الإثنين 2018/04/23

آخر تحديث: 15:03 (بيروت)

برناديت وعصام والتمثيل بينهما

الإثنين 2018/04/23
برناديت وعصام والتمثيل بينهما
ليس الزواج التمثيلي بين حديب وبوخالد مجرد قران
increase حجم الخط decrease

برناديت حديب وعصام بوخالد زوجان، وهما، لما قدما مسرحيتهما "كارنيفوروس" على خشبة مسرح "دوار الشمس"، كانا خلالها زوجين أيضاً. ليس سهلاً أن يكونا على الشاكلة ذاتها في عملهما وخارجه، فهذا الأمر لا يقتضي منهما أن يطابقا بين عيشهما وعرضهما-كما في العيش، كذلك، في العرض-بل أن يزرعا الإختلاف في تشابه عرضهما مع عيشهما. من هنا، ظهر الإثنان، وخلال "كارنيفوروسـ"هما، أمام تحدٍ، مؤداه أن يشيدا تمثيلهما على أساس أنهما، من ناحية، ليسا زوجين في العيش، ومن ناحية أخرى، أنهما زوجين في العرض.

وبالتالي، يفيد تحديهما بأن يطويا تمثيلهما على نفي زواجهما في العيش لمعاودته مثبتاً في العرض، ومعاودته، في هذا السياق، لا تعني حلوله مثلما هو عند نفيه، بل حلوله مغايراً: معاودة الزواج على الخشبة بلا أن يكون الزواج نفسه. لهذا السبب بالذات، بدا عصام وبرناديت أنهما يحاولان إقرار تمثيلهما بوصفه ضد التماثل، أي ضد تماثلهما كزوجين في العيش والعرض على حد سواء، وضد تماثل زواجهما في العيش والعرض أيضاً: نمثل ضد زواجنا، نمثل لنكون زوجين من جديد، نمثل لكسر التماثل بين زواج العيش وزواج العرض!

على هذا النحو، وقبل أن ينتجا تمثيلهما مع بعضهما بعضاً، اتصف تمثيل كل واحد منهما بسماتٍ توازنت مع سمات غيره. فتجمع حديب في تمثيلها بين الإبداء الفوري، والتحرك الرشيق، والمبالغة في الشخوص. ويجمع بوخالد في تمثيله بين حدة البروز، والتحرك المتين، والشخوص الذي غالباً ما يبدو أنه في وشك إضماره. عندما يتقاطع تمثيل حديب مع تمثيل بوخالد، فذلك، في سمة بعينها، ترتبط بصلتهما بالحدث الذي يقع أمامهما، وهو، في "كارنيفوروس"، خبر تفجير ابنهما لنفسه، بحيث يسعيان إلى إدراكه معاً.

تمثيل حديب يتفاعل معه كأنه كارثة، وتمثيل بوخالد يتفاعل معه كأنه بلا معنى. التفاعل الأول لا يعني أن التمثيل يتوقف على إثر الحدث، بل، على العكس، يبغيه لأنه ينطلق في نتيجته، وانطلاقه يكون خفيفاً ثم يستحيل جامداً (من الضحك إلى البكاء)، والتفاعل الثاني لا يعني أن التمثيل لا يعير اهتماماً بالحدث، بل، على العكس، ينشغل به ليؤكد أنه بلا وقع. في هذا المطاف تحديداً، تحصل المبالغة التي يتصف تمثيل حديب بها على معناها، بحيث أنها تحتوي الانشداد العجول نحو الحدث، كما تحصل الحدة، التي يتصف تمثيل بوخالد بها على معناها أيضاً، إذ إنها تنم عن محاولة تخفيف وطأة الحدث، أو بالأحرى حسرها. تمثيل حديب هو تمثيل لأجل الحدث، وتمثيل بوخالد هو تمثيل لأجل إطفائه. للحظة، يبدو التمثيلان أنهما لا يتقاطعان، غير أنهما يفعلان ذلك بالإستناد إلى أن الثاني، تمثيل بوخالد، ينطوي على الأول، تمثيل حديب، وبعبارة أخرى ومقتضبة: الحدة تنطوي على المبالغة بحيث أنها تستر مبتغاها، وهو الإنشداد إلى الحدث من أجل التأدية فيه.

ليس الزواج التمثيلي بين حديب وبوخالد مجرد قران بين الحدة والمبالغة فقط، بل بين الرشاقة والمتانة، وبين الفورية والإضمار أيضاً، وذلك، بالإرتكاز إلى كون كل سمة هذه السمات تنطوي على بغية غيرها. فعلياً، على طول "كورنيفوروس"، بدا هذا القران في محله، إذ إنه كان مناسباً للحوار، وأدواره، مثلما لاءم ذروته الحدثية، التي أتت عوضاً عن أوج حدثي آخر، أي خبر التفجير الإنتحاري بدل ممارسة الجنس.

لم يبين الفنانان هذا القران التمثيلي بطريقة سمجة، ولم يبيناه بطريقة مهلهلة، ولو أن الرائج في بعض الأحيان قد عبر النص، لا سيما عند الحديث عن الإرهاب ودواعيه ومفاعيله، كما أنهما، وعندما طرحا قرانهما، وهذا هو الأهم، تشبثا به كمشتركهما الذي يذهب بهما إلى الفراق-لكل طرف تمثيله عند تمثيلهما معاً-وليس إلى التلاصق. يبقى أن هذا القران التمثيلي بين حديب وبوخالد، وكما ظهر في "كارنيفوروس"، هو، في مقلب من مقالبه، جمع للتمثيل أمام الجمهور والتمثيل أمام الكاميرا، أكانت كاميرا الدراما التلفزيونية أو كاميرا الأفلمة، جمع وطيد، وعندما يتكلم عن وسائط غير وسائطه، لا يفعل ذلك بوعظ المذعورين، ولا بطيش المستبشرين.

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها