض المصورين، يرى في ظروف كهذه، التضحية بفرد من أجل صورة تضع الإنسانية أمام الوجع، معتقدًا أن أثرها ربما يأتي بفوائد على آخرين!

وضعت احتمالًا أن تكون الصورة أُخذت من مسافة بعيدة جدًا، تسمح بالتصوير ولا تسمح بالإنقاذ، لكنه قال إن العدسات التي تصور بهذا النقاء، من المسافة التي أتحدث عنها، لا تتوفر لمصور متحرك، حيث أن حجمها ووزنها لا يساعد على الحركة، بل يتم تثبيتها في مكان ما عند التحضير لالتقاط صورة معينة، ولا تلائم حدثًا مفاجئًا.

"ما يدهشني فعلًا، هو من أين جاء لهذه السيدة من يصورها في هذا المكان وفي تلك اللحظة". يقول صديقي.

تركت مجدي وأنا أشكك، بيني وبين نفسي، في هذه الإنسانية التي تحتاج صورة كهذه، بين حين وآخر، حتى تعرف ما عليها فعله.

شطح خيالي، لحظة، ورأيت المصور يطلب من الضحية أن تضحك، حتى تطلع الصورة حلُوة!

2

التاريخ العربي الحديث لم ير، في ما أعرف، صورًا فوتوغرافية أو مشاهد فيديو، تحمل هذا الوجع الذي تحمله صور ضحايا اللجوء السوريين وأطفالهم. هكذا أتصور، وأنا المنتمي لجيل كان ينتهي من اللعب في الشارع، ويكمل سهرته أمام التلفزيون لمشاهدة وقائع "عاصفة الصحراء"، قبل أن يكبر قليلًا ليتابع سقوط بغداد، ويستمع إلى قصص الخراب على ألسنة المصريين العائدين من هناك. جيل كبرت عيونه على مشاهد نعوش أطفال الانتفاضة الفلسطينية بمراحلها الزمنية، والتقطت آذانه أخبار الحرب الأهلية في لبنان، قبل أن نكبر أكثر ليكون بعضنا وقود الغليان العربي منذ أواخر 2010، في حقبة زمنية لا تتكرر كثيرًا.

هي أمور لم تعطنا المناعة اللازمة لاحتمال صور جثث الأطفال السوريين، وهي محمولة بين ألسنة الرغوة البيضاء لأمواج البحر المتوسط عند التقائها بالشاطئ.

3
بوعي ينقصه، ربما، الإلمام بأمور السياسة والدبلوماسية، أستغرب كثيرًا من صور إلقاء القبض على اللاجئين عند حدود الدول التي يهربون إليها. بوصف أدق، القبض على من تمتد به الحياة لينجح في الوصول إلى هذه الحدود. البعض يضعهم في خانة المهاجرين غير الشرعيين، وهُم أشخاص يهربون من الموت الذي يحصد أطفالهم في بيوتهم.

المنطق يقول إن لكل بلد أمور يجب الحفاظ عليها من هذه الزيارات المفاجئة والعشوائية. ولكن أي من معايير المنطق تستطيع تطبيقها في ما يحدث.

ـ يقول أحدهم: لدينا من المشاكل، في بلادنا، ما يكفينا.

ـ يقول لاجئ سوري: لدينا من الموت، في بلادنا، ما لا نكفيه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها