الثلاثاء 2018/04/17

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

عذراً نتفليكس.. هذه ليست سينما!

الثلاثاء 2018/04/17
increase حجم الخط decrease
ليست المعركة بين "نتفليكس" ومهرجان "كان" وليدة اللحظة. لقد اشتعلت العام الفائت، يوم انتقد رئيس لجنة التحكيم، المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، مشاركة فليمين لنتفليكس: "أنا مقتنع شخصياً بأنه لا يجب منح السعفة الذهبيّة وغيرها من الجوائز لفيلم لن يتمّ عرضه على الشاشة الكبيرة. كلّ ذلك لا يعني أنّني لست منفتحاً أو لا أؤيد التطور التكنولوجي. أنا أرحب به، لكني سأحارب من أجل شيء واحد أخشى ألا يعيه الجيل الجديد، هي قدرة الجذب الهائلة للشاشة الكبيرة. يجب على الشاشة ألا تكون أصغر حجماً من الكرسي الذي تجلس عليه، وألا تكون جزءاً يومياً من حياتك. يجب عليك ان تشعر بالصغر والتواضع قبالة الصورة أمامك".


تصريح ألمودفار القاسي والشاعري حمل تحذيراً مبطّناً للشركة منذ العام الماضي، لكنّ نتفليكس أدارت الأذُن الطرشاء وأصرت على أن تشارك هذا العام بثلاثة أفلام في الدورة الـ71 من المهرجان.

لم تتمكّن الشركة من دسّ أفلامها الثلاثة بين افلام المتسابقة الرسمية على السعف الذهبية، لتوضع بالتالي في فئة مسابقة "نظرة ما". اتضح أنّ كلام ألمودوفار لم يكن إلّا رسالة تبشّر بتغيير مقبل. شروط جديدة فُرضت على الأفلام من قبل لجنة "كان"، ويجب على الأفلام المشاركة في أعمال المسابقة الرسمية أن تُعرض في دور السينما الفرنسية ولا يجدر توزيعها للمشاهدة المنزلية قبل 36 شهراً، وذلك إنفاذاً للقانون الفرنسي.

شعرت الشركة العملاقة بالإهانة، مسؤول المحتوى في نتفليكس، تيد ساراندوس، وصف طريقة معاملة "كان" بالـ"غير المحترمة"، وقال في تصريحٍ لمجلة Variety: "نريد أن يتمّ تحكيم افلامنا على ارضيه عادلة مع أفلام أخرى.. قد يتمّ التعامل مع أفلامنا وصنّاعها بطريقة غير لائقة في المهرجان. لهجتهم واضحة تجاهنا. وبالتالي لا أعتقد أنه من الجيد لنا أن نبقى هناك".

هذا النقاش بدأ إذاً منذ العام الماضي، في دهاليز "كان"، وبين صنّاع الأفلام. العديد من العاملين في المجال السينمائي أبدوا آراءهم الصريحة، والجارحة في كثير من الأحيان، حيال أحقية مشاركة أفلام نتفليكس في مهرجان "كان" أو أيّ مهرجان سينمائي آخر. المخرج الأميركي، ستيفن سبيلبرغ، هاجم نتفليكس: "الأفلام التي تنتجها نتفليكس وأمازون يجب اعتبارها افلاماً منزلية ولا يجدر أن تتأهّل لجوائز الأوسكار". أمّا الممثلة البريطانية، هيلين ميرين، فقد وصفت وجود نتفليكس بالـ"الأمر المدمر". وقالت: "بالنسبة إلى صنّاع الأفلام، هم يريدون مشاهدة أفلامهم في السينما مع مجموعة من الناس... نتفليكس هذا مزعج جداً".

أما المخرج البريطاني كريستوفر نولان، فقد نعت نتفليكس بالطائشة، في إشارة منه إلى تزامن نشر الأفلام في نتفليكس مع عرضها في السينما.

وبين الطمع في مشاهدة أكبر عدد ممكن من الأفلام في الشاشات المنزلية، وبين صناعة السينما العريقة التي لم يتمكن منها التلفاز، قد يقف كثرٌ في حيرة.

صحيح أنّ إتاحة الأفلام في الإنترنت ليست بالخطوة الجديدة، لكن نتفليكس سهّل الأمور، بل تفّهها. يهين نتفليكس السينما. لماذا؟ لأنه يريد استبدال الشاشة الكبيرة بشاشة صغيرة، ولو كانت شاشة هاتف محمول. يريد إيهامنا بأنّ التجربة السينمائية هي نفسها، عندما تشاهد الفيلم مستلقياً في غرفة النوم، أو جالساً على الكنبة في غرفة الجلوس. ألن نفقد هكذا الشعور بلذة الفيلم؟

الأفلام وجدت لنشاهدها في السينما أولاً. لا يمكن تجاوزالشاشة الكبيرة او الاستغناء عنها، وهذا أساسيٌ لصنّاع الأفلام ومحبيها على حدّ سواء.

ما زالت دور العرض تأخذ حيزاً مهماً من حياة محبي السينما الكثر. وهؤلاء لن يتخلوا عن رقي السينما وسموّها عن كلّ ما قد يأتي بعدها..

لكنّ البعض الآخر قد ينسى، بوجود نتفليكس وأخواتها، متعة التجربة السينمائية. الفيلم ليس مجرد قصة أو ممثلين أو موسيقى. فقط مشاهدته في دور عرض كبيرة، تجعلنا نعي ذلك. الصالة، الشاشة، المشاهدون المتساوون، المقاعد التي لا يمكن تعديلها، مكبرات الصوت.. هكذا تحفّز صالات السينما تذوق الفيلم السينمائي. لا يمكن إيقاف الفيلم أو تجاوز لحظة ما، أو حتّى خفض الصوت. قد تمضي ساعاتٍ وأنت جالس على المقعد بصمت، من دون أي حركة تذكر، مأخوذاً بالشاشة ومستثمراً فيها كل حواسك.

لا ريب أنّ السينما تلفنا. تجمعنا للمشاهدة. هي إذاً تجربة جماعية فنية. كل منا يشغل مقعداً في القاعة المظلمة نفسها. لكن كلاً منا، في الوقت نفسه، بمفرده. كلّ منّا يعيش تجربته الخاصة بين الجمع. نرى، نسمع، نبكي، نفرح، نخاف، نغضب. قد نرتبط بالفيلم وقد لا نفعل، قد نحبه وقد لا نفعل. هكذا يخرج كلٌّ منّا من الصالة بفيلم خاصٍ.

تتجاوز السينما الفكرة، تتجاوز الفيلم المجرّد، لا يمكن اختصارها في الموسيقى والمشاهد المتتالية، أو براعة الممثلين. إنها سردية بصرية لحقائق جوهرية. تجربة فنية كاملة متكاملة، منذ دخول الصالة، وتمتد أبعد من نهاية الفيلم.

أمام هذه الضخامة وهذا الجبروت لا يمكن الخضوع لنتفليكس.. لن يفرض أي تغيير جذري على السينما، لن تفعلها نتفليكس أو أمازون، ولا حتى طرق التصوير الحديثة أو الكاميرات الرقمية. مفهوم السينما بتقليديته، سيبقى على حاله. لا مجال للمقارنة أساساً. أناقة السينما لن تنافسها أفلام الكَنَبة وكبسة الزر. التجربة الفنية الحسية المتكاملة لمشاهدة الفيلم هي في السينما فقط.. لن تتغيّر ماهيّة الأمور إذاً، لن يتحوّل فيلم منزلي بين ليلة وضحاها إلى فيلم سينمائي.. هكذا تصبح النتيجة المنطقية والطبيعية ألا يصلح أي فيلم منزلي لأي مهرجان سينمائي..
 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها