الثلاثاء 2014/10/21

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

غسان سلهب الباحث عن الكيمياء!

الثلاثاء 2014/10/21
increase حجم الخط decrease
يعتبر غسان سلهب انه من السخافة الشكوى باستمرار عن ظروف الانتاج، اذ يعود الى المخرج أن "يقلع شوكه بيده"، ويعثر على من يريحه من هذه الدوامة. السينمائي اللبناني الذي يجول على المهرجانات حالياً بفيلمه البديع "الوادي" (عُرض في مهرجان تورونتو وسيُعرض بعد أيام في مهرجان أبوظبي)، صرّح ذات مرة ان الحرية لا تعني أن تقول "أنا حرّ وطز على الباقي!"، فإذا لم ينشأ اهتمام متبادل بين المنتج والمخرج، فالأفضل الا يتواصل العمل بينهما.

بالنسبة إليه، بعض المنتجين مزعجون، ومنهم مَن لا يفكر في منطق الفيلم انما في منطق العرض والطلب. "المشكلة انهم لا يجازفون. أفلامنا ناطقة بالعربية وبلا نجوم. فيها قدر من الانتحار الفني وتجرب طرقاً سينمائية بديلة عما هو سائد. وهذا كله لا يسهل عملية تمويلها". ورغم هذا الواقع، يصر سلهب ألا يتغير اسلوبه في العمل. هذا يعني أن أفلامه ستبقى ذات موازنة منخفضة جراء قناعة نهائية في هذا الشأن. لن تكون له طريقة أخرى في العمل، حتى وإن حصل على مبلغ مليوني دولار لصنع فيلم.

لسينما سلهب ابجدية خاصة تتغذى من لقطات بصرية بالغة الدلالات. يرمي نظرة مستهجنة وفاضحة على محيطه، مجسداً "حالة" بين ابناء جيله من السينمائيين. كثيراً ما يمضي في تخريب الحكاية بدلاً من بنائها، مزعزعاً مفاهيم المشاهدة التقليدية وباعثاً البهجة في قلوب المؤمنين بأن المُشاهد شريك اساسي في صناعة الفيلم.


"لست مهتماً برواية قصة بقدر اهتمامي باللغة السينمائية التي من شأنها التأسيس لعلاقة اخرى مع العالم والناس. هذه اللغة ليست وظيفتها ان تروي وحسب، علماً اني اتفهم السينما التي ترتكز على سرد قصة، لكن دعونا لا ننسى ان الحكاية شيء أبعد زمنياً من السينما، وليست في حاجة الى السينما. فمن يروي قصة يمكنه الاستغناء عن الصورة والصوت، لأنه يركب صورة وصوتا من دون ان نراهما. عادة، يرتاح المُشاهد الى الأفلام التي يتعرف بسرعة الى قواعدها. لا اميل الى وضع المفاتيح في تصرف المشاهد، رغم ان هذا النهج يجعلك تتواطأ مع ما تراه، لكنك في النهاية تبقى خارج الاطار. انا اريد ازعاجك، ليس بغاية الازعاج الغبي، بل لأني اريد اشراكك في الفيلم، وأن أريك كم أن البطل قريب منك، والى اي حدّ من الممكن ان يكون هذا الشخص انا أو أنت".

يجتهد سلهب لاعطاء المشهد حقه من الزمن كي يكتسب مفهوماً آخر. يقول: "عندما تدخل في حوار مع لوحة تشاهدها معلقة على جدار معرض، تستطيع ان ترى أكثر من لوحة. حتى الوحدات التصويرية لها علاقة عضوية في ما بينها. مقولة فلوبير تجسد الحالة التي اهدف الى الوصول اليها: "يكفي ان تنظر مطولاً في شيء، كي يصير هذا الشيء مثيراً للاهتمام". لا تنسَ انه اضافة الى كوني عربياً، فأنا افريقي ايضاً، اي أن لي وتيرتي الخاصة التي تصطدم احياناً مع الايقاع العصري الذي يتطلب وجود 152 وحدة تصويرية في الدقيقة الوحيدة. أبحث عن اللقطة التي تطلّ على العالم. ما أهدف اليه قد يكون شديد الطموح، لكن اسمحوا لي ان اكون طموحاً على الاقل!".

بالنسبة إلى سلهب الحياة أشبه بالتراجيديا. يرى انه إذا قبِل الانسان بفكرة ان الحياة مأسوية فحسب، ففي ذلك الوقت يستطيع رؤية النور من داخل الظلام. المشكلة تأتي عندما يرفض المُشاهد التقيد بهذه الشروط، ويرغب في رسالة امل مجانية. عندئذ، سيتلقى الفيلم كـ"شيء مرعب". "نحن نعيش في منطقة لا تنقصها المآسي، لكني لا أحكم على هذا الواقع. اكتفي برمي نظرتي الخاصة عليه، وربما تكون نظرتي مخالفة لما يراه الآخرون. ما انجزه هو عمل سينمائي، ونعلم جيداً ان السينما ترتكز على النظرة".

خلافاً لما يُعتقد، يعمل سلهب كثيراً على جلب المشاهد، شرط ان يقبل بأن يسلم نفسه، ولو جزئياً. "مَن يؤمن اليوم ان السينما بحث فكري وفني متعدد الوجهة، هو من الأقلية. كيف نروي قصة؟ هذا هو السؤال الأبرز الموجه الى السينمائيين في عصرنا هذا، لكن هذا الرفض في الاقتراب من ضفاف جديدة يشكل ظاهرة عالمية لا تنحصر بالبلاد العربية فحسب. لا ألعب "الغميضة" مع المشاهد. ولا أرى ان افلامي كلها مبنية على شكل "بازل"، لأن قطع "البازل" في النهاية تتركب. هنا، ينقصنا الكثير من القطع لتجميع اللوحة. هدفي لا يتمثل في اضاعة المُشاهد، بل في منعه من ان يسبق الفيلم، أو يتذاكى عليه، وبالتالي أن يقبل هذه الرحلة التي يقترحها الفيلم عليه. أحاول الا انجز افلاماً تشبه السندويش: تأكله وينتهي الأمر. اسعى الى توليد حالة من الكيمياء بيني وبين المُشاهد. اريد من افلامي ان تترك فيه أثراً عميقاً".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها