الجمعة 2014/12/19

آخر تحديث: 13:37 (بيروت)

زينة الحلبي وكسر أيقونة أم كلثوم أدبياً

الجمعة 2014/12/19
زينة الحلبي وكسر أيقونة أم كلثوم أدبياً
عيّنت الحلبي وجه التقاطع بين المنظورات الثلاثة، إذ تستوي جميعها على نقد أحادية السردية الناصرية
increase حجم الخط decrease

حملت "أم كلثوم" نظام عبد الناصر صوتاً وصورةً، غناءً وظهوراً. أيقنها مثلما أيقنته، مدّها بالتعالي، ومدّته بالقوة. مقايضة التكريس بالترسيخ بينهما ليست مجهولة، ومبادلة الولاء بالذيوع أيضاً. كل ذلك، وغيره، حوّل المطربة إلى كائن ترداد، بوصفه ضرباً من ضروب الإبقاء على حال دون آخر، معطوفاً على رفع الأصالة لدرء أي نافر أو ناتئ موسيقي، أو فني على العموم. أم كلثوم توازي عبد الناصر، وتعادله في السلطة والحضور بين المستمعين-الجماهير، لذا، لا أحد يقدر على التطرق لها سوى مدحاً، أو تستراً على دورها، أو وظيفتها ربما. لكن، في الواقع، قانون الـ"لا أحد" هذا سرعان ما اختُرق، وبات موضوعه مكسوراً في نصوص كتّاب ثلاثة، روائيَين وشاعر، عارضوا الناصرية، وجابهوا أيقوناته، وفي مقدمتهم "كوكب الشرق" فاطمة ابراهيم السيد البلتاجي.

من هنا، ألقت الأكاديمة المتخصصة في الأدب العربي الحديث، زينة الحلبي، محاضرتها في الجامعة الأميركية في بيروت (الأربعاء الماضي)، وتناولت خلالها النقد، الذي وجهه كل من الروائي الفرانكوفوني ألبير قصيري، والأنغلوفوني وجيه غالي، والشاعر أحمد فؤاد نجم، إلى أم كلثوم، بالإنطلاق من علاقتها مع النظام الناصري. استندت الحلبي إلى نصوص المذكورين، بدءاً برواية "العنف والسخرية" لقصيري، التي أطلق فيها إسم "أم خلدون" على "سيدة الغناء العربي"، واصفاً إياها بالعجوز السمينة، ومشبهاً إياها بالمومياء الفرعونية. ويُرد التشبيه الأخير إلى التصويرات، أو الملصقات، التي تظهر فيها أم كلثوم وخلفها الأهرامات، كما لو أنها واحدة منها. فهي تثبت الهوية الوطنية على أصل حضاري، مثلما تصعدها إلى الأعلى، وتصون المسافة بينهما بقدّها وصوتها، مهيئةً إياها لتصبح مكمناً سلطوياً، من الملك فاروق حتى أنور السادات.

بنظرته السينيكية، ينتقد قصيري أم كلثوم، أما وجيه غالي، في روايته الوحيدة، والشبه بيوغرافية، "بيرة في نادي البلياردو"، فيذكر المطربة على لسان بطله السردي، رام، في حوار مع عمته المتكلمة للفرنسية. إذ لم تكن تفهم الكلمات، التي تغنيها أم كلثوم، في حين يواصل الشاب الماركسي الإستماع إليها. ثمة، في الحوار بين رام وعمته، إشارة نقدية إلى "كوكب الشرق"، بالإرتكاز على العلاقة بين الأصالة العربية والكوزموبولتية، بين الهوية، التي أسس لها النظام الناصري، وتلك، التي تنشدها الأرستقراطية.

على أن الحلبي تنتقل من الروايتين إلى موقف أحمد فؤاد نجم من أم كلثوم في قصيدته المشهورة "كلب الست"، التي كتبها على إثر حادثة مهاجمة "فوكس"، كلب أم كلثوم أو "كلب الست"، للمواطن الفقير اسماعيل في منطقة الزمالك. تقدم المعتدى عليه بشكوى ضد المطربة، لكنه، خسرها بحجة "أن الخدمات التي قدمتها أم كلثوم للدولة كفيلة بأن تعفيها وكلبها من المسؤولية الجنائية". على هذا الأساس، كتب نجم قصيدته، متصرفاً في عبارة "إنت فين والحب فين"، لتستحيل "إنت فين والكلب فين، إنت قده يا اسماعين، طب دا كلب الست يا ابني، وإنت تطلع إبن مين؟". فالكلب أعظم شأناً من المعتدَى عليه، وذلك، لأن صاحبته هي "الست"، التي تعفيها الدولة من مسؤوليتها بسبب "خدماتها" الأيقونية.

بعد تحدثها عن النقد الموجه إلى أم كلثوم، والناصرية من خلفها، من قبل الكتّاب الثلاثة، كل بحسب موقعه لا سيما الطبقي، حاولت الحلبي تعيين وجه التقاطع بين المنظورات الثلاثة. إذ أنها تستوي جميعها على نقد السردية الناصرية، المتسمة بالأحادية، وذلك بتحطيم أيقونتها الفنية. فقصيري ينتقد "ثورية" النظام المزعومة، وغالي يظهر شوائب الهوية الوطنية المؤسسة على الأصالة، أما نجم فيتوجه بنقده إلى إشتراكية جمال عبد الناصر المزيفة. والجامع بين هؤلاء، غير موضوع النقد، هو كتابتهم بلغات غير العربية الفصحى، أي الفرنسية والإنكليزية والعامية على التوالي، والتي تبدو كأنها لغات القلّة، التي واجهت الأيقنة النظامية، وكشفت عن التصدعات والتعارضات في سرديتها الإيديولوجية، في "كوكب" الناصرية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها