السبت 2014/12/20

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

فيصل الكردي يرشّ جدران طرابلس بالحكايات!

السبت 2014/12/20
increase حجم الخط decrease
يؤجل الشاب الطرابلسي فيصل الكردي نومه. يحلو له النزول الى شوارع طرابلس ليلاً كي يرسم. يؤنسه مساء المدينة الغارق في العتمة وفي وشوشات خفيفة، وهو "يرّش" جدرانها المهملة. يعمل، مثل "سارق"، على رسومه وخطوطه، في الخفاء، لكنه لا يخاف من شيء. ربما ما يخيفه، وفق ما يقول، "رتابة العيش". وفي طبع الشاب ان يبقى "انونيمست"، اي ان يبقى مجهولاً، لكنه بات حكاية من مدينة منسية. وهو يطمح الى رسم حيطان باب التبانة حيث لا تزال آثار المعارك حاضرة منذ ايام المجزرة في العام 1986، الى نهاية معركة "مولوي - منصور" اللذين استوطنا مسجداً وحاربا ضد الجيش اللبناني.

يروي فيصل يوميات طرابلس "الموقوفة"، والتي رغم محافظتها، تؤلّفه مع أترابه في شوارعها وتتركهم يشاغبون فيها، ويبددون الوقت والسجائر. يقول: "هناك خيبة تجتاحنا. لا سهر هنا ولا حياة ليل ولا أنشطة. كأنها مدينة للعجائز".

يحكي وهو يرتب قميصه المرقط، الذي اكتشف، رغم أن أمه اشترته له منذ عام تقريباً، انه "موضة" اليوم. يبتسم وهو يرشف فنجان "النيسكافيه" بخجل، "بحب الموضة. بس ما بقصد كون فيها. عندي ستيلي بس. قليل تجيب تياب".

الشاب "الهابستر" الذي يرتدي سروالاً فضفاضاً وعلى رأسه قبعة صوفية ملونة ويطيل شعره الاشقر، يحب المدينة رغم انها لا تشبهه كثيراً، "فيها ألوان حلوة وحادّة"، يقول بحزم، ويوضح "هذا أقوى ما فيها. ألوانها وقحة وجريئة ومتناقضة متلها. مدينة ملونة رغم هذا الحزن الكثيف الذي يغلفها". لكن هذا الحزن الذي تعيشه طرابلس وتواجهه في آن، كما نلاحظ في يوميات ناسها، يحاول أن يرسمه بطريقته، "الألوان فرح وحزن. مش فرح بس".

يعيد الشاب ملامح وجوه من يرسمهم مثل تشكيل مدينته. يقول: "لما برسم الوجوه بفكر بناس الشوارع، بالفقرا والعاديين والشباب المنسيين. ملامحهم المختلطة فيها مشاعر كتير. كأنن عم يحكو بملامحهن". ينقل قصص الناس بالألوان، "يمكن ما بعرف اكتب قصص، بس بعرف وصلها للعين"، يوضح وهو يشعل سيجارته. 

يحكي فيصل عن ألوانه التي يعدّها مسبقاً، "برسم بالبيت بالأول. وبنفّذ على الحيط بعدين". يؤكد ان المدينة تحتاج الى صورة أبهى، لكنه يدرك تماماً أن "الفن ليس فقط محاولة تجميلية". يعلق: "الغرافيتي بوح"، لكن ماذا يمكن ان يبوح ابن العشرين عاماً لجدران المدينة المتروكة؟ يجيب: "كتير أشياء. خصوصي بطرابلس، عنا حكي كتير وأفكار. يمكن ما عنا غير الحيطان نحكيها".

تتحول جدران المدينة التي باخ لونها وأهملت، وتعمشقت عليها أشرطة الكهرباء القانونية وغير القانونية، الى أداة تعبير. يلونها فيصل مع "كيماوي"، وهو لقب الرسام الغرافيتي الطرابلسي خالد قدور والرسام فواز الرافعي احياناً.

أنجز فيصل مع "كيماوي" لوحات عدّة. رسما لوحة ولوّناها عن "أبو نجيب"، بائع العلكة في شارع المطران الذي مات مؤخراً. كان أبو نجيب ملهماً لشباب "شارع السكر" والمطران، حين يلمحونه ويردد لهم تحياته ويلاطفهم. رجل سبعيني ذو وجه ابيض وبشرة ذهبية، يعامل الشباب كأنهم أولاده. أراد خالد وفيصل ان يتركاه في الشارع رغم موته. رسماه بلطف كما عرفه المارة وسائقي السيارات وسكان الحي. 

يأخذ الرسم، فيصل، الى ساعات الصباح، وهو يضع ألوانه وخطوطها بعناية. يتناول فنجان قهوة مصبات مع بعض رفاقه، ثم يعود الى غرفته. رغم أنه يعدّ شوارع المدينة غرفه الحميمية، ينتمي فيصل الى بيت متحرر لا يمنعه من أن ينزل منه ليلاً. لا يخاف من كلمة "أزعر"، يدرك جيداً أن ما يفعله ليس "زعرنة"، بل هو فن. دافع عن رأيه مرات كثيرة أمام بعض رفاقه وأقرباء له. لكنه يقول أن الناس تغيرت وصارت تعرف ما معنى "غرافيتي"، ويضيف: "صاروا يقدّرون هذا الفن. حتى أن كثراً اشتروا لي عدة وطلبوا مني أن أرسم لهم على حيطان بناياتهم أو على محالهم".

وقرب بنايته الواقعة في شارع "المرابطون"، التي اتخذت يوماً شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة"، عمل فيصل على رسم له: "حبيت خبّر انو مين ما كان في يكون إله قيمة بالغرافيتي. الشاب العادي والبياع والشحّاد وحتى المشهورين... كرمال هيك رسمت حالي. نحنا صورة المدينة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها