الجمعة 2015/05/29

آخر تحديث: 13:22 (بيروت)

رجل الملابسات الغامضة (5): مخالب الدهشة

الجمعة 2015/05/29
رجل الملابسات الغامضة (5): مخالب الدهشة
قلبي يخفق، يخفق بشدة، وبقربي، تقف (إيناس) ضاحكةً على منظري.
increase حجم الخط decrease
بعد توطئة سلسلة "رجل الملابسات الغامضة"، التي ترتكز على سرد متخيل، يحاكي روايات الجيب المصرية واللبنانية، من ناحية الأسلوب والشكل والشخصيات، خصوصاً بطلها (كمال أدهم)... وبعد الحلقة الأولى والثانية  والثالثة، والرابعة من السلسلة، هنا الحلقة الخامسة، على أن تُنشر حلقاتها أسبوعياً، كل يوم جمعة.

رسم: ترايسي شهوان.

تحذير: يرجى الإستماع إلى الموسيقى المرافقة- اختارها جاد طالب.


وضعوني على الخشبة، الأضواء مسلطة عليّ، الموسيقى مرتفعة، أسمع كلاما مزدحماً بالعبارات، لا أعرف ماذا تعني. لغة أجهلها، وأصوات أناس كُثر. بالكاد أفتح عيني، إنها نهايتي، التي ستخرجني من كل ما سبقها، وستعينني على فك السلسلة المعدنية، التي قيدتني (سارة) بها. قلبي يخفق، يخفق بشدة، وبقربي، تقف (إيناس) ضاحكةً على منظري. الدم ينزف من بطني، دم أحمر، ينعكس الضوء عليه، فيزول لونه، دم على الخشبة، والمقاعد أمامي فارغة. ممثل يموت، وحبيبته تسخر منه، يا له من احتضار غير موفق.

دنت (إيناس) من (كمال)، وبقدمها، ركلته على وجهه، وصرخت:

-هل تظن أنك ستفلت من فعلتك يا وغد؟

أدار البطل وجهه، ولم ينظر إليها، لا يرغب في رؤيتها غاضبةً. ركلته مرةً أخرى وبقوة.

-هل تظن أنني لا أعرف أنك قاتل أمي، والآن تريد أن تخطفني لتقتلني مثلها، هل تظن؟

ركز (كمال) عينيه أمامه، شعر بألم حاد في جمجمته، لم يجِب، لقد قرر أن يموت بلا أن يفهم السبب، وبلا أن ينبس ببنت شفة، هكذا، بصمت وسكينة.

من الكواليس، دخل عدد من الأشخاص، بينهم (تامر حمدي)، المحقق، وبعض الحراس. أحاطوا بالبطل، وعلت ضحكاتهم، وبدأ كل منهم، وبدوره، يوجه كلماته النابية إليه. قال المحقق: "سنعذبه قليلاً قبل أن نرديه جثةً"، رد عليه والد (إيناس):"سأقتلع عينيه مثلما اقتلع عينيّ زوجتي، أتركه لي أيها المحقق، أترك لي هذا الأحمق أيها المحقق".

بدأت حفلة التعذيب، و(كمال) مُصرّ على الموت، يستعجله، أما هم فيريدون تأجيل منيّته كي يعاني أكثر فأكثر. ضربوه بالمطارق على مفاصله العظمية، مسّوه بالكهرباء، وأحد الحراس أطلق رصاصة على رجله، والدم صار بركة، لا يسبح فيها سوى البطل. (إيناس) تضحك، (سارة) بجاورها ساكتة، و(تامر حمدي)، في تلك اللحظات، كان يفكر في أنه يعاقب كل فقراء مدينته بتعذيب (كمال).

يا للأسف، الأبطال أحياناً يخسرون أنفسهم، ويظلون على لادرايتهم ببطولتهم.

متُّ، توقف قلبي عن الخفقان، دمي خرج كله مني. أغلقت عيني، ورحت في غيبوبةٍ، لا أحد بمقدوره الاستيقاظ منها. متُّ، اعتقدوا هكذا، واستمروا في ضحكهم، حتى أن (إيناس) سألت والدها إن كانت تستطيع القضاء عليّ بضربتها القاضية، بـ"كعب" السلاح، الذي يحمله أحد الحراس.

-لا يا ابنتي، أنا لا أشجعك على العنف، عندما ندفن هذا الوغد، سنكمل حياتنا مثلما كانت قبل ظهوره.

حمل المرافقون جثة (كمال)، وضعوها في سيارتهم الكاديلاك، ذهبوا بها إلى أقرب قطعة أرض خالية، رموها فيها، ورحلوا. بالنسبة لهم، انتهوا منه، بالنسبة له، ولد بموته الآن.

لم أفكر يوماً في الإنتقام، لكنني، عوقبت على جريمة لم أرتكبها، سأنتقم لمرة واحدة فقط، من بعدها، سأستأنف حياتي، كم أشتاق إلى سيارتي "التويوتا"، ودوائي المخدر، وهيامي الليلي مع (سامي)، الذي كنت ألقبه بـ(أمير الفولفو)، كنا نذهب في مشوار، نتفرج خلاله على مشاة الأرصفة، نشتمهم فيشتموننا. كل هذا انتهى الآن، لكن، في حال عدت إلى الحياة من جديد، لن أكون بطلاً.

شعر (كمال) بجسم يضرب به، وبيد تمتد نحو وجهه، إلا أن أصابعها غير ثخينة، تمتد نحوه وتمسح دمه. لقد اقترب منه ذئب، لم يلتهمه، لأنه لم يكن جائعاً، حاول إيقاظه، فاستيقظ البطل وكله أوجاع. اندهش (كمال)، ما هذه المخالب، التي تلمع تحت ضوء القمر، وما أن حدق فيها حتى اختفت، واختفى حيوانها.

في أرض قاحلة، وتحت ليل حالك، وبعد تعذيبك، لا يمكنك سوى أن تفكر في الانتقام لنفسك المنهكة، لجسدك المسحوق. لا بد من إيقاف هؤلاء المجرمين، لا بد...

مشى (كمال) على الطريق، يلزمه سلاح، لينهي قصته، سينهيها بمخالبه.


الحلقة المقبلة: لحظة الانتقام

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها