الخميس 2014/08/28

آخر تحديث: 14:28 (بيروت)

ايناريتو وفيلمه عن كواليس التمثيل.. مفاجأة "البندقية"

increase حجم الخط decrease
اليخاندرو غونزاليث ايناريتو أحدث مفاجأة كبيرة أمس بجديده "الرجل الطير" (Birdman) خلال افتتاح الدورة الـ71 لمهرجان البندقية أو "معرض الفنّ السينمائي"، كما هو معروف رسمياً. النقاد رحبوا والجمهور صفق والكل بدا متحمساً لهذه التحفة الفنية التي تعيد المخرج المكسيكي الكبير (51 عاماً) الى الضوء، لا بل ترفع من شأنه وتحسن موقعه كواحد من أهم مبتكري الأشكال السردية في السينما المعاصرة.

"بيردمان ــ فضيلة الجهل غير المتوقعة"، فيلم افتتاح مهرجان البندقية والمشارك في مسابقته، خامس أعمال ايناريتو الذي انطلق العام 2000 بفيلم "أموريس بيروس"، باكورته التي طرحت نمطاً مختلفاً في سرد حكايات متداخلة متشظية منفصلة عن بعضها البعض ومتلازمة في الحين نفسه، تجتمع حول واقع واحد وتتشارك حقيقة واحدة. من فيلم الى آخر، زادت راديكالية ايناريتو، وتفاقم حسه الابتكاري، وتضاعف طموحه التجريبي وتعززت شخصيته. ذروة هذا كله: "بيردمان" الذي يجمع بين البسيكولوجي والمحاكاة الهوليوودية. بين فيلم يجري معظم أحداثه بين جدران كواليس مسرح يقدم لنا باعتباره برودواي، والانتاج الضخم الذي يستعين بالمؤثرات البصرية والصوتية لاشاعة حالة من الابهار.

في البدء، هناك شخصية الممثل التي يضطلع بدورها مايكل كيتون. كيتون، نجم الصف الثاني، الرجل الذي ادى دور بروس واين في "باتمان" للمخرج تيم برتون، هل مَن يعيره اهتماماً اليوم؟ شأن كيتون في الحياة شأن الشخصية التي يجسدها في "بيردمان": فنان تراجع حضوره في الفنّ والحياة... والألق! صاحب "ايغو" متضخم سيجد نفسه فجأة أمام امتحانات جديدة مع استعداده لتقديم قراءة جديدة لمسرحية ريموند كارفر "ما نتحدث عنه عندما نتحدث عن الحب". ووصول أحد الممثلين النجوم لمشاركته المسرحية (ادوارد نورتون)، سيثير فيه أسئلة متنوعة وصولاً الى الانهيار والسقوط الكبيرين. إنها لعبة مرايا لا أحد سيغادرها سالماً.

أولاً، لا بد من الإشارة الى أن مزايا الفيلم لا تنحصر في الموضوع، بل تشمل الأبعاد التقنية والجمالية والمحض سينمائية. ايمانويل لوبيزكي، الذي تولى إضاءة آخر أفلام المعلم تيرينس ماليك، يقدم هنا تحدياً تصويرياً سيسجل في التاريخ. ذلك ان الشعور الذي ينم عن المشاهدة هو ان الفيلم مصوَّر بلقطة واحدة وباستمرارية تجعل الأماكن تتخاطب والأزمنة تتداخل. لكن هذه الخدعة المونتاجية والتصويرية ليست في الحقيقة سوى وهم بصري بديع ندين بها لثلاثة: ايناريتو ولوبيزكي ومونتير الفيلم. بهذه التقنية، اراد ايناريتو ان يقطع مع الاسلوب السردي الذي صنع مجده وتحول ظاهرة يقلدها الجميع، ونعني به الاطار الحكائي المتشظي، الى متتاليات يتوالد بعضها من البعض الآخر. وقد تكون كلمته أثناء المؤتمر الصحافي أكثر قدرة على تلخيص ما هو عليه ايناريتو اليوم: "بعد مجموعة أفلام توابل مكسيكية، كان هذا الفيلم عندي بمثابة حلويات".

اليوم الأول للمهرجان الذي يستمر حتى 6 أيلول/سبتمبر المقبل، كان حافلاً بالمواقف السياسية المعلنة والصريحة مع مشاركة محسن مخملباف بفيلمه "الرئيس" في مسابقة "أوريزونتي". المخرج الايراني استفاد من وجوده هنا كي يناشد الضمائر بخطاب حول القمع في الشرق الأوسط، من دون ان يحصر خطابه في بلاده ايران. تكلم عن الثورة السورية والمستنقع العراقي. وأسف على حال الفنان الذي يكون بعيداً من الوطن، كحاله، هو المُستبعد عن ايران منذ أكثر من عقد. قال إن الديكتاتورية شيء مرعب من بعيد، لكنها ايضاً ذات وجه مضحك، إذا اقتربنا منه، رأيناه.

في رأي مخملباف، العنف لا يتولد فقط من السلطة الحاكمة، بل من الحركات الثورية المعارضة للسطلة التي نشأت في كنف الأنظمة الحاكمة في منطقتنا، حدّ انها باتت تشبهها. طوال ساعتين من الزمن، نتابع في "الرئيس"، مغامرات عجوز كان رئيساً والآن اصبح متشرداً يبحث عن سبيل للافلات من الثوار الذين احكموا قبضتهم على البلاد. يرافقه في رحلته المضنية حفيده الصغير الذي نراه، في بداية الفيلم، يتعلم من جده الطاغية كيف يقطع التيار الكهربائي عن المدينة وناسها، وكيف يفعل ذك، هكذا، من دون مبرر، فقط لالحاق الأذى بالشعب. مشهد يتخطى المنطق.

تجري الأحداث في بلاد وهمية. لا يهتم مخملباف بأن يغمز من هذه القناة او تلك، ولا يعير المسميات اي اهتمام. هدفه الارتقاء بحكاية من سياقها المحلي الى العالمية. اياً يكن، ليس "الرئيس" الذي صوره في جورجيا بموازنة ضئيلة، الفيلم الذي يمكن ارضاء انصار مخرج من عيار مخملباف. جديده ليس فيلماً مقنعاً كامل الأوصاف السينمائية، ولوّ ان مسألة الاقناع تتراجع أهميتها كلما تقدم الفيلم الى الامام، ليصبح خطاب المخرج (ما يريد ايصاله من فيلم كهذا) هو القضية الاساس.

55 فيلماً تُعرض هذا العام في البندقية ضمن التشكيلة الرسمية، ما عدا الأفلام الكثيرة التي تشق طريقها الى الاقسام الموازية. بعضها لسينمائيين كبار، مثل الأميركي الايطالي ابيل فيرارا، الذي يقدم فيلماً عن آخر يوم في حياة بازوليني قبل مقتله (1975). في جوار المكرسين، هناك اسماء جديدة يراهن عليها المدير الفني ألبرتو باربيرا في ثالث دورة يتسلمها، كما هي الحال مع فيلم "سيفاس"، باكورة المخرج التركي الشاب كانّ مودجسيه. أما رئاسة لجنة التحكيم فأسندت الى المؤلف الفرنسي ألكسندر دبلا الذي سيقوم هو ورفاقه في اللجنة بمشاهدة 20 فيلماً، واختيار المخرج الذي سيرونه اهلاً بـ"الأسد الذهب". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها