الجمعة 2015/01/30

آخر تحديث: 13:29 (بيروت)

ميريام دلال... ماذا لو رحلنا بصمت؟

الجمعة 2015/01/30
ميريام دلال... ماذا لو رحلنا بصمت؟
على المرايا سنرى تعليمات ورسالة مباشرة: "يرجى نسياني بعد رحيلي"
increase حجم الخط decrease
افتتح مشروع "أيام" (بيروت)، معرض "الرحيل قريبا" للفنانة اللبنانية الصاعدة، ميريام دلال التي حوّلت الصالة إلى عمل تجهيزي من شأنه أن يدعو المتفرجين إلى اعادة النظر في كيفية تحفيز الذاكرة عبر الحواس، تحديداً عندما ينشأ تأثر ما في حال مواجهة تجارب موت مفاجئ. وتستوحي دلال معرضها من سلسلة التفجيرات التي هزت لبنان العام 2013، وتسعى لإضافة نقاشات مرتجلة للذاكرة الفردية وحتى الجماعية في سياق المجتمع الذي تمزقه أعمال العنف المتكررة.

ماذا لو قررنا لمرة واحدة أن نرحل بصمت؟ أن لا نكترث لأنانية وجودنا في حياة أحبائنا بعد رحيلنا، ونسعى لمحو أنفسنا من ذكرياتهم كي يرتاحوا. حجّة الوجود كلّها مرتبطة بالذكرى التي نتركها، فنتعلّم منذ الولادة أن نخلق مكاناً لأنفسنا في قلوب الآخرين. هكذا يكون الحب، انعكاساً لصورتنا في يوميات غيرنا حين لا نكون موجودين. وكلّما ازداد الحب، تزداد الصورة ظهوراً في التفاصيل اليوميةّ أكثر فأكثر، حتى استهلاك كل العناصر لتصبح أدواتاً لربط الأشخاص فيها.

"ما الأثر الذي سأتركه في قلوب من يحبونني بعد رحيلي؟". بدأ مشروع "فرض" النسيان لدى ميريام دلال، من هذا السؤال. تتذكر الفنانة الشابة حادثة وفاة أخيها المفاجئ حين كانت صغيرة، وتربطه بحالة الرهاب الجماعي من الموت المفاجئ، التي عاشها اللبنانيون إثر التفجيرات الإرهابية قبل سنتين. "الذكرى مؤذية، أفجع من الرحيل نفسه".

اليوم، ستتسنى لنا الفرصة لتعلم كيفيّة الرحيل بسلام. ستأخذنا دلال إلى رحلة تجريبية نحضّر فيها الأشخاص الذي نحب على طريقة نسياننا. سندخل أولاً في نفق، معلّق على جدرانه صور لسبعة شبان في حالة سبات على أسِرّة، آذانهم وأنوفهم محشوة بقطع من القطن، وعيونهم مغلقة.

ترى دلال في المعرض رسالة حبّ، فاختارت بدورها شباناً يشبهون الرجل الذي تحب، ليكونوا الشخصيات التي ستتعلّم منها النسيان.

هناك نظرية تقول بأن للتذكر شكلان، شكل نستدعي فيه الذكرى إرادياً، وآخر يحصل لا إرادياً، فتستدعيه حواسنا. هكذا تحمي دلال شخصياتها من المحفزات الخارجية التي من الممكن أن تثير الذكرى عندهم، بردع قدرتهم على الرؤية والشم والسمع. مقابل الصور، مرايا ستُظهر انعكاساتنا، أو انعكاسات من نحبّ، فنأخذ وضعية الشخصيات التي تستقر في حالة تعلّم النسيان. وعلى المرايا سنرى تعليمات اقترحتها دلال، إلى جانب رسالة مباشرة تقول: "يرجى نسياني بعد رحيلي".

أسفل المرايا سنجد أوراقاً مربعة، سنكتب عليها أسماء من نحب، ومن نختار تعليمهم نسياننا. "أبو علي عيسى، ملاك زهوي، ماريا جوهري، علي خضرا، محمد الشعار..". 98 اسماً ستتكرر على مسامعنا خلال العملية، وهي أسماء ضحايا التفجيرات التي استهدفت مدنيين منذ العام 2013، كنوع من التأكيد على الشعور بالخوف من "الرحيل قريباً".

بعد الاطلاع على الطريقة، سنعلّق الأوراق التي كتبنا عليها أسماء من نحب على جدار مخصّص لها.

بنَت دلال طرحها لطريقة النسيان استناداً الى جدلية قدمها نيتشه، تقول أن عملية النسيان لا وجود لها، والذكريات هي مجرد تجارب معينة يحتفظ بها الفرد بشكل دائم ويستدعيها متى شاء. فأوجدت دلال "النسيان" كشيء ملموس من الممكن تطبيقه.

ميريام دلال تتبع مناهج فنية متعددة، وتضيء في أعمالها على فكرة الموت والنسيان كوجود ماديّ. في العام 2010، قدّمت معرضها الفنّي الأول في "زيكو هاوس" وكان حول استخدام الناس للصور لتذكر أمواتهم، وكأدوات للتخفيف من ذنب المُضي قدماً. هذه المرّة، قلبت دلال المعايير رأساً على عقب، فمن خلال معرضها التفاعليّ "الرحيل قريباً"، ستحوّل الصورة إلى أداة للنسيان، على عكس وجودها التقليدي لحفظ الذكرى.

يستمر العرض التجهيزي حتى 20 آذار/مارس المقبل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها