السبت 2014/10/25

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

لوسيان بورجيلي مواجهاً الرقابة بـ"لعيونك سيدنا"

السبت 2014/10/25
increase حجم الخط decrease
عاد لوسيان بورجيلي ليكمل حربه ضد الرقابة في لبنان بمسرحية "لعيونك سيدنا" على خشبة مسرح "بطحيش" في الجامعة الأميركية (بيروت). لا يخفي المخرج والكاتب المسرحي دهشته بأن عرضه "قطع" أخيراً من أمام مكاتب الرقباء في مديرية الأمن العام اللبناني، بعدما مُنع نصه "بتقطع أو ما بتقطع" العام الماضي من العرض.

في "لعيونك سيدنا" يحمل بورجيلي ورفاقه مسرحهم إلى أروقة دائرة الرقابة في الأمن العام. الكابيتان، المقدم والعميد في موقع العمل هم مسرح محتمل لجمهور واسع من الممكن أن يُصادفهم يومياً أو يتفاعل معهم ويشاركهم النص. لهذا قسّم بورجيلي مسرحه إلى نصفين متماثلين، مكتب "للكابيتان" على يسار المسرح ومكتب للعميد على يمينه. بينما الكابيتان وزوجته الصحافية هم محاكاة للواقع القريب، يؤدي العميد على اليسار دوره الحقيقي في الواقع الذي عايشه لوسيان في نص "بتقطع أو ما بتقطع". أي أن بورجيلي قسّم مسرحه بين الواقع والمتخيل لكنه أزال الحواجز بينهما ليصبح العبور من أحدهما إلى الآخر خلال العرض ثيمة أساسية، تُصادق على الواقع وتسخر من المتخيل. يعلّق بورجيلي في حديثه مع المدن: "العرض يتحدث عن الواقع الذي وصفته الرقابة بالمتخيل عندما رفضت نص "بتقطع أو ما بتقطع"، فكان هدفنا في التقنية والشكل هو تثبيت أن الواقع والخيال يشبهان بعضهما، وهما في نهاية الأمر واقع".

المعطيات السابقة ليست نتائج يخرج بها الجمهور أثناء العرض، بل أن بورجيلي ذاته هو من كان يخبرنا بهذه التفاصيل كل قليل في فواصل ارتجالية عابرة للنص المفترض، ما جعل التداخل بين الواقع والمتخيل من جهة وبين العرض والجمهور من جهة أخرى في أكثر أشكاله فوضوية. يسمي بورجيلي مسرحه: "ارتجالي محترف"، ويؤكد: "هذا الأسلوب المسرحي لم يكن موجوداً في لبنان، لقد ابتدأته بعرضيّ ماتش أسود ومتلي متلك". يبدأ بورجيلي من المتخيل في مكتب الكابيتان حيث يقوم بتشطيب نص لفيلم متهماً صاحبه بالتحريض على الطائفية والمساس برجال الدين. الكابيتان لا يمارس الرقابة فحسب بل هو ناقد ومسرحي ومخرج، يقوم بتعديل النصوص وتقليص حجمها، يزيل ما هو زائد ويشذب ما تبقى فيصبح الفيلم الطويل قصيراً، والموضوع الناقد مُحابياً، ذلك بالطبع قبل أن يكتشف المقدم دعجة أن المخرج هو قريب ضابط رفيع.

الأمر ذاته بالنسبة لجان دارك، الفنانة المسرحية التي لا تكف عن مديح نفسها والتفاخر بأعمالها، تُمنع مسرحيتها من العرض بتهمة التعري والمساس بالآداب العامة. لكن دور جان دارك في العرض كان لافتاً من حيث التوظيف الإخراجي لشخصيتها. فبينما يؤدي لوسيان بورجيلي وطارق أنيش وفرح شاعر وحسين حجازي أدواراً مزدوجة بين طرفي المسرح، تتنقل شادن فقيه (جان دارك) بين المساحتين محدثةً تقطّعاً في مكان العرض وزمانه. فبعد أن يوزع بورجيلي الأدوار أمام الجمهور شارحاً قواعد مسرحه، تعود جان دارك لتقاطع المشاهد كأنها تخرج عن النص أو كأنها تتدخل من خارج المسرح كلما رأت مشهداً يحتاج التدخل. وفي مكان آخر يقف بورجيلي وفقيه على جانب المسرح ليقوما بالتعليق المباشر على مشهد يحدث على الجانب الآخر. لعبة بورجيلي في تداخل واقع صالة العرض بواقع النص ومتخيله فاتحاً حدود مسرحه، كادت تكون مثمرة لولا افتقارها للمادة المسرحية الدسمة التي يفترض أن توازي هكذا تقنية. لكن "لعيونك سيدنا" هو عرض متخفف من عدّة سمات مسرحية مهمة، فبرود الروتين اليومي في دوائر الأمن العام، أوقع بورجيلي بعرض بارد أيضاً، لم تنفع التقنيات النصية في إحيائه. يفسر بورجيلي هذا التخفف بأنه "تجنب لتعقيد المشهد المتداخل بين الواقع والمتخيل، فالتقنية التي تنقل الشخصيات باستمرار بين هذه الثنائية هي دينامية العرض الحقيقية".

لكن في الحقيقة، الخشبة كانت جافة وغير مثيرة للدهشة أو الامتاع البصري. المشاهد جاءت مجردة من الإضافة السينوغرافية والحركة المسرحية المرنة. افتقار الديناميكية في العرض جعله أقرب إلى عرض تلفزيوني تقليدي لمكتب في مؤسسة رسمية وموظفين ومراجعين لا أكثر. في نهاية العرض يفتح بورجيلي النقاش بين الممثلين بصفتهم المسرحية والجمهور، بحيث يتم تبادل الآراء والأسئلة مع الشخصيات وليس مع الأشخاص ذاتهم. يقول بورجيلي: "جلسة الحوار في مسرحي التفاعلي هي جزء من العرض، فالممثلون يتابعون أداءهم بوصفهم العميد والكابيتان وغيرهما".

"لعيونك سيدنا" عرض يسعى إلى تسليط الضوء على ظاهرة الرقابة على النصوص الفنية في لبنان، وهو أيضاً تحدٍ للأمن العام في فضح ممارسات الفساد في دائرة الرقابة ونقل صورة الواقع كما هي إلى المسرح بوصفها تحمل طاقة مسرحية، لكن إدخال الواقع على المسرح، مهما كان غريباً ومضحكاً، يحتاج إلى معالجة فنية عالية لتخفف من ثقله. وإلا فإن خشبة المسرح قد تكون مؤهلة لأن تصبح مكتباً بيروقراطياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها