السبت 2014/11/22

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

معرض رانيا كرباج... الأيقونة الشهوانية

السبت 2014/11/22
increase حجم الخط decrease
تعرض الفنانة السورية رانيا كرباج في غاليري زمان (بيروت)، مجموعة من الأعمال الفنية المشغولة بمادة الزيت وورق الذهب. يحمل المعرض عنواناً اشكاليا وهو "أكون أو لا أكون".
يدخل الزائر إلى الصالة وهو يتوقع أن يجد أعمالاً تعبر عن حالة نزاع داخلي، أو عن رغبة في العثور على الهوية الفردية في متاهة العام الشائك، لكنه لن يعثر على شيء من هذا القبيل، بل على العكس!

تهيمن على لوحة رانيا كرباج امرأة واحدة وإن اختلف لون شعرها أو عينيها، أو اسلوب دخولها إلى فضاء اللوحة. انها امرأة مركزية تدور عوالم اللوحة من حولها ولأجلها. هي امرأة تعرف أين تقف، وكيف تقف لتخفي خلف ابتسامتها الخفيفة وبساطة ثوبها الطويل الكثير من الشهوانية وحب الذات.

بعد أن يتخطى زائر المعرض اشكالية عنوان المعرض يقع في التباس المعنى المُراد التعبير عنه في اللوحات. التباس لا يقل أهمية عن اشكالية العنوان، فالفنانة برعت في خلق جوّ روحاني وحيرة شعرية على مساحة لوحاتها ذات الحجم الكبير، وذلك عبر دقة استخدام مختلف العناصر التشكيلية من لون وخط وانشاء هندسي. غير أن هذه التعبيرية الروحانية لا تلبس أن تندثر بعد أن يمعن المشاهد النظر في الأعمال. شيئا فشيئا تشفّ وترقّ أقنعة النسوة، التي تريد الفنانة أن تظهرهن أيقونات منزهات عن المادة ومترفعات بصمتهن "شبه الملائكي" عن كل مادي وجسدي لتبرز شهوانية عارمة. شهوانية تخترق هذا الصمت المُتكلف والبادي في اللوحات وتكشف عن انوثة متمكنة من خلف الأقنعة الواهية. أنوثة تريد الإستحواذ على كل آفاق اللوحة. أنوثة  لا تقول "أكون أو لا أكون" بل تقول "هذه أنا  شئت أم أبيت!".

لعل ذلك من أهم ما نراه في أعمال الفنانة، التي يمكن تصنيفها بالواقعية التعبيرية. فلوحتها لا تُقرأ دفعة واحدة ولا بشكل واحد وهي غالباً ما تحمل الحزن ونقيضه، الروحي والحسيّ، الآني والأبدي.

تأثر الفنانة بالفنان غوستاف كليمت يبدو جلياَ في عدد كبير من اللوحات حيث يدخل الورق الذهب إلى فضاء لوحاتها المسكونة بالنسوة، وحيث تتشكل الهالات شبه القدسية حول رؤوس مخلوقات أرضية هي أبعد ما تكون عن الروحانية المنفصمة عن الجسد ورغباته.

يسيطر على معظم اللوحات الألوان المعتقة فيعمق ذلك من الجوّ الأيقوني ويزيد الإلتباس ما بين الظاهري والباطني، بين الطفولي والنضج الجسدي والنفسي. في عدد من اللوحات ترسم رانيا كرباج طفلة بين ذراعي امرأة. المميز في تلك اللوحات أن الطفلة الرقيقة الملامح لا تبدو وكأنها ابنة لإحدى النسوة ولكن امرأة قيد التكوين أو والدة للمرأة التي تحتضنها!

أما الرجل في لوحة رانيا كرباج هو طيف للمرأة، وليد نظرتها. لا أكثر ولا أقل.

يذكر أن الفنانة هي من مدينة حلب السورية المشهورة بالأيقونة التي تملك حضورا مهماً في تاريخ الفن المشرقي المسيحي. لعل ذلك ما جعل الفنانة قادرة على مزج التاريخ بحاضر ما زال يحتفظ بشعريته وغموضه بالرغم من المآسي التي يمر بها.

رانيا كرباج هي شاعرة أيضا ولديها عدة دواوين نذكر منها "وصايا العطر"،"أرض وورد" و"يدي ملطخة بالحب". دوواين تتكلم عن الحياة والحب والأمل. تؤكد الفنانة أن الفن والشعر بالنسبة لها يتكاملان ويرتقيان إلى لحظة ابداعية واحدة هي الأكثر صفاء والأقدر على التعبير عن ما هو أساسي عند كل انسان. تعتبر كرباج أن كل المصائب التي يتعرض لها البشر وكل الجرائم التي يرتكبها الناس بحق بعضهم البعض انما هي نتيجة "أفكارنا المشوشة، والمشوهة عن الحياة". يبقى الفن بالنسبة لها لصيقا بالشعر وتردّ الإبداع مهما اختلفت تجلياته إلى "هذا الحراك المستمر الذي أحيانا لا يكتفي بكلمة ويبحث عن تجسد جديد في الخطوط والألوان، ومن ثم يعود ليجد في القصيدة عالماً مرناً يعينه على نسج قدر ما يشتهي من صور وأفكار. هذا الحراك الذي لا يكتفي إلا باستحضار الكل ومن ثم القفز فوق الكلّ، هو الأصل الذي يتفرع منه أي عمل ابداعي".


يستمر المعرض حتى 30 من تشرين الثاني الجاري.


 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها