الخميس 2014/11/27

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

أيام قرطاج السينمائية:دورة الفرح الخاوي

الخميس 2014/11/27
أيام قرطاج السينمائية:دورة الفرح الخاوي
مُنع الفيلم التونسي "صراع".. فتفاقمت الانتقادات لرئيسة المهرجان "العائدة بسياسات ثقافية من العهد البائد"
increase حجم الخط decrease

تستعدّ تونس لاحتضان الدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية التي ستنعقد خلال الفترة الممتدة بين 29 نوفمبر/تشرين الثاني و6 ديسمبر/كانون الأول 2014، بمشاركة 240 فيلماً من 48 دولة منها 15 فيلماً عربياً وإفريقياً، ستتنافس على الجوائز الكبرى الثلاث، منها فيلم تونسي وحيد بعنوان "دون2" للمخرج الجيلاني السعدي رغم أن قانون المهرجان يبيح لتونس المشاركة بفيلميْن.

وصاحَب الإعداد لفعاليات هذه الدورة جدلٌ حادٌّ حول استفراد درّة بوشوشة، مديرة الدورة الحالية، بمسائل التنظيم ودعوة الضيوف واختيار الأفلام المشاركة ومزجها بين علاقاتها الشخصية وتسيير مهرجان مدعوم بأموال المجموعة الوطنية، وهو ما حدا ببعض الجمعيات والهيئات السينمائية التونسية إلى رفع القضية إلى وزير الثقافة، مراد الصقلي، في سعي منها إلى تدارك ما يمكن تداركه لضمان حيادية المهرجان.

لقد تنامت موجة الانتقادات الموجّهة إلى درّة بوشوشة، التي سبق لها أن ترأسّت دورتيْ 2008 و2010 لأيام قرطاج السينمائية، على إثر رفض لجنة انتقاء الأفلام، التي تشرف عليها، قَبولَ ترشيح فيلم "صراع" لمخرجه منصف بربوش للعرض على هامش أيام المهرجان، وهو أمر حفز سامي إبراهم، وهو باحث جامعي وفاعل في المجال السينمائي، على توجيه رسالة إلى وزير الثقافة قال فيها: "إنّ منع فيلم تونسي لحماً ودماً، إخراجاً وتمثيلاً وإنتاجاً وتقنية، من مجرّد العرض على هامش مهرجان عريق مموّل من المال العام، هو إهانة للثقافة التونسية وللإبداع ولمبدعين تونسيين مرموقين أثّثوا هذا العمل الفني، وعودة إلى السياسات الثقافية نفسها في العهد البائد، في المصادرة والانتقاء والحجر على الإبداع وحرية التعبير الفني. إنّ الحجر على هذا الفيلم هو إهانة لضحايا سياسات زمن القمع والقهر والحصار والتجويع والتفقير وإرهاب الدّولة، الذين تناول هذا الفيلم بكل شجاعة معاناتهم وعذاباتهم التي أهملها مبدعون آخرون". وأضاف الباحث قوله: "إن هذا المنع سيظلّ وصمة عار على جبين هذه الدورة التي ستكون حزينة رغم الأضواء الفاقعة ومظاهر الفرح الخاوي".

ومهما كانت وجاهة نقد بعض الفاعلين السينمائيّين التونسيّين لإشراف درة بوشوشة على الدورة الـ25 للمهرجان، وتعرّضهم لبعض الهنات التنظيمية التي وقعت فيها على غرار "تغييبها السينما التونسية"، كما جاء في البلاغ التنديدي للغرفة النقابية لمنتجي الأفلام الطويلة، واعتبارها المهرجانَ "كعكة يلتقي حولها الأصحاب والأحباب" على حدّ قول إيناس بن عثمان الكاتبة العامة لنقابة تقنيي السينما، و"توظيفها العاملين بشركتها السينمائية الخاصة في تسيير شؤون الدورة".. فالظاهر أن هذا النقد طاول من مسألة فساد السينما التونسية، قشورَها، ووقف بها عند بُعدها الشخصيّ دونما تنبّه إلى ما يتخفّى في جوهرها من حقائق.

فممّا لا شكّ فيه أنّ رفض فيلم تونسي "لحماً ودماً" من المشاركة في فعاليات المهرجان ليس حدثاً فنياً فحسب، وإنما هو أمر ينبئ بأن صناعة السينما وشروط عرضها مسألتان تعودان بالأساس إلى ضعف الصناعة السينمائية التونسية وغطرسة الجهات المالية المموّلة وإملاءاتها المجحفة، سواء على مستوى مضمون الأفلام أو على مستوى حضورها في المهرجانات الكبرى. ذلك أن عدم تنبّه المؤّسسات الرسمية إلى خطورة وظيفة الفنون السينمائيّة ومدى تأثيرها في الرأي العام، بعدما تَيَسُّرِ لها التواصل السهل مع الناس وتنوّعت طرائق عرضِها وتعمّق تأثيرُها في المتلقّي من خلال ملامستها للمسكوت عنه في المتخيّل الجمعيّ، إضافة إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الأفلام، وضعف السيناريو، وندرة قاعات العرض واهتراء محتوياتها، كلّها أمور دفعت الكثير من المخرجين السينمائيين التونسيّين إلى سلوكِ إحدى السبيليْن: إمّا الهجرةُ إلى أوروبا والاندراج في منظومتها السينمائية التي تُبيح لهم أشكالاً من التعبير عن أفكارهم غير متوفِّرة في بلدانهم، وتمكّنهم من الدعم الماديِّ المريح لإنجاز أفلامهم وفقَ إكراهات السياقات الثقافية السائدة لدى شعوب أوروبا.. وإمّا البقاء في تونس وانتظار صدقة مالية تمنّ بها المراكز الثقافية الأجنبية أو التعويل على الدعم الحكومي الضئيل لإنتاج أفلام يظلّ أغلبها غارقا في محليّة باردة وخاليا من كلّ روح فنية.

وفي جميع هذه الأحوال، يظلّ "المال" المتحكّم، الأهمَّ في نجاح الصناعة السينمائية أو في فشلها وعدم قدرتها على المشاركة في المهرجانات السينمائية الكبرى التي يظلّ فيها المموِّل القويّ هو مَن يفرض على منظِّميها قبولَ صناعته ويوفّر لها الأسباب المادية والفنية للحصول على الجوائز المرموقة. ومن ثمة يُضطرّ هؤلاء المنظّمون، على غرار درّة بوشوشة، إلى البحث عن التعليلات والمسوٍّغات التي يبرّرون بها إزاحة هذا الفيلم أو ذاك من الأفلام الوطنية "لحماً ودماً" من مهرجاناتهم.

وما يخلص إليه القول في هذا الشأن هو أنّ الفعل السينمائي التونسيّ ما زال دون القدرة على تجاوز العوائق التي أثَّرت في مردوده الكميّ والنوعيّ، وأوْهنتْ فيه القدرةَ على مزاحمة النتاجات السينمائية العربية والغربية في زمنٍ حضاريٍّ تُعوّل فيه الشعوبُ على فنونِها لصيانةِ هُويّاتها المحليّة.

الجدير ذكره أنّ هذه الدورة ستُفتتح في المسرح البلدي بالعاصمة التونسية، بفيلم "تمبكتو شجن الطيور"، للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو، الحائز جائزة فرانسوا سالي بمهرجان "كانّ" السينمائي 2014، بعدما عَدَلَتْ درّة بوشوشة عن عرض الفيلم الوثائقي "مانديلا طريق طويل نحو الحرية"، الذي أخرجه جوستان شادويك وقام بدور البطولة فيه إدريس إيلبا وناعومي هاريس. وكأن ثمة سعياً خفياً من إدارة المهرجان لاستبعاد الأفلام ذات الصلة بالثورة ومشتقاتها، على غرار رفض عرض الفيلم التونسي "صراع"، الذي يصوّر إرهاصات الثورة في تونس، وكذا استبعاد فيلم مانديلا الذي يحكي سيرة بطل ثوريّ. أما المشاركات العربية فتضمّ أفلام: "بدون2" من تونس، و"ديكور" من مصر، و"عمر" من فلسطين، و"الوهراني" من الجزائر، و"ذيب" من الأردن. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها