الأربعاء 2014/09/17

آخر تحديث: 14:14 (بيروت)

الورشة الأدبية بين مصر ولبنان... هل تخلق مُبعدين؟

الأربعاء 2014/09/17
الورشة الأدبية بين مصر ولبنان... هل تخلق مُبعدين؟
شبان وشابات "حكايات المعادي" يحتفلون اليوم بكتابهم
increase حجم الخط decrease

لا شك أن سؤال الكتابة وماهيتها والمفاهيم المرتبطة بها، من الإشكالات التاريخية التي لا تنتهي، من دون أن يدعي أحد أنه يملك الإجابة الحاسمة عن كل ما يتعلق بها. وإشكال الكتابة بوصفها فعلا فردياً يقع تحت طائلة الالتباس مع الظاهرة التي فرضت نفسها مؤخراً: الورش الإبداعية. ورشة الكتابة هي طاولة عمل لمجموعة من الأشخاص يجمعهم طموح "الالتزام" مع شخص يفترض أنه "الأكثر خبرة" في هذه العملية، لوضع تجارب هؤلاء الأشخاص على مسارات واضحة للإنجاز، وهي الظاهرة التي يعرفها الكثيرون منذ أربعة عقود، مع ورش كتابة السيناريو والتي يستفيد خلالها السيناريست من الأفكار الخلاقة لمجموعة من الشباب الطموحين على طاولته.

غير أن ورش الكتابة القصصية والروائية، بل والشعرية، سمة جديدة. ولعل أشهر الورش التي أجريت في مصر في بدايات الألفية الثالثة هي التي قادها الكاتب ياسر عبد اللطيف في مكتبة "الكتب خان" وأنتجت كتاباً قصصياً عنوانه "السابعة والنصف مساء الأربعاء" إضافة إلى إشرافه على مجموعة من التجارب الروائية أشهرها رواية الكاتب محمد ربيع "كوكب عنبر".

يقول عبد اللطيف لـ"المدن": كانت تجربتي شديدة الإمتاع، وقادتني إلى التعرف إلى كُتّاب موهوبين من الجيل الأصغر سناً. لم أعتمد طريقة التمرينات الكتابية المتبعة في ورش الكتابة على الطريقة الأميركية، وإنما كنت أعمل دائماً مع المتدربين على نص ينجزونه بالفعل أثناء مدة الورشة، سواء أكان ذلك قصة قصيرة أم رواية، ويكون دوري أثناء كتابتهم للنص هو المتابعة، وشحذ قدراتهم، عبر المناقشات، على تقويم ما يكتبونه والتجرؤ على الحذف والاستبعاد، واقتراح كيفية مد خطوط السرد في اتجاهات جديدة، مع فحص إمكانات هذه الاتجاهات كل على حدة واختيار الأنسب والأجمل من بينها".

ويتابع، حول إشكالات الكتابة الفردية والعمل الجماعي: "تظل الكتابة عملا فردياً وليس جَماعياً، دور الجماعة هو تقديم الاقتراحات والمناقشة، وفي النهاية الكاتب هو من يكتب وهو من يختار.. وبالنسبة إلى مسألة التمويل، فقد عملت في الورشة بشكل تطوعي ولمتعتي الخاصة و"الكتب خان" وفرت لنا المكان وتبنت طبع نتاجات الورشة".

أما الكاتب محمد ربيع فيقول: "ورشة ياسر عبد اللطيف كانت بداية طريق الكتابة بالنسبة لي. الورشة التي عُقدت في مكتبة "الكتب خان" أفادتني كثيرًا، وكان ياسر ذكيًا فلم يقيِّد المشاركين بقواعد الكتابة وما إلى ذلك، وإنما كان يشير إلى الطريق فقط. كانت الورشة فرصة مناسبة لعرض الأعمال على الآخرين، وأقصد هنا عرضها على زملاء جدد لا أعرف عنهم إلا القليل. وهو ما اعتدتُ عليه بعد ذلك وصرت أفعله مع كل عمل، الفارق أني أعرض الأعمال الآن على الأصدقاء فقط، بغرض اكتشاف العيوب الموجودة في النصوص. هناك فائدة أخرى ربما تتبع السابقة، وهي أنني أدركت أن لا قداسة للنص، بل ويمكن تجاهله أو تناسيه إذا كان على قدر كبير من السوء. وبالطبع لا مانع من إجراء تعديلات أو حذف أجزاء إذا كان ذلك ضروريًا. الكتابة ليسه عملًا خاصًا أو حميميًا إلا بمقدار صغير، وإلا لمَ ننشر ما نكتب؟ يبقى أن الورشة ضبطت إيقاع الكتابة، كان المطلوب أن نكتب جزءًا من النص وأن نقرأه على الحاضرين كل أسبوع، وهو ما تطلَّب مني مواظبة ومجهودًا إلى جانب الوقت الذي لا يتوفر دائماً. لكن بعد الورشة ومع مرور الوقت أدركت أن المواظبة على الكتابة هي أسهل الطرق لإتمامها".

مكتبة "الكتب خان" استمرت على هذا النهج. فبعد ورشتي ياسر عبد اللطيف، نُظّمت ورشة للروائي والشاعر يوسف رخا، أنتجت رواية ومجموعة قصصية والكثير من القصائد، ثم –أخيرا- ورشة محمد خير  التي نتج عنها في الأيام الماضية كتاب "حكايات المعادي". في مقدمة الكتاب يفصل خير رأيه في الورشة: "في البداية، أطلقنا على الورشة مؤقتا الاسم الذي كان يشغلني موضوعه "القصة: الفكرة والحكاية"، وخلال شهرين، نقّبنا عن بذور الحكايات، رويناها وجرّبناها وراقبناها تنمو وتكبر وتتشابك، استضفنا الشخصيات المتخيّلة وناقشنا دوافعها وانفعالاتها، نادينا بعضنا سهوًا بأسماء الشخصيات، وضحكنا كثيرًا، واعترفت لنفسي بأنني كنت أستمتع بتلك الأيام في "الكتب خان" بين نهايات الشتاء وبدايات صيف 2012. تتعدد بالطبع التجارب القصصية التي تحاول اكتشاف جديد النصّ في قديمه، وقد ظل كبيرنا نجيب محفوظ يستكشف حارته الإنسانية إلى نهاية حياته. أما زملاؤنا السبعة الآخرون فقد أمدّونا بحكاياتهم لحسن الحظ، تجدها هنا في هذا الكتاب، وهي إلى حد بعيد تعكس شخصياتهم الشابة -لا مواهبهم فحسب- كما تعرفت إليها في اجتماعاتنا التي أحالتنا أصدقاء، وأخيرًا، تبقى الكتابة أولاً وأخيرًا عملاً فرديًّا، تلك حقيقة لا تنفيها الورشة، لكن لا شيء يمنع أن نستمتع بالتجربة".

هذا هو حال الورشة الأدبية في مصر، والتي تجمعها رغبة أصحابها في التواصل مع تجارب أكثر حداثة، من دون مقابل مادي أو رعاية مادية مباشرة من أحدى الهيئات.

غير أن الحال في لبنان، ومع مؤسسة آفاق ومحترف "كيف تكتب رواية؟" الذي تديره الروائية اللبنانية نجوى بركات يختلف قليلا، لا في مسار الورشة، لكن في الرعاية والدعم المادي، والذي يعطي فرصة لبعض التجارب الشابة في عدم الانشغال بغير المشروع الروائي. يقول أحد الشباب الثمانية المشاركين في ورشة بركات لـ"المدن"، رفض الإفصاح عن اسمه لرغبة بركات نفسها: "لم أجرب ورشاً أخرى قبل ورشة آفاق، لكن الاختلاف الجوهري الذي أراه في إتاحة فرص السفر لأماكن الطبيعة فيها تساعد على تصفية الذهن، الورش في مصر أعتقد تحدثك عن الكتابة بشكل مجرد، ورشة بركات عبارة عن العمل مباشرة على المشروع الخاص من دون التحدث عن فنيات كتابية مجردة.. نجوى جلست بشكل منفرد مع كل واحد منا... في الحقيقة كانت فرصة رائعة للالتزام بمشروعي الروائي، ليس هذا فحسب بل سأستغل ما استفدته منها في كتاباتي المقبلة".

تبدو التفاصيل أكثر سهولة مع الدعم المؤسسي لمثل هذه التجارب، ولعلها تحتاج أكثر من مجرد الشغف لتخرج منها مواهب كبيرة تحتاج بعض الخبرة.


دعت "ورشة الكتابة الابداعية" الى الاحتفال بصدور الكتاب الجديد "حكايات المعادي" -قصص- الذي تم إنجازه في ورشة الكتابة الإبداعية، "القصة: الفكرة والحكاية"، باشراف الكاتب محمد خير ورعاية "الكتب خان" للنشر، ومشاركة مجموعة الكتاب الشباب: عبدالله كمال، ريهام سعيد، يمني خطاب، معاذ شهاب، نهال الشريف، سارة عبدالناصر وباسم عبدالحليم. وذلك، السابعة والنصف مساء اليوم الأربعاء في مقر "الكتب خان" بالقاهرة.

increase حجم الخط decrease