الإثنين 2014/09/29

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

أيامنا الجميلة مع القاعدة!

الإثنين 2014/09/29
أيامنا الجميلة مع القاعدة!
من أعمال ريم البيات
increase حجم الخط decrease

يقول المؤرّخ الفرنسي بيار جان لويزار ما معناه أنّه "على نفسها جنت براقش"، غداة إعلان دولة فرنسا وبـ"نتعة" عزّ وشموخ دخولها الحرب على داعش. ولويزار المختصّ بالتاريخ المعاصر لبلدان المشرق والخليج كان أقام سنوات عديدة في لبنان وسوريا والعراق، وفي مصر، قبل أن يصبح مدير أبحاث في المركز القومي للبحوث العلميّة، ويتجّه إلى دراسات معمّقة للمجتمعات الإسلاميّة المعاصرة...

ليس هذا ما يميّز لويزار إذ في فرنسا، كما في غيرها من بلدان أوروبا وأميركا، وفرة غير مسبوقة من الباحثين والمختصّين والدارسين والمؤرّخين، والمحلّلين ذوي "المصادر" على اختلافها، يشرّحون مجتمعاتنا ويمحّصون في ما يعتريها قديما وحديثا، ثمّ يقدّمون الحلول والنصائح، لنا ولمسؤولي بلدانهم. لكن للويزار وزن خاص، وقيمة علميّة ترقى به عن غيره.
 المهم أنّ قرار دخول الحرب في الطليعة ردَّ للرئيس هولاند بضع نقاط– حوالى تسع في المئة - في الإستفتاءات حول شعبيّته التي وصلت حدّا من الدرك - سبعة في المئة من المؤيّدين - لم يعرفه أيّ رئيس قبله في تاريخ الجمهوريّة الخامسة أي منذ الحرب الثانية. الرجل صار إذا أمطرت تمطر على رأسه، أعني فعلا، ويخسر نقاطاً. لكنّ مسألة مؤازرته ببضع نقاط كانت ردّاً فوريّاً وعصبياً على ما تردّد عن الضلوع الكثيف لعدد من الشبّان الفرنسيين من أصول مختلفة - وهو الأعلى أوروبيا- في التنظيمات الإرهابيّة المحاربة في سوريا والعراق مع داعش. "داش" راح يقول هولاند لاستحالة لفظ حرف العين – وهي ماركة مسحوق غسيل- بعد أن نصحوه كثيراً بعدم تسمية "الدولة الإسلاميّة" لأنه كان يتحيّر فيقول متردّداً أحياناً "الإسلاموتيّة" أو ما شابه، ثمّ قيل له إنه من الأفضل الابتعاد تماماً عمّا يمت بأيّة صلة للـ"إسلام".. نظراً للحساسيّات...

وبعيدا من الشفقة الحقيقيّة التي يشعر بها المرء حيال هذا الرجل العاثر الحظّ، لم يُبد الفرنسيّون أيّة حماسة أو فخر قومي لتزعّم فرنسا الحرب ضدّ "الجهاديين" في دولة الخلافة الإسلاميّة... ثمّ شيئاً فشيئاً أخذوا يتحقّقون من تبعات ذهابهم إلى الحرب، ولم يعد مهمّا ما يصدر عن سياسييهم الموالين للحكم من تحليل متفائل، يولي الأهميّة للجانب الأخلاقي ولمكانة فرنسا بين الأمم... ولذا حين قال بيار جان لويزار إنّ فرنسا وقعت في الفخ الذي استدعتها إليه مسرحيّات قطعُ الرؤوس المصوّرة، وإنّها جلبت حرب الإرهابيين إلى أرضها –  تماما كما تريد داعش، أي توسيع معركتها لتعبر الحدود كافّة –مؤكّدا، أي لويزار، بأنّ رفع حال التأهّب الأمني لن يفيد في شيء بالمرّة... بدا ما يقوله الرجل في غاية المنطق والصدقيّة. ففي السابق كان للويزار، ومنذ حرب الخليج الأولى، كتابات وتحليلات وأبحاث تحقّق ما ذهبت إليه من توقّعات وكأنّها نبوءات!

مساء الأربعاء الماضي تحوّلت خشية الفرنسيين المتزايدة إلى ما هو أبعد. وقع خبر إعدام المواطن الفرنسي هيرفي غورديل في الجزائر بقطع الرأس، حوالى الخامسة مساء. بدت حركة الشارع بطيئة جداً، والهواء أكثر برودة في هذا الخريف المتأخّر. ثمّ جاء من شرح لنا على الراديوهات وأقنية التلفزة كم أن ملحقات داعش أكثر إجراماً من القاعدة. فهي لا تُمهل في الزمن المدّة التي كانت تمهلها القاعدة لحكومات الرهائن. ولأن لا مجال للتفاوض يبدو أن الإعدام يحصل قبل بث الفيديو وحتّى يتسنّى للقتلة الإختفاء. إنّهم لا يفاوضون، قال الرجل، لأنّ ما يريدون موجّه لداعش، كورقة اعتماد.

القاعدة لم تكن تصوّر، أو تبشّر على شبكات التواصل، من تويتر وفيسبوك، بالهجوميّة السافرة التي تعتمدها داعش. فالقاعدة لم تعلن حتّى اليوم صراحة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. مثلا، أضاف الخبير...
بدا لنا أنّ المواطن الفرنسي سيترحّم فصاعداً على حنان القاعدة. القاعدة صارت تلك الأيّام الماضية الجميلة! صارت القصّة معقّدة...

حسناً. الآن، ماذا نفعل نحن؟ أعني نحن الذين نعيش في أرض براقش التي جنت على نفسها وقد اعتقدنا أنّنا هربنا من أرض الدواعش؟ إن كانت داعش ستردّ باستهداف الكفّار في عقر دارهم، وفرنسا في المقدّمة، ربما صار من الحكمة أن نهرب في الإتجاه المعاكس كي لا يحسبونا من بين الكفّار؟ طبعا لن يكون ذلك سهلا، لكنّ  "الجيوب والخلايا النائمة" و "الفيالق الخلفيّة" و"دساكر المرابطين في الثغور" ما زال عددها يتكاثر وقوّتها تتعاظم بحسب ما تكشف عمليّات قوى الأمن الفرنسيّة كلّ صباح من صباحات المداهمات.. وهؤلاء سيهبّون لملاقاة أولئك الذين ارتأوا أن يكونوا في طلائع الجيوش، فذهبوا وتجنّدوا في أرض المعارك، وعددهم بات يفوق الألف فرنسي من شباب و... بنات، وهم على تزايد مضطرد.

إذن أن يقضي الواحد منّا في تفجير على أرض الكفّار مسألة وارد حصولها، وربما قريباً... فكيف نرثي لأنفسنا في موت من هذا "النوع" السّريالي، بعد أن كنّا هربنا من ميتات بالغلط، بسيّارة مفخّخة، أو عبوة قصدت أحدهم، واعتبرنا أننا "زمطنا" من ميتات العبث؟!
والله القصّة شديدة التعقيد...

increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب