الجمعة 2018/04/06

آخر تحديث: 12:14 (بيروت)

عمر الديوه جي: تاريخ الطب العراقي وتشييد الصحة الرسمية

الجمعة 2018/04/06
عمر الديوه جي: تاريخ الطب العراقي وتشييد الصحة الرسمية
تدمير المؤسسة الصحية جَعَل الحياة عاصية
increase حجم الخط decrease
يتعقب أستاذ الأنتروبولوجيا عمر الديوه جي، في كتابه "حياة عاصية: طب الإنتداب وصنعة الدولة في العراق" (مطبوعات جامعة ستانفورد)، تاريخ الطب العراقي، بوصفه تشييداً للصحة الرسمية وتعييناً لسياستها العامة، التي، وعلى أساسها، انتظمت مؤسساتها الإستشفائية، وقبلها، الأكاديمية. 

لهذا، للشروع في تأريخه، الذي يضمّنه نتفاً من سيرته المتواصلة، يحدد مدته الزمنية، أو بالأحرى واقعاته الأساس، أي الإنتداب البريطاني، ثم، انقلاب "البعث" واستيلائه على الحكم، ولاحقاً، حروبه، وبعدها، سقوطه إثر إطاحته من قبل الغزو الأميركي العام 2003.

من واقعة إلى أخرى، يجهد الديوه جي في وضع ترسيمة لا تتقطع ولا تنقطع للطب العراقي، بحيث أنها، وعندما تبلغ خاتمتها، تبدو أنها تعود إلى مستهلها، من دون أن تتوقف طبعاً، فـ"الطب العراقي أشار بقدره إلى قوة الإمبراطورية"، وكما يقول الديوه جي لـ"المدن"،"إذ بدأ بتحصيله في بريطانيا، وعندما انهارت دولته، رجع إليها، عمدت إلى خلقه، وطوال عقود، ظهر أنه ليس قادراً على أرضها".

لكي يحقق الديوه جي مبتغاه البحثي والتأريخي، استند إلى الأرشيف، لكنه، وبهذا، لاقى مشكلة عمله الرئيسية، وهي دمار هذا الأرشيف، وإن لم يكن بالكامل، فبالشتات. إلا أن الديوه جي جمع مواده من مذكرات الأطباء، ومن مخطوطات محفوظة في مكتبات العالم عن مجالهم، فضلاً عن مقابلاته مع المعنيين بهذا المجال، وعلى هذا النحو، "فتشت كثيراً لأصيغ رواية الصحة، التي وجدت أنها تقوم بالإستمرار، وليس بالإنبتار، ولكن، هذه الصياغة نبهتني إلى أن وثائقها، هي وثائق عاصية على الجمع، بالمعنى الفعلي، وعلى الربط، بالمعنى السردي". الأرشيف عاصٍ إذاً، غير أن وضعه هذا لا ينفصل عن موضوعه، أي الطب، أو بالأحرى عن صميم هذا الموضوع، أي الحياة بتمامها، التي يجري النظر إليها عراقياً باعتبارها متفلتة من نَظم الدولة لها.

فيطرح الديوه جي سؤالاً، هو بمثابة محور كتابه: "كيف نظمت الدولة حياة العراقيين، وكيف صارت هذه الحياة عاصية؟". بصياغة رواية الصحة، يجيب طارح السؤال عن الشق الأول منه، وبالإنطلاق من أمرين، يجيب على الشق الثاني منه: تدمير المؤسسة الصحية أدى إلى جعل الحياة عاصية، صحيح وواضح، ولكن، كل حوكمة للصحة، كل إنتاج لها وإمساك بها من قبل أي سلطة، سيؤدي إلى خلق ذلك العصيان. وبعبارة أخرى، ودائماً بحسب الديوه جي، حدود حوكمة الحياة تحضر في داخلها، وحدود السلطة عليها تحضر في داخلها، الحوكمة والسلطة ينتجان مقاومتهما التي تحطهمها. هذه كانت حال "الحكيم والحاكم"، الذين، ومع تكبيلهما بمشروع واحد، بلغا النهاية إياها. الحكيم اضمحل مع اضمحلال النظام الصحي، الذي صنعه، والحاكم تداعى مع تداعي النظام الكلي، الذي تبوأه. صناعة "الحكيم-الحاكم" أدت إلى العصيان، الذي، ومنذ البداية، كان يسكنها، إذ أنه ليس طارئاً عليها البتة، "كل سلطة تريد أن تَحْكُم وتُحكِّم، لن تؤدي في النهاية سوى إلى العصيان".

يرى الديوه جي أنه لم يرغب، عبر كتابه، سوى التأسيس لقاعدة تاريخية، ينطلق منها من أجل النظر في أمور كثيرة، تتعلق بموضوعها، أي الصحة، أكان في العراق، أو في إقليمه وعالمه، حيث وضع الطب واستشفائه ونظامه يستلزم الإطلاع عليه بسبب كونه مرتبط بوضع الدولة ومآلها. بعد نشره لـ"حياة عاصية: طب الإنتداب وصنعة الدولة في العراق" يهتم الديوه جي بالجرح وتاريخه الحديث، حيث، ومن خلاله، يحاول استنتاج مقالبه التي تعلقت بالحروب التي يشهدها الشرق الأوسط، مثلما يهتم بالباكتيريا و"مفهومها" كمبدأ العصيان ونشره، ذلك، أن الجرثومة، وكما يشيرمعناها، هي أصل الحياة، وإخلالها بإحكامها وردها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها