الجمعة 2015/04/24

آخر تحديث: 15:11 (بيروت)

ذاكرة السينما: الارتقاء حقُّ المأساة علينا

الجمعة 2015/04/24
ذاكرة السينما: الارتقاء حقُّ المأساة علينا
"ألمانيا عام صفر" لروبرتو روسيلليني.
increase حجم الخط decrease
سينمائي يقف أمام مشهد عريض للحرب ويسأل: يا الهي، هذا اعظم من أن يُجَسَّد على الشاشة! وآخَر، أمام الموقف نفسه، يحمل الكاميرا ويذهب الى المغامرة، إيماناً منه بأن الوسيلة الوحيدة لاعطاء الواقع حقه هو عبر الارتقاء به. الفن عموماً، والسينما خصوصاً، سبيل الواقع الى الارتقاء. السفاح، والمستبد والطاغية الذي يتلذذ بلحم ضحاياه، يجد حضناً دافئاً له في صقيع العالم، الذي تتلاحق فيه الأحداث بسرعة جنونية. هؤلاء كلهم يجدون لهم بيوتاً يحرسها كاتب السيناريو، والمخرج، ثم مجموع الممثلين. مَن يؤمن بالسينما وسيلة ارتقاء بالواقع، لا يسدّ بابه أمام أي صراع أو مأساة، مهما يصعب تقبلهما، ومهما تكن ضخامة الأشياء وعظمتها، ليقول: السينما لا يمكن أن تنقل هذا الشيء.

ستيفن سبيلبرغ وصف المحرقة النازية في "لائحة شيندلر"، وأطاح الكليشيه الذي كان يؤكد أن هذا حدث أهم من أن يُنقَل. جسّد سبيلبرغ واحدة من أكثر الجرائم هولاً في تاريخ البشرية بتفاصيلها الصغيرة. بل سمحت عظمة السينما، لروبيرتو بينيني، بأن يقحم الملهاة في قلب المأساة في "الحياة حلوة". حتى اليهود الراديكاليون لم يفتحوا افواههم. الكندي من أصل أرمني أتوم ايغويان انجز فيلماً مبهراً هو "أرارات". كان يؤمن هو ايضاً بأن الابادة التي تعرّض لها ابناء شعبه عصية على التسجيل. غيّر رأيه وهو ينجز العمل، فجعله "فيلماً داخل الفيلم" وسلّم مهام تجسيد الابادة الى شخصية المخرج التي يضطلع بدورها شارل أزنافور، متبرئاً من هذا الفعل نوعاً ما ولكن غير قادر على انكار أهميته. هكذا، خرج التاريخ الى الضوء مجدداً.

وإذا اقتربنا قليلاً من منطقتنا، وجدنا أن أهم وثيقة عن مجزرة كفر قاسم، هو الفيلم الذي انجزه برهان علوية. مثله، أصر ايليا سليمان على نقل يوميات الشعب الفلسطيني المملوءة بالقهر، من ازقة الناصرة الى المحافل الدولية. لا أحد يبكي في أفلامه ولا أحد يصرخ: "وينكن يا عرب؟". لكن كل ما يحتاجه المرء كي يفهم مَن هو الجلاد ومَن هو الضحية، موجود في طياته!

ألم يصوّر الايطالي روبرتو روسيلليني "ألمانيا عام صفر"، و"روما مدينة مفتوحة" ما إن انتهت الحرب العالمية الثانية؟ ألم ينجز غودار "رجال الدرك" اثناء حرب الجزائر؟ وشابلن، ألم يقدم فيلماً عن هتلر في "الديكتاتور العظيم" العام 1940؟ هذه الأفلام هي للتاريخ قبل أن تكون للمشاهدين. بلى، السينما تعبّر عن أعظم الألم وعن أشد اللحظات مأساة وخراباً. 
في "حتى فقدان العقل"، للبلجيكي جواكيم لافوس، نرى امرأة تقتل أطفالها الخمسة. يكتفي لافوس بلقطة أو اثنتين، لا حاجة لأكثر لهزّ بوصلة المشاعر.

السينما الأميركية التجارية من جانبها، جاءت بتنويعات كثيرة ومعان متعددة، لخرافة نهاية العالم. أيّ كتابٍ، أيّ نشرةٍ اخبارية، أيّ صمت يستطيع أن يحيلك على احاسيس مشابهة لتلك التي تنتابك عندما تشاهد الكرة الأرضية وقد غمرتها الثلوج الأبدية، كما هي الحال في "يوم بعد غد" لرولاند ايميريك؟ هل هناك لحظة أكثر تعاسة من نهاية العالم؟ مع ذلك، لم تقف السينما أمامها مكتوفة اليدين! مَن يردد مع كل صراع جديد ومع كل حرب جديدة، "هذا الشيء أقوى من أن يُجسَّد"، فالمشكلة في قدراته، وفي عقله، وفي فهمه للسينما، وخصوصاً في طاقته التعبيرية.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها