الإثنين 2018/03/26

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

لوسيان هيرفيه: مهندس الضوء ومعماري الصورة

الإثنين 2018/03/26
لوسيان هيرفيه: مهندس الضوء ومعماري الصورة
يمكن للعين أن تصبح شاعرة
increase حجم الخط decrease
يُعتبر الفرنسي لوسيان هيرفيه(1910- 2007) من بين أكبر مصوري القرن العشرين، اشتهر بمواضيعه الهندسية. وُلد في هنغاريا، ومنها هاجر إلى فرنسا في 1929 ليدرس الرسم. في العام 1949 التقى المهندس لوكوربوزييه وكان اللقاء وجّهه إلى الفوتوغرافيا.

حقّق أكثر أعماله، بين 1950 و 1965 برفقة لوكوربوزييه، إذ أجبره مرضه منذ 1965 على التخلي عن سفراته الطويلة، لكنه استمر في التواصل مع جمهوره عبر المعارض والكتب التي جمعت ما صوّره من قديم وجديد، تقليدي وحداثي، تجريدي وإنساني، مصرّاً على إثارة إعجاب متابعيه والتاثير في مواقفهم من المرئي.

  عمل مع أشهر معماريي القرن الماضي: ألفار آلتو، والتر غروبيوس، مرسيل برويير، جان بروف وأوسكار نيماير...  فتعددت مواضيعه مع تعدد الأمكنة التي اكتشفها.


يقام معرضه الحالي(حتى أيار القادم) في باريس لمناسبة مرور 10 سنوات على رحيله: وفيه: البدايات التي بلورت لغته الفوتوغرافية، لقاءاته الحاسمة، أهمية تعرّفه على لوكوربوزييه، شقته السكنية، حشريته تجاه التناقضات المعمارية والتي طورها أثناء رحلاته، وأخيراً المرحلة التجريدية.

قُسّم المعرض الذي حمل عنوان "هندسة الضوء"، إلى زوايا حملت كل منها عنواناً يُقحم المشاهد في حوار مع فكر هيرفيه.

"تميل نظرتي لأن تكون صلبة، كلوحة فنية. لدي معايير رسام". عنوان زاوية "البدايات" بين 1938 و1950 المتميزة بالتكوينات ذات القيم التصويرية، القائمة على التوازن الدقيق لللأسطح والأحجام الشديدة التباين. استخدم منذ سنواته الأولى لغة مرئية رافقته في كل المراحل، منذ تصويره برج إيفل، منطلق شغفه بالهندسة، وصولاً إلى شخصياته المنعزلة، العابرة حتى التلاشي، مروراً بما صوره من نافذة شقته (بعد أن أقعده المرض)، والمعنونة "باريس من دون أن أغادر نافذتي"، ألّف هيرفيه صوره بدقة، مشدداً على العناصر الهندسية والقبض على الجوهري فيها.

"الإنسان مقياس كل شيء" عنوان "لقاءات"، الموضوع المركزي لتكوينات هيرفيه الذي يكنّ للحياة احتراماً شديداً. يركّز كاميرته على الناس، "الأحياء"، المجهولين، الذين يضيفون إلى صوره أبعادها الرمزية. حركاتهم عفوية وجدّية، تحاور الفضاءات الهندسية المحيطة بهم، فتضيف عليها الحياة.

في موضوعه "لوكوربوزييه" إحتكاك بأعمال معماري مبدع، وحاسم في اختياره مهنة التصوير، خصوصاً تصوير المواضيع المعمارية، مجسّدة الحداثة. أدهشته الإبداعات المعمارية، بحث عن التقاط حقيقتها وحالاتها التي لا تُمس. رغب في أن يصبح معماريّ الصورة، معتمداً على عناصر بنيانها: الظل والضوء. تتشكّل خطوط وأحجام الباطون، تتضاعف وتتغيّر تحت الشمس. الفضاء المشاد والمتحوّل في تكوينات ثنائية الأبعاد يلامس التجريد" قال.

"الهندسة المعاصرة التي نتمناها، هي خلق فكرة مبهمة من لا شيء، بإحاطة تفصيل خصوصي"فكرة له تصدّرت موضوعه "الشقة". كان هيرفيه ناقداً لفن المعمار ومدافعاً عنه. مدح تطور الأشكال والمواد وشهدت عليها صوره. في رحلاته وفي جلوسه أمام نافذة شقته، ركّز على التوترات بين الخطوط المستقيمة والمنحنية، بين الفضاءات الممتلئة والفارغة للأشكال الفوتوغرافية، خصوصاً في إعادة التأطير عند الطبع، التي لم يخش من ممارستها، لجعل الصورة أكثر دينامية. استخدم اللون لبناء وإحياء فضاء العيش اليومي، تجنبه، أحياناً، خشية تشتيت النظر.



في "الهند- الماضي" استشهد بالشاعر بول فاليري: "الموسيقى والهندسة يدفعاننا إلى التفكير بأشياء أخرى غيرهما؛ إنهما وسط هذا العالم، مثل مشيدات من عوالم أخرى". برهنت أسفاره البعيدة صوابية فكرته القائمة على "البعد الكوني للغة الهندسة المعمارية". بالفوتوغرافيا، عبّر عن إفتتانه بـ"قوة العمارات القديمة وحداثتها". تحوّل إعجابه بهذه الأبنية الغامضة إلى لعبة معقدة لإيقاعات بصرية وهندسية، تدفع إلى التأمل.

"المعمار: المقدّس والمدنّس" ("ألم تلاحظ، وأنت تسير في هذه المدينة، أن بعض أبنيتها أبكم، وبعضها الآخر يحكي، وأخرى نادرة، تغني؟"- بول فاليري). "جعل هيرفيه من الظلال والأضواء صوتاً واقعياً لفن العمارة" كتب لوكوربوزييه. هي مغامرات صوفية بنظر هيرفيه الذي، إن أجاد التأمل فيها والقبض على روحية هندستها، فلإن دقته هي التي تصون أهميتها وتحسم قرار تصويرها.



وجد فيها قيماً معمارية آمن بها لوكوربوزييه. رحلات هيرفيه في العالم شرّعت له إمكانية مداعبة تعقيدات الخطوط والأحجام.


"إسبانيا السوداء- إسبانيا البيضاء" (تولد الحرية من القساوة): تعقيدات معمارية. رمزية سوداوية، متاحف، قصور، أديرة، مقابر، في ظل ملكية ومحاكم التفتيش، أو إسبانيا السوداء، تتقابل مع هندسة مبسطة لأبنية شعبية، إسبانيا بيضاء. أشار هيرفيه إلى الحداثة الصارخة للعمارة الإسبانية التقليدية.

"التجريد: الجمال في الشارع": "يمكن للعين أن تصبح شاعرة. لقد وضعت هنا كل طموحاتي، إعادة إكتشاف الجمال التافه، في كل شيء". كتب هيرفيه.  التجريد لغة عالمية، لغته، في فن العمارة، وفي اليومي. أدق تفاصيل الشارع تنقلب تجريداً، عبر غش في الهندسة، وتكتسب قيمة تصويرية.

تكويناته الهندسية الصلبة، القائمة على تباينات الضوء والظل، موحية أكثر منها وصفية، تميل نحو التجريد. غاب الحضور الإنساني عن صوره لكنّ إيمانه بهذا الوجود بقي ثابتاً.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها