الأحد 2015/03/29

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

"مارسيدس" هادي زكاك في DVD: قصة سيارة وعائلة ووطن

الأحد 2015/03/29
increase حجم الخط decrease
"60 عاماً من تاريخ لبنان المعاصر من خلال قصّة سيارة المارسيدس 180 وعائلتها الألمانية – اللبنانية. مارسيدس: قصة سيارة وعائلة ووطن"... هذا ما كُتب على غلاف فيلم "مارسيدس" للمخرج اللبناني هادي زكاك، والذي أُطلق الـ"دي.في.دي" الخاص به في "مسرح الجميزة" في بيروت قبل أيام، وبات متاحاً للمشاهدة المنزلية بعما كان حكراً على صالات المهرجانات.

استغنى المخرج في فيلمه هذا عن التعليق والمقابلات والشكل التلفزيوني، وتفاعل مع الأرشيف البصري والسمعي ومع الموسيقى والصورة ليروي الحكاية، حكاية بلد مليء بالتناقضات والعنف، ذاكرته مثقوبة وتاريخه لم يمضِ، من خلال السيارات الأشهر في هذا البلد.

بدأت القصة في أواخر الخمسينيات حين تركت سيارات مارسيدس ألمانيا وجاءت إلى لبنان، بعدما سمعت عن هذا البلد الذي التقى فيه "الشرق والغرب"، وتفاعلت فيه "عبقريتان"، "عبقرية الخالق وعبقرية الإنسان"، كما يقول صوتان شاعريان خارجان من الأرشيف، يثيران الضحك والحزن في آن. و"عمل عدد كبير منهم كتاكسي - سرفيس فيما أصبح البعض الآخر من وجهاء البلد (...) وكانت مارسيدس المدعبلة الأكثر شعبية"، وهي وحّدت جميع الطبقات وأصبحت لاحقاً "رمزاً للطبقة الكادحة".

عند اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، احترق بعضها، والبعض الآخر ذهب إلى الجبهات للقتال، وعدد منها شارك في التمثيل بجثث القتلى، فجال بهم في الشوارع، أو ساهم مع مقاتلين بتعذيب من هم من المقلب الآخر عبر ربطهم على الصندوق والتجوال بهم أو سحلهم. لكن سيارات أخرى انكبّت على مساعدة الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات، أو تحميل ما أمكن إنقاذه من أثاث الفارّين من ساحات الإشتباك، وأخرى سقطت اغتيالاً، "فيما كان الوجهاء يقيمون الحرب والسلام". وبين هذه المواقع وتلك، اشتركت سيارات المارسيدس بالشهادة على الجيوش المتعاقبة التي دخلت لبنان، واحتفلت بعد سنوات أيضاً بانسحابها منه.

في العام 1990، أعلن اللبنانيون انتهاء الحرب الأهلية رسمياً، ولم تغب سيارات المارسيدس عن الاحتفال بهذا الحدث، فشاركت في المسيرات المنظّمة على وقع إطلاق النار، والهتافات المؤيدة للرئيس السوري (الراحل) حافظ الأسد. ومع حلول السلام، "دخل معظم وجهاء عائلة مارسيدس مجال السياسة" مع ألقاب خاصة أبرزها "الشبح"، لكن المارسيدس عادت إلى دائرة الاستهداف مجدداً في العام 2005 مع موسم الاغتيالات السياسية.

في 68 دقيقة، وثّق هادي زكاك بشكل ساخر أهم الأحداث التي عاشها لبنان منذ أواخر الخمسينات إلى اليوم، ومحاولاً أيضاً استشراف ما سيكون حتى العام 2020.

"السخرية هي أفضل وسيلة لمعالجة إحباط الواقع. لجأتُ إليها في فيلميّ "درس في التاريخ" و"مارسيدس""، يقول زكاك لـ"المدن" بمناسبة إطلاق فيلمه "دي في دي". وقد جعله غوصه في البحث التاريخي عن لبنان وبيروت وأفلامه الوثائقية السابقة، "يكفر بالوضع وبالبشر" ويفضّل التعامل مع السيارات، التي اختارها شاهدة على العقود الأخيرة من تاريخ لبنان المضطرب.

وُلد زكاك العام 1974 في بيروت، وانتقل إلى الجبل عند اندلاع الحرب اللبنانية. عاد إليها العام 1992، ليدرس في معهد الدراسات السمعية والبصرية في الجامعة اليسوعية. ويتحدث عن "موقع الجامعة على خطّ التماس، ما جعلني أعيد اكتشاف المدينة وأبنيتها وجدرانها وما تحويه من أشياء. كان درساً في التاريخ بالنسبة لي ودرساً في السينما وتفاعلها مع الواقع، هذا في الوقت التي كانت المواد في الجامعة تركّز على مواضيع بعيدة ممّا هو مُعاش".

وكان قبل تخرّجه العام 97، أنجز زكاك كتابه الأول عن تاريخ السينما في لبنان من العام 1926 ولغاية العام 1996، "السينما اللبنانية: مسار سينما نحو المجهول". وبحثه جعله يكتشف الذاكرة المفقودة والسينما وإمكانية التأريخ من خلالها.

في العام 2000، أنجز فيلمه "بيروت، وجهات نظر"، بحث من خلاله عن صورة بيروت التي كانت تتبدّل بسرعة رهيبة، إذ أنه وخلال سنوات معدودة شهد على مدينة قديمة وأخرى جديدة جعلته يشعر بالغربة، وحاول البحث عن وجهها الآخذ في الاندثار من خلال علاقة فناّنين مثل جلال خوري وبرهان علوية وأحمد قعبور وغيرهم بها. "كان هذا الفيلم علاجاً لي". وألحقه بفيلم آخر (2003) عن "سينما الحرب في لبنان".

بدأ بعدها مرحلة جديدة في عمله تناولت هذه المرّة العلاقة بالأديان والطوائف، فعمل على مجموعة أشرطة وثائقية عن الأقباط في مصر، والشيعة بين إيران ولبنان، والمبشّرين الإنجليين. وثّق أيضاً للمرحلة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005، "حدث تاريخي من هذا النوع يجب تصويره" قال هادي، فكانت أفلامه الثلاثة "حرب السلام" و"أصداء سنية" و"أصداء شيعية".

بعد العام 2007، طغى الإحساس بالاحباط والهزيمة، كما أخبر، وقرّر في العام 2008 مقاومة هذه المشاعر التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية بالسخرية، فبدأ العمل على فيلم "مارسيدس" الذي أنهاه العام 2011. لكنه، قبل ذلك، أنجز فيلماً بعنوان "درس في التاريخ" تناول فيه كيفية تعليم مادة التاريخ في المدارس اللبنانية، وأنجز فيلمين إضافيين عن "التاكسيات"، "تاكسي بيروت" و"تاكسي صنعاء" الذي شكّل مناسبة له للتعاطي مع محيطه العربي كما قال.

بحث هادي المتواصل وإنتاجه الغزير، هو الذي يُدرّس في الجامعة اليسوعية منذ 17 عاماً مواد تتناول تاريخ السينما في لبنان والكتابة السينمائية والإخراج، أعطياه الطاقة لتحمّل واقع لا يُحتمل. ومن خلال السيارات، سيبقى يتفاعل في أعمال لاحقة مع مواضيع هي خلاصة لعمله الذي تناول التاريخ ولبنان وبيروت والطوائف: "في الفيلم، حتى المارسيدس تحوّلت إلى طائفة"، يختم زكاك مازحاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها