الثلاثاء 2015/03/03

آخر تحديث: 09:39 (بيروت)

"إبني" لإيران ريكليس... يفضح حياد اليسار الاسرائيلي الكاذب

الثلاثاء 2015/03/03
"إبني" لإيران ريكليس... يفضح حياد اليسار الاسرائيلي الكاذب
العرب لا يحضرون في الأدب الإسرائيلي إلا كقردة متوحشة ومهووسة بالجنس
increase حجم الخط decrease
 

تعرض الصالات الفرنسية حالياً الفيلم الإسرائيلي "إبني" للمخرج إيران ريكليس (Eran Riklis)، الذي يستلهم حبكته من روايتي "العرب يرقصون أيضاً" و"الشخص الثاني" للكاتب من عرب 48 سيد قشوع.

تدور أحداث الفيلم في ثمانينات القرن الماضي. يبدأ بالكوميديا الخشنة أو النيئة، ومنها ينزلق تدريجيا نحو التراجيديا. إياد مراهق لامع وتلميذ متفوق من عرب 48. أبوه، الفدائي السابق والمناضل في الحزب الشيوعي الفلسطيني، يقرر إرساله إلى مدرسة اسرائيلية مرموقة في القدس لأنه يريده أن يكون "أحسن من اليهود". المدرسة تقبله بفضل تفوقه ليصبح التلميذ العربي الأول في تاريخها. منذ البداية، يبدو كأن هناك اتفاقاً ضمنياً على كتم عروبته. التلاميذ والمعلمون يتظاهرون بعدم رؤيته ويتظاهر هو أنه غير موجود. يعطونه اسماً يتسم بكنية يهودية ويسلم به بعد فشل محاولة التصويب الأولى. يقع الإختيار عليه هو بالذات لتسميع الدروس التوراتية والتاريخ المزور عن الصراع العربي الإسرائيلي. يتعرف على فتاة في صفه ويقعان في غرام بعضهما بعضا، على ان الفتاة تصر على إخفاء علاقتهما. يتعرف كذلك على جوناثان المقعد والمصاب بداء عضال. في لقائهما الأول، يسأل إياد "هل ولدت هكذا؟"، فيجيبه جوناثان "وأنت، هل ولدت هكذا، عربي؟ أهو مرض معدٍ؟"، ثم يضحكان. منذ تلك اللحظة، تجمعهما الإعاقة، إعاقة جوناثان الجسدية بسبب مرضه مقابل إعاقة إياد الإجتماعية بسبب جذوره العربية. أم جوناثان تحتضن صديق ابنها الوحيد وبينما ينطفئ هذا الأخير ببطء، يأخذ إياد مكانه في البيت.



في مقاربته لقضية عرب 48، يتمايز ريكليس بوضوح عن السواد الأعظم من المخرجين الإسرائيليين الذين ينتهجون، وذلك في أحسن الأحوال، مقاربة الحياد الكاذب الذي يساوي بين الجلاد والضحية ويخدم بذلك البروباغاندا الإسرائيلية أكثر من الأفلام المنحازة صراحةً. الفيلم يفضح بالذات هذه الإزدواجية لدى اليسار الإسرائيلي. مثلاً، في بار طالبي، المغني اليساري يبدأ أغنيته المعادية للإحتلال والاستيطان بهذه الكلمات: "افتحي فخذيك أيتها الجدة لثمانية مقموعين عرب"، ثم يكمل لاحقاً: "النصر سيأتي من انتصابنا، من حيواناتنا المنوية". الأغنية "التقدمية" تصور العرب كمتوحشين مكبوتين، وتغمز من باب أن من يعارضون الاحتلال والاستيطان في اليسار الأشكنازي لا تحركهم دوافع إنسانية، بل الخوف الديمغرافي من العرب.

في البار نفسه تطلب منه صديقته أن لا يقترب منها كثيراً خوفاً من ردة فعل "الهيبي" الإسرائيليين. وفي موضع آخر يخرج إياد للمرة الأولى والأخيرة من استلابه في الصف حين يعبر عن امتعاضه من كون العرب لا يحضرون في الأدب الإسرائيلي إلا كقردة متوحشة ومهووسة بالجنس، ولا تنسب إليهم أي ميزة إيجابية غير الفحولة الحيوانية التي ينسبها العنصريون البيض إلى السود في أفريقيا الجنوبية، ويورد أمثلة صادمة على ذلك لدى أعلام الأدب الإسرائيلي المكرسين عالمياً على شاكلة عاموس عوز. إن كان الفيلم يركز على سيرة بطله وتجربته الشخصية، فنظام الفصل العرقي يظهر بوضوح في الخلفية. بينما يتنزه إياد مع صديقته في شوارع القدس، يتعرض بشكل منتظم للإهانة والإذلال من قبل الجنود ورجال الشرطة وزعران الشارع. في أحد المشاهد، نراه يتكلم مع صديقته عبر الهاتف وخلفه لافتة تحذير بالعبرية والعربية: "أيها العربي، إياك أن تحلم بالمرأة اليهودية!". وحين يحتاج إياد إلى العمل، توصد جميع الأبواب بوجهه ويضطر إلى جلي الصحون في قبو أحد المطاعم.

المطعم يبدو نموذجاً مصغراً عن الهرمية العرقية في المجتمع الإسرائيلي، أصحاب المطعم أشكيناز (يهود غربيون)، النُدُل سفرديم (يهود شرقيين)، والعرب تحت الأرض يجلون الصحون. حين يسأل إياد أحد زملائه إن كان لديه أمل بالترقية إلى رتبة نادل، يجيبه هذا الأخير: "ما تحلم، ما إلك إلا تروح تستشهد وتطلب من الله يرجع يخلقك يهودي". يسلط الفيلم كذلك الضوء على الدور الطليعي للجيش في المجتمع الإسرائيلي. كل النخبة الأكاديمية في مدرسته منذورة للمؤسسة العسكرية، وصديقته تتركه بعد البكالوريا كي لا يقف عائقاً بينها وبين حلمها بالإنخراط في الموساد. 

حين تسوء حالة جوناثان ويصاب بشلل تام، ينتقل إياد إلى بيته لمساعدة أمه في العناية به، ومع الوقت يأخذ، بتواطؤ الأم، باستخدام بطاقة هوية جوناثان للإستفادة من الامتيازات الواسعة التي تتيحها. في المشهد الأخير، يعود إياد على عجل من سنته الجامعية الأولى في برلين لتوديع صديقه المحتضر. يُدفن جوناثان في مقبرة إسلامية بهوية إياد، بينما يمشي إياد، بعد أن صار جوناثان، مع أمه الجديدة في جنازته الخاصة. في هذه النهاية السريالية، يتبع إياد نصيحة زميله في المطعم، هو يموت معنوياً ليعود ويولد يهودياً. النهاية تحيل رمزياً إلى الخيارات الوحيدة التي تتركها إسرائيل لمواطنيها العرب: الهجرة أو العنف أو الإستحالة يهوداً بسحر ساحر. 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها