الأربعاء 2014/07/23

آخر تحديث: 11:00 (بيروت)

سيد قطب و"جهاد المايوه"

الأربعاء 2014/07/23
سيد قطب و"جهاد المايوه"
increase حجم الخط decrease

يوزّع على بعض المواقع الإلكترونية والمدوّنات، مقال "أنتيكا" بعنوان "خواطر المصيف-الشواطئ الميتة" لسيد قطب، نشر في جريدة الأهرام في 10 تموز (يوليو) عام 1938.

كتب سيد قطب مقاله الشهير، قبل سنوات من انضمامه إلى جماعة الإخوان، كان حينها خارج أي قيد وأي تنظيم ديني، بل كان ليبرالياً منفتحاً. وإعادة نشره بالشكل الذي يتمّ، يعتبر نوعاً من "كشف المستور" عن جوانب من شخصية قطب، مواقفه وكتاباته وحياته التي انقلبت رأساً على عقب، وتشبه حياة الفنانات التائبات (شمس البارودي وأخواتها) اللواتي انتقلن من العري والجرأة إلى الحجاب والتعبّد بعد صدمات مختلفة وغير مقنعة، ويحاولن بعد توبتهن منع صورهن العارية والمثيرة.


وما يريده سيد قطب في مقاله هو أقرب الى دعوة "الجهاد بالعري" ويشبه استنتاجات علماء الاجتماع، يقول: "ليس في الجسم العاري على "البلاج" فتنة لمن يشاهده، ويراه في متناول عينه كل لحظة، وأفتن الأجسام هناك هي المستترة في "البرنس" أو "الفستان". أما في المايوه فهي لا تجذب ولا تثير، وإن أثارت شيئاً فهو الإعجاب الفني البعيد بقدر ما يستطاع عن النظرة المحفوفة المرهوبة"! يستطرد قطب فيقول: "الذين يدعون إلى إطالة "لباس" البحر، وإلى ستر الأجسام بالبُرنس، إنما يدعون في الواقع لإثارة الفتنة النائمة، وإيقاظ الشهوات الهادئة، وهم يحسبون أنهم مصلحون".


ما قاله الإحيائي والجهادي سيد قطب عن العري والمايوه، لا يبدو غريباً بالنسبة لعارفي سيرته ما قبل الإخوانية وقد وصفه حسن البنا شخصياً، بأن دعوته نجسة. وليست المرة الأولى التي يسلّط الضوء على  مقاله عن المايوه وعلاقته الحرّة بالأدب والكتابة، وهو مرّ في حياته ببعض المفاصل التي تبدو "صادمة" فعلاً. كان ناقداً أدبياً وروائياً وشاعراً ومقرباً من شيخ الروائيين نجيب محفوظ، وكانت أناشيده مقرّرة على طلبة المدارس حتى منتصف الستينات، عندما قبضت عليه المخابرات الناصرية، كما أنه كتب رواية صدرت عام 1947 وحملت عنوان "أشواك" تقترب من أن تكون سيرة ذاتية يشرح فيها معاناته النفسية بعد قصة حب فاشلة تتخللها لقاءات غرامية وجنسية. وهذه واحدة من كتاباته التي يحاول الإخوان إخفاءها وإزالتها من الوجود، كأنها لم تكن باعتبارها نتاج المرحلة "الجاهلية" لقطب. ربما أبرز ما يحاول الإخوان أيضاً إخفاءه في السيرة الذاتية لقطب، قصة إلحاده الشهيرة والتي كتب عنها عام 1939: "ظللت أحد عشر عاماً ملحداً حتى عثرت على الطريق إلى الله، وعرفت طمأنينة الإيمان"، وهو اتهم بالإلحاد بسبب كتابه "التصوير الفني في القرآن" الذي أصدره عام 1939، وكان مليئًا بأحط النعوت لأنبياء الله... وحتى نظرة قطب للدين قبل "الأخونة" كان لها وقع خاص ومختلف، يقول الباحث سليمان فياض في مقال له في مجلة الهلال أيلول (سبتمبر) 1986، إنه سمع من سيد قطب أنه ظلّ ملحداً أحد عشر عاماً، ويعتبر الناقد الأدبي عباس خضر في كتابه "هؤلاء عرفتهم" (دار المعارف): "إن سيد قطب قال له يوماً: إن الدين ضرورة لقيادة القطعان البشرية، ولا يمكن أن يسلس قيادها بغيره". ومن وجهة نظر جماعة الإخوان وزعمهم، ولد قطب فقط عندما التقى مع أفكار زعيمهم حسن البنا، والتحق بالجماعة، وما قبل ذلك التاريخ هو مجرد لحظة عابرة.


منذ انضمام سيد قطب إلى الإخوان ثم إعدامه على يد النظام الناصري، تحولت شخصيته ما يشبه الرمز أو الأسطورة للفكر الأصولي وبات كتابه "معالم على الطريق" أشبه بـ"إنجيل" لمجموعات الإسلام السياسي، وهو كان له تأثيره حتى على الخميني ووجهاء الفكر الشيعي في النجف. كانت "رمزية" قطب الإخوانية في مواجهة نجيب محفوظ الليبرالي وما بينهما من تقاطعات بعد مرحلة التلاقي الثقافي، عاشا مرحلة الطلاق السياسي، بدأت علاقتهما عبر الكتابة، وحدها، لم يكونا قد التقيا بعد، عندما كتب قطب دراسته الأولى عن محفوظ بعد أن أصدر روايته الثانية "كفاح طيبة" التي كتب عنها في مجلة "الرسالة" عام 1944: "لو كان لي من الأمر شيئاً لجعلت هذه القصة في يد كل فتى وكل فتاة، ولطبعتها ووزعتها على كل بيت بالمجان، ولأقمت لصاحبها - الذي لا أعرفه - حفلة من حفلات التكريم التي لا عداد لها في مصر، للمستحقين وغير المستحقين". بعد هذه المقالة كتب قطب ثلاث مقالات أخرى في مديح محفوظ عن روايات "خان الخليلي"، و"القاهرة الجديدة"، وأخيراً "زقاق المدق" وكتبها في مجلة "الفكر الجديد"... كما كتب عن محفوظ في رسالة له أرسلها من أميركا إلى توفيق الحكيم (نشرت أيضا في مجلة "الرسالة" عام 1949). نجيب محفوظ أشاد بموهبة سيد قطب في بدايته وكان آخر لقاء جمع بينهما حين ذهب محفوظ عام 1965 ليهنئ قطب بالإفراج عنه بعد أن أمضى في السجن عشر سنوات وسرعان ما أدخل السجن وقتل أو أعدم. وعام 1972 أصدر محفوظ رواية بعنوان "المرايا" بطلها عبد الوهاب إسماعيل، لا تكاد تختلف صورته عن صورة سيد قطب، ابتداء من عينيه الجاحظتين الحادتين اللتين لم يسترح لهما محفوظ حين تعرّف عليه في أحد الصالونات الأدبية أثناء الحرب العالمية الثانية.


النافل أن قطب سافر إلى أميركا في ربيع عام 1948، ولم يكن يعرف إلا القليل عن الإخوان. اكتشف الإسلام في الغرب، وتبنّى نظرة أصولية إلى الذات بسبب صدمة الحداثة الغربية والاحتكاك بالآخر وما تركته من آثار سلبية، خصوصاً بعد مقتل زعيم الأخوان حسب البنا، يقول قطب في مذكراته: "لفت نظري بشدة ما أبدته الصحف الأميركية وكذلك الإنكليزية التي كانت تصل إلى أميركا، من اهتمام بالغ بالإخوان ومن شماتة وراحة واضحة فى حل جماعتهم وضربها وفى قتل مرشدها"، وتحولت علاقة قطب بالغرب والتغريب إلى كراهية بدوافع طُهرانية عنيفة.

increase حجم الخط decrease