الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

مورو كوردا: البهلوان المتشنج والحرب اللبنانية النحّاتة

الأحد 2015/10/04
increase حجم الخط decrease
تقدم صالة "مارك هاشم"، النحات الإيطالي مورو كوردا، من خلال مجموعة منتقاة من الأعمال، التي تعرّف الزائر على شغف الفنان الكبير في استعمال مواد نحتية مختلفة واستخدامها قناة  للتعبير عن مواضيع شائكة ومثيرة للجدل، تتعلق بالموت والحياة والحرب والصراع والتعذيب وغياب الإنسانية. ورغم ذلك سيجد الزائر أن العديد من أعماله يطغى عليها حس فكاهي أسود لا يلبث أن يظهر هول الحقيقة المُعبر عنها. نذكر من تلك الأعمال مجسمات "بالونية" لرؤوس بشرية مصنوعة من مادة الريزين ملوّنة بلون الجلد البشري. رؤوس مُحيرة ذات عيون مُخيفة وأفواه مُقلقة تبث الهلع في نفس الناظر اليها.

في المعرض الذي يحمل عنوان "حركة ومواد"، منحوتات كبيرة الحجم ومصنوعة إما من "رزين" أو من"برونز". قد يرى البعض في هذه الأعمال تجاور عالمين متناقضين، وهما الحياة المُجسدة في حركات و"شقلبات" لاعب الجمباز الذي برع الفنان في تجسيد ليونة حركاته، وعالم الموت أو العذاب المجسد في المجسمات البرونزية لوجوه شديدة التعبير عن انسانيتها حتى في عزّ انحرافها، في بعض تفاصيلها، عن القواعد الكلاسيكية المُتبعة لتشكيل الوجه البشري.

لكن المُتمعّن في "بهلوان" النحات مورو كوردا، مهما تنوّعت واشتدت بهلوانياته، التي تشهد للفنان بموهبته الصادمة ونضوج تقنيته الفنية، سيعثر على تشنجّ ما مُخالف تماماً لسلاسة الحركة الجسدية. أكثر ما يظهّر هذا التشنج هو اللباس الخاص بلعبة الجمباز والمُلتصق كلياً بجسد البهلوان. لباس غير عاديّ لأنه يظهر وكأنه جلد اللاعب المكّون من قطع متلاصقة مُحاكة بخيوط برونزية نافرة وبالغة الدقة، تحيل إلى فكرة الألم المُزمن أو الجرح المُعالج بإبرة جرّاح غير مبال بالألم الذي أحدثه للبهلوان (غير القابل للتخدير) أثناء العملية الجراحية ولا بفداحة الندوب الذي ستبقى بعدها لتكون جزءاً من شخصية البهلوان. بهلوان ربما يجسد الإنسان بشكل عام حينما يكون مُتعال على الجرح وقادر بقدرة قادر على خلق التوازن في حركاته وأفكاره ومشاعره، وهو في عزّ ألم خفيّ.

يُذكّرنا بهلوان مورو كوردا بفيلم "الجلد الذي أعيش فيه" للمخرج بيدرو ألمودوفار، ليس فقط لناحية اللباس الذي ترتديه الممثلة  الينا أنايا، بل لجهة مخزون الألم الجسدي والنفسي المرتبط عضوياً بلباس يشبه جلدا اصطناعيا وبشريا في الآن ذاته. جلد يحمل في نسغه غريزة الحياة والأثار المؤلمة للنزاع البشري على السواء.

في المعرض منحوتات أُخرى للفنان، لكن من برونز وهي في أغلبها مستوحاة من "تمثال الشهداء" اللبناني لكن فقط بعدما مرّت عليه الحرب اللبنانية وتركت فيه أثارها من تفسخات وتصدعات وبقايا رصاص وشظايا صواريخ.

وجد الفنان في ذلك التمثال، الذي أكملت نحته الحرب اللبنانية، ما يعبر عن الخصوصية المرتبطة بذاكرة المكان والأفراد. لا يختلف الفنان الإيطالي في نظرته إلى تمثال الشهداء عن الكثير من اللبنانيين الذين رأوا أنه كان نصباً إيطالياً أنيقاً لم يتحول إلى عمل تذكاري ووطني إلا بعدما عُمّد بجحيم النار اللبنانية.

في المعرض مجسمات برونزية عديدية لوجوه شكّل ملامحها الألم الجسدي والنفسي، ولكنها رغم ذلك وجوه تبتسم بنبل ورباطة جأش مُرهفة، تبعد كل البعد عن العظمة المافوق انسانية التي تميزت بها منحوتات الساحات العامة في الحقبة التوتاليتارية السوفياتية. نذكر من تلك الأعمال تلك التي تحمل هذه العناوين "الرجل المحطم" و"الوجه المجوّف"، و"ما تبقّى".

بهلوان محترف مفعم بالحيوية يجيد اقامة التوازن، لكنه كائن كئيب يوّد أن يتحرر من بهلوانياته، ومجسمات برونزية نبيلة الملامح، إنما تشي بسكون مريب، هذا ما سيكتشفه زائر معرض النحات مورو كوردا المستمر حتى 14 تشرين الأول/اكتوبر الجاري. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها