الجمعة 2018/04/13

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

حمزة قناوي لـ"المدن":رِهاني على ضميري الفني وما ينتصر للقيم

الجمعة 2018/04/13
حمزة قناوي لـ"المدن":رِهاني على ضميري الفني وما ينتصر للقيم
"أنا ابنُ أفكار صنع الله إبراهيم وسيد البحراوي وأمل دنقل"
increase حجم الخط decrease
حمزة قناوي شاعرٌ مِصريّ، يقيمُ في دولة الإمارات العربيّة المتحدة منذ نحو عَشرِ سنوات، حيثُ يواصل مَشروعَهُ الإبداعيّ هُناك، عامِلاً في الصحافة الثقافيةِ والكتابة الحُرَّة والدراسات النقدية في صُحفٍ ومجلات عربيةٍ متعددة، أنتج ثماني مجموعاتٍ شعريةٍ، وروايتينِ ومجموعةً قصصيةً واحدةً. شارك في مؤتمرات ومهرجانات شعرية دولية بين فرنسا والمغرب وتونس والجزائر والكويت والبحرين ولبنان والإمارات وغيرها، ووصَلَت مجموعته الشعريةُ الأخيرةُ "لا شيءَ يوجعني" إلى القائِمةِ الطويلةِ لجائِزةِ الشيخ زَايد للكتاب، فرع المؤلّف الشاب.

يستعد قناوي لمناقشة أطروحتِه للدكتوراة في مصر عن "الشعر المصري الحديث في ستينيات القرن الماضي. دراسة سيميولوجية"، مزاوجاً بين إبداع الشعر وتحليله وتنظيره الأكاديمي.

هنا نحاورُ الشاعر قناوي، حولَ كتابتهِ ومنابعها ورؤيته للعالم، وعن الجوائز، ومشواره مع الأدب.


- قلت من قبل في تصريح لإحدى الصحف إن وصول مجموعتك الشعرية "لا شيء يوجعني" إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد أنصفك".. ماذا عنيت بذلك؟

* عنيتُ أن هذا الترشُّحَ أنصَفَنِي كشاعرٍ، بعد سنواتٍ طويلة من التجاهل النقدي المرير وتصنيفي- غير الموجود- بينَ أبناء جيلي من الشعراء، التسعينات، في أي أنطولوجيا شعرية تظهر في مصر، سواء في كتاب أو دراسة أو مجلة متخصصة، وترشُّح مجموعتي إلى القائمة الطويلة لجائزة عالمية لها مكانتها اليوم في خريطة الجوائز الكبرى، هو اعترافٌ بمنجزي في حد ذاته ولو لم يُحالفني التوفيق بالفوز بها في النهاية، لكني حاولتُ، وانتزعتُ اعترافاً ما بقيمة ما أكتب وقدرته على المنافسة، الكثير من النقَّاد والقراء يعتبرونني روائياً لأني لي روايتين (كان لهما حظٌّ من الذيوعِ والجوائز أيضاً هما "المثقفون" و"من أوراق شاب مصري")، والبعض الآخر يتابعني كناقد بعدما نشرت أكثر من ثلاثين دراسة نقدية في مجلات متخصصة عن مجموعات شعرية وأعمال روائية، والآخر يعتبرني قاصاً أو كاتبَ مقالات، كل هذا موجود وفي متنِ منجزي، ولكني في الأساس شاعرٌ وبعدها أشرُف بأي قيمة أدبية تضاف إلى هذه الكينونة، فوصول المجموعة إلى القائمة الطويلة لهذه الجائزة كان تشجيعاً عميقاً لطريقٍ بدأته منذ اثنينِ وعشرين عاماً – هي أكثر من نصف عمري الفعلي- منذ نشرت نصي الأول في مجلة إبداع، والذي أرسله د. عبد القادر القط متحمساً إلى عبد المعطي حجازي وحسن طلب، وتلقياه بحفاوةٍ واهتمام، ومن يومها لم يغادرني الشعر يوماً وعشتُ له كينونةً وجوهرَ وجودٍ وسبباً كافياً للحياةِ.


كيف تنظر للجوائز بشكلٍ عام، وهل صارت تمثّل في وقتنا الحالي غايةً للمبدع؟

 *أنا هنا أتحدّثُ عن نفسي: الجوائز لا تمثِّلُ لي أي غاية، هي ربما علاماتٌ مُهمَّةٌ على الطريق، ولكنَّها ليست الطريق نفسه، أنا أكتُب للإنسان لا للجوائز، ولأعبِّر عن نفسي، وعن القيّم الحُرة، العدل والتبشير بالغد والاختيار، البناء الفني وجماليات النص والفرادة الإبداعية هي ما أتصورها غاية كل مبدع وليس الجوائز، في النهاية كلمات الإنسان تعيش أكثر منه، وتبقى شاهداً على ما تركه من قيمةٍ وإضافةٍ للإنسانية، وهي شاهدةٌ عليه ولن يستطيع التراجع عنها أو إلغاؤها. ربما تمثِّل الجوائز علامةً مُهِمَّةً أو اعترافاً ما بإنجاز المبدع، أو إشارة مُشجِّعة على تميُّز عمله، ولكنها لا يمكن أن تكون غايةً نهائيةً للمبدع، فهي في النهاية مرتبطة بذائقة إنسانية، وبعوامل متغيرة، وبمعايير تقييمية تختلف من ذائقة مُحكِّم إلى آخر، ومن ثقافة مُقيِّم إلى غيره، وإلى عوامل العصر واتجاهات تقييم أدبيته (والموقف من المبدع نفسه واختياراته ومواقفه، وعلاقته بالسلطة، والمؤسسة الثقافية، وعلاقته بالنقاد، وموقعه من فكرة الرفض). من هنا فإن الكتابة من أجل القيمة، والضمير الأدبي اليقظ، والإضافة للإنسانية، وتناول هموم البشر، والحرص على التطور الفني والإبداعي والإخلاص للقيمة الفنية، والاهتمام بالمتلقي.. أهم من الجوائز من وجهة نظري.


هل لكَ أن تحدثنا عن مجموعتك الشعرية الأخيرة.. "لا شيءَ يوجعني" وكيف اختلفت عن مجموعاتك الشعرية السابقة؟

* من الصعب أن أرصدَ الفروقَ الفنيةَ أو منحنى التطور الذي ميَّز هذه المجموعة عن سابقاتها، عين الشاعر آخر من تستطيع التقاط تطوّر عمله الفني، ولكنَّ أكثر ملمحٍ ميز هذه المجموعة هو الرمز وأبعاده ودلالاته وإكسابه حمولةً تأويلية مُغايرةً عن تأويلاتِهِ المباشرة أو القريبة، لقد أعدتُ اكتشاف لغتي في هذه المجموعة عبر توظيف الرمز جمالياً بصور التوظيف الثلاث: المجازية والبلاغية والإيحائية، وقد اكتشفتُ فيهِ طَاقَةً هائلةً وقُدرَةً كبيرةً على الإيحاء في حالِ أُحسِنَ توظيفَهُ فنياً وجمالياً، لقد حاولتُ فحسب، ومن جهةٍ أخرى كان للأسطورة حضورها، والبعد الميتافيزيقي لما وراء الحياة، وقد حاولت الحفاظ على الرابط الجمالي الذي يحفظ لهذه العناصر تجانسها، وهو ما يعرف بالسياق، تجانس الصور والأخيلة مع الفكرة والمضمون. وربما عمدت إلى تغليب الواقعي على التجريدي في تناولي مشاهد من الحياة اليومية، و"تشعير" اليومي والعابر والعادي بينما أرنو إلى أفكار كبرى كالحب والموت والغياب والتحولات التي تعتري الذات، دون أن أفقد الإيقاع. إن تجربتي في هذا الديوان كانت استكشافاً للغةٍ تتجاوز دلالاتها، وتخلق جمالياتها عبر تراكيبَ جديدة، ما يمنح مساحةً للتأويل الخصب والتقاط الإشارات الجمالية.

المجاز والرمز وتوظيف الأسطورة، ومزاوجة اليومي بالميتافيزيقي، والرمزي بالواقعي، كانت جميعها عناصر تميُّز هذا الديوان واختلافه عما سبقه من مجموعات شعرية، وأستطيع القول إنني وجدت صوتي الخاص به، بعد ثماني مجموعات شعرية سابقة عليه.


- تقف الآن على أعتابِ جائزةٍ كُبرى، قد تفوز بها أو لا يحالفك التوفيق. ما الشهادة التي تود أن تتركها في هذه اللحظة لتخطَّ بها موقفكَ منها ومن الترقب ومما قد لا يجيءُ؟

* لستُ موفورَ الحظِ في مسألة الجوائز، خاصةً مع قوائمها الطويلة، إذا جاءَت الجائزة سيسعدني ذلك، قد أستطيع- أخيراً- التفرُّغ للإبداعِ وحده وأن أعيشَ لهُ، ولن أفعل شيئاً آخرَ في حياتي سوى الكتابة. وفي الحالتين لن يتغير شيءٌ جوهريٌّ بالنسبةِ لي فيما بدأته منذ عشرين عاماً، سأواصلُ الكِتابةَ والعَمَل والثبات على مواقفي، خاصةً في علاقة المبدع بالسلطة الثقافية، ورفض التدجين، وأن يكون حُرَّاً من هيمنة كل فرضٍ وتقييدٍ لذاتِه، سأظل في الحالتين، ابناً لأفكار صنع الله إبراهيم وسيد البحراوي وشهدي عطية وأنور عبد الملك وأمل دنقل، ومواقِف الكتابة الأخرى، الطريق البديل، والاختيار الحُر، والانحياز للكتابة وحدها، بما تحمِلُ من آحلام وآلام البسطاء والفقراء والحالمين معاً، أواصل الإيمان بالغد والسير في طريق الإبداع، محتضناً مواقفي ومقالاتي التي لا أتراجع عن كلمةٍ كتبتها فيها، ولا عن موقف أخذته عن قناعةٍ، فيما يتعلق بالتقدمية ودور المثقف والرهان على الشعر، اليسار التقدمي ودور المبدع في حركة المجتمع وتطوره، حتى خيباتي ومراراتي من العالم هي جُرحي الحي الذي يشعرني بإنسانيتي ولا أود نسيانها فهي- أيضاً- مُبرِّرُ وجود.

لو لم يحالفني التوفيق قد أحزن قليلاً، ولكني سأنسى وأكتب في اليوم التالي، فرهاني على الشعر وعلى الكتابة والإنسان وعلى الأمل وما يجيء لا على ما خارج كل هذا.


- كتبتُ كثيراً في مقالاتك عن "الاختيار" بوصفِهِ هويةً وكينونةً، هل يمثِّلُ لكَ جانباً مأزوماً أيضاً من مواقف الإنسان؟

* الاختيار هو الموقِفُ المُلخِّص لموقفِ الإنسان من الحياةِ كلَّ يومٍ من أدق تفاصيلِها إلى أكبر قيمِهَا، ولهذا اختصرتْ الحكمةُ الإنسانَ في أنَّهُ "موقِفٌ"، باعتبار أن الموقف اختيار، والإنسان من السهل عليه أن يسير مع الفكرة الجمعية، ويُخضع نفسه للتنميط والتوحيد القياسي لكل شيءٍ يحيط به حتى يفقد ذاته وكينونته ويستحيل إلى رقم أو نمط أو نموذج، أما الكاتب الذي يقول "لا" بوضوح، والذي يرفض التدجين، والذي يشتبك مع قضايا عصره- المحسومة بقوة الواقع وشروطه لصالح سلطة المؤسسة "ولو كانت سلطةً نقديةً رجعيةً"، فهو ينحاز للمستقبل ويراهن على الإنسان والتقدمية. الاختيار أكثرُ من موقفٍ ومَبدَأ، ويدفعُ الإنسانُ مقابلَهُ ثمناً حقيقياً في حال كان اختياره أصيلاً ونابعاً من قناعته الذاتية لا من خلال الإجبارِ أو الرهان على المكتسبات. ربما أنا أقف الآن في مفترق اختيار، ولا أحسبني سأغيِّر قناعاتي وأفكاري عن السلطة الثقافية الرجعية التي حاولت تحليلها بمقالاتي في "القدس العربي" وفي كتابي "المثقفون"، ولا عن نُقَّاد الحداثة "المزيفة" الذين أوهمُونَا في كُتُبِهِم المنقولةِ عن الغرب بأن الخلاصَ الفِكريَّ لمجتمعاتِنَا يكمن في الحداثة، لنجدهم بعد ذلك يهيمون في أوديةِ الربحِ والثراء وبيع الأفكار والانتسابِ لما يخالفُ أقوالَهُم، النقدُ العربي منكوبٌ ببعضِ نقادِهِ من باعةِ الوهم- وليس كلهم- وبنظرياتِ الحداثة المترجَمَة والمكذوبة على المعرفة العربية، وهذه مشكلة واحدة ضمن مشكلات كثيرة متأصلة في المشهد الثقافي العربي، منها عدم مواجهة الواقع العربي بقضاياه الفكرية الحقيقية في تراتبيةٍ وجوديةٍ واقعيةٍ، نحن مجتمعات تعيش الحروب والإبادة والفقر والأمية والعشوائية، ويُفتَرض أن يقف الفكر العربي بكافة فاعلياته لاجتراح مخارج لهذه الأزمات الوجودية تواجه بها آلام الإنسان العربي ومحاصرته بما يهدد وجوده ووعيه الإنساني والفكري، إن هذا أيضاً نوعٌ من النقدِ والسؤال النقدي حتميّ الطرح والمواجهة الآن.

- الذاكرةُ تحملُ أيضاً طاقَتَهَا الإبداعية الخاصة وسبل البناء الفني..إذا تركت ذاكرتكَ مراوحةً بين التذكُّرِ والنسيان.. فماذا تتذكر الآن وما الذي تنساهُ أو تحاول؟

 * أتذكَّرُ فرحتي بالشعر في نصي الأول الذي اكتشفه الناقد الكبير د. عبد القادر القط وأنا على مقاعد الجامعة عام 95، فحثني على إرسالهِ إلى عبد المعطي حجازي في مجلة "إبداع" وتلقاه الأخير بحفاوة ونشرَه، وبعدها أتذكر كوكبةً من النقاد النبلادء الذين دعموا طالباً صغيراً يسير في درب الشعرِ كالمسرنم، ولم يتركوه إلا وقد اشتدَّ عوده على الطريق، أحمد كمال زكي، وعز الدين إسماعيل، وثناء أنس الوجود، وإبراهيم عبد الرحمن، ومصطفى ناصف، ولا أنسى المفكر محمود أمين العالم الذي اهتمَّ بديواني الأول وأخذه ليكتب له مقدمةً نقديةً، وبعد بعض الوقت كنت أناقشه في بعض الأمور فعاتبني على اندفاع الشباب واعتذر عن كتابة المقدمة، ولكني مازلت ممتناً له للآن. أتذكَّرُ قلة حظي مع الجوائز العربية، ووفرة حظي مع الكتابة الإبداعية فلا أندم، ولا آسي على شيء. أتذكر البسطاء والحالمين وأنتمي لهم وراهم ملح الأرض، أتذكر بيروت التي أتعبتني وباريس التي تركت نفسي فيها وعدتُ روحاً شفيفةً تحيا على الكلمات، أتذكرُ طفلاً صغيراً يركضُ في براري الوقت مسائلاً السماء عن عدالتها، ومازال ينتظر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها