الأربعاء 2014/07/02

آخر تحديث: 12:50 (بيروت)

انفجارات شعبية تمتصّها كرة القدم

الأربعاء 2014/07/02
انفجارات شعبية تمتصّها كرة القدم
مشجعات إيرانيات خلال مباراة إيران مع البوسنة-الهرسك في مونديال 2014 (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
"صحيح الجزائر فريق عربي بس كان بدي روسيا تربح وتترشّح على الدور الثاني"، قالها بحسرة وغضب، جاري المرتدي قميصاً طبعت عليه صورة الرئيس بشار الأسد مع شعار حملته الانتخابية "سوا" باللون الأخضر. سألته لماذا؟ فقال لي: "روسيا وقفت معنا وساندتنا أكثر من كل الدول العربية ولولاها لكنا بخبر كان. هذا لا يعني أنني لا أحب فريق الجزائر والرئيس بوتفليقة المساند لقيادتنا!" وهذا هو حال جميع الموالين للحكومة السورية.

الموقف من فرق المونديال وتشجيعها مرتبط غالباً بالمواقف السياسية لدرجة التداخل والربط الميكانيكي. فأغلب المعارضين كانوا ضد الفريق الإيراني وأي خسارة له كانت تعني الفرح والحبور؟ فعند خسارتها أمام الأرجنتين بواحد صفر كتب أحدهم على صفحته: "ودخل غوول على خامنئي برجل الساحر ميسي".

الموقفان السابقان يكثفان التداخل بين حرب المونديال والحرب السورية. أي بلد تناصر الحكومة السورية، يشجع الموالون فريقها والعكس صحيح. إذ أي فريق يتبع لحكومة من دول (أصدقاء الشعب السوري) يشجّعه المعارضون! وهذا ليس بجديد على كرة القدم كونها اللعبة الأكثر شعبية التي تثير العواطف والتشنّج وصولاً للحروب بين الدول.

فكلنا يذكر كيف كانت تجري مباريات سوريا والعراق لمدة عقدين من الزمن تقريباً. بسبب الصراعات بين فريقي حزب البعث والخلافات السياسية الشديدة بين حكومتي الراحلين صدام حسين وحافظ الأسد، نادراً ما انتهت مباريات من دون اشتباك بين جمهوري الفريقين والتي كانت تجري في بلد ثالث منعاً لحرب قد تفجّرها كرة القدم فهي لا تحتاج بين (الأخوة الأعداء) إلا "القشة التي تقصم ظهر البعير".

وليس بعيداً من مونديال 2014 وانعكاساته السياسة، جرت أحداث القامشلي بتاريخ 12 آذار 2004 إثر مباراة كرة قدم بين فريق القامشلي "الجهاد" وفريق دير الزور "الفتوة". حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين مشجعي الفريقين (الأكراد والعرب) سرعان ما تصاعدت لتصبح احتجاجات وتظاهرات سياسية امتدت إلى بعض أحياء دمشق مثل ركن الدين ووادي المشاريع وبعض الأحياء في مدن أخرى. وكانت حصيلة المواجهات بفعل تدخل الأجهزة الأمنية، حوالى 40 قتيلاً ومئات الجرحى ومئات المعتقلين (خرج قسم كبير منهم بداية الاحتجاجات العام 2011). أحداث 2004، والتي تعتبر بروفا جنرال لتظاهرات واحتجاجات 2011 ووقعت للمصادفة في الشهر نفسه، فجّرتها مباراة في الدوري، أي أن المباراة كشفت مدى الاحتقان والتهميش والظلم الذي عانى منه الناس وخاصة (الكرد) وما المباراة إلا الصاعق الذي فجّر جبال الغضب عند الشعب.

وفي سياق التصفيات إلى نهائيات كأس العالم 2010، تحولت مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر إلى أزمة كبيرة بين البلدين الشقيقين، كادت تتحول لحرب ضروس لو كانت هناك حدود برية مشتركة. فبعد اللقاء الحاسم بينهما في العاصمة السودانية الخرطوم، وقعت مصادمات بين مشجعي الفريقين تصاعدت إلى حرب سياسية، حيث سُحب السفير المصري من الجزائر، وتبادلت الدولتان الاتهامات باستهداف شركاتهما ومصالحهما ومواطنيها، واستدعت الخارجية المصرية سفير الجزائر في القاهرة.. قال المحللون وقتذاك إن تراكم الظلم والاستبداد والفقر وتراجع التنمية انفجر كله أو أن الحكومتين وجهتاه إلى الرياضة ليفجّر عداء وضغائن بين شعبين متشابهين في كل شيء. ونمط حكمين أيضاً متشابهين في كل شيء..

وفي بطولة كأس الأمم الأوروبية 2008، فاز المنتخب التركي على نظيره الكرواتي في العاصمة النمساوية فيينا، إلا أن هذا الفوز أخذ منحى سياسياً ودينياً بعد هتافات المشجعين الأتراك والمقارنة بين الفوز الكروي وانتصارات السلطنة العثمانية في منطقة البلقان. وسرعان ما ردّ الكروات على الأتراك بهتافات مضادة، وتحولت الشوارع إلى ساحة معركة حقيقية حطم فيها المشجعون كل ما تقع عليه أيديهم، ولم تنته المواجهات بتدخل الشرطة النمساوية، وانتقلت إلى البوسنة والتي تضمّ بوسنيين كانوا حلفاء للعثمانيين في السابق وكرواتاً، لتعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب المدمّرة التي عاشتها المنطقة في تسعينيات القرن التاسع عشر.

والمثال الأكثر كارثية على صعيد حروب كرة القدم كان حرب الجارين السلفاداور والهندوراس في أميركا اللاتينية. ففي تصفيات كأس العالم 1970 أقيمت مباراة حاسمة لتحديد الفريق الذي سيتأهل إلى النهائيات المقامة في المكسيك، ففي المباراة الأولى فازت هندوراس على ملعبها واعتدت الجماهير الهندوراسية على جماهير السالفادور. وتطورت الأمور إلى مهاجمة الأحياء التي يقيم فيها سالفادوريون، ما دفعهم إلى الفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، فتقدمت السالفادور بشكوى للأمم المتحدة وهيئة حقوق الإنسان بشأن الأحداث، وبعد أسبوع واحد فازت السالفادور قي ملعبها ونال أنصار هندوراس نصيبهم من الاعتداءات... فشنت قوات السالفادور هجوماً واسعاً النطاق على جارتها ودخلت إلى عمق 40 كيلومتر، وردّت هندوراس بطائراتها التي ضربت مدينة سان سالفادور وأكابوتلا بالقنابل. وبعد أسبوعين من التدخلات الدولية توقفت الحرب التي أسفرت عن دمار كبير وخسائر هائلة في الأرواح.

هذا التصعيد الكروي استخدم من قبل حكومتي البلدين لتوجيه انتباه الناس إلى الخارج، بدلاً من الصراعات السياسية الداخلية في كل بلد. كما لعبت وسائل الإعلام في كلا البلدين دوراً هاماً في تشجيع الكراهية بين الشعبين، تماماً كما حصل في الجزائر ومصر.

لم يشارك منتخب الاتحاد السوفيتي السابق في بطولة كأس العالم 1974 إذ رفض اللعب آنذاك مع منتخب تشيلي على بطاقة التأهل للمونديال، إثر مقتل الزعيم التشيلي سلفادور الليندي في انقلاب عسكري أطاح حكومته الاشتراكية. والرفض جاء بعد معرفة السوفيات بأن المباراة ستقام في الملعب الذي اعتقلت فيه حكومة بينوشيه الانقلابية، اليساريين، وتمت تصفية المئات منهم في هذا الملعب، وشاركت تشيلي في النهائيات من دون لعب المباراة الأخيرة في التصفيات.
increase حجم الخط decrease